شينجيانغ التحدي الصيني في تحويل اليابس إلى أخضر

محمد الحمامصي

يحاول هذا الكتاب “بما لا يضر مصالح الشعب.. تاريخ تطور فيلق شينجانغ للإنتاج والتعمير” للباحث والمترجم د. أحمد سعيد بنسختيه الصينية والعربية، الوقوف عن قرب من “فيلق البناء والتعمير بشينجيانغ” والتعرف على كافة تفاصيله وظروفه وتاريخه ومراحل تطوره؛ كنموذج مثالي للصين الحديثة، حيث يعكس الفيلق كفاح الصين من أجل تحقيق نهضتها، ويمثل العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع الصيني، وتنوع طوائفه وتجانسها، وعلاقة الدولة بالأقليات، وحفاظها على الهويات المحلية.

ويبين أيضا تنوع طوائف المجتمع، وكيفية تحقيق تجانسها، وكيف تستفيد الدولة من جيوشها في أوقات السلم، وهو أمر يجب أن نتعلمه في العالم العربي. كما يحكي الكتاب قصصا حول دور القوات المسلحة؛ حينما تضطلع بدور اجتماعي حيال المجتمع المحلي، وحينما يكون دورها مؤثرا وناجحا في تحقيق الرخاء.

ووفقا للمؤلف فإن هذا الأمر “نريد أن نتعلمه في العالم العربي، كما يمثل دور القوات المسلحة؛ حينما تضطلع بدور اجتماعي حيال المجتمع المحلي، وحينما يكون دورها مؤثرا وناجحا؛ يمكن أن يكون مثالا لكل دول العالم؛ التي تود أن تبني نهضتها الذاتية، وتستفيد من التجارب الناجحة في العالم.

والهدف من إصدار الكتاب باللغة الصينية، هو: تعريف الصينيين أنفسهم – بشكل واضح، ومن وجهة نظر مختلفة قليلا عنهم – بهذا الفيلق؛ الذي له دور عظيم في تاريخ الصين، لا يدرك أهميته الكثيرُ من الصينيين، كما لا يدركون: التاريخ الفعلي لهذا الفيلق، ولا الإنجازات التي حققها للصين ولا التضحيات التي قدمها أفراده”.

وقال “الفيلق محور وموضوع هذا الكتاب يضم 14 فرقة و176 فَوْجًا (يمكن أن نطلق على الفَوْج أيضا مزرعة)، و2000 وحدة (يمكن أن نسميها قرية)، ويتوزع الفيلق في 14 منطقة ومحافظة ومدينة؛ في كل من: شينجيانغ الجنوبية والشمالية والشرقية، ويصل عدد أفراد الفيلق إلى أكثر من مليونين وسبعمائة ألف فرد. وإذا أردت أن أضع تلخيصا لماهية الفيلق؛ فسوف أستخدم ما قاله البروفيسور لي شنغ – المتخصص في شؤون شينجيانغ – في حوار معه: إن فيلق شينجيانغ؛ ليس فقط هو القوة المهمة في التنمية والبناء بشينجيانغ، ولكنه أيضًا القوة المهمة لتحقيق الاستقرار والحفاظ على الوحدة بين القوميات، وترسيخ الوحدة الوطنية في الصين”.

وأكد د. أحمد سعيد أن الصين تعد دولةً شاسعة المساحة، وذات عدد سكانٍ مهولٍ، وتتكون من 56 مجموعة عرقية (تسمى قومية)؛ أكبرها هي: قومية الهان، وتمثل 92% من السكان، والـ 55 قومية الأخرى تسمى: قوميات الأقليات.

وقال: في شمال غرب الصين يوجد مكان ساحر يسمى: شينجيانغ؛ يُمثِّل سدس مساحة الصين، ويحوي الكثير من ثرواتها الطبيعية، وهو منفذها الحدودي مع دول وسط آسيا، وجسرها إلى أوروبا. وشينجيانغ منطقة حكم ذاتي لقومية الويغور الصينية المسلمة، وتتكون من 13 قومية؛ تعتنق 10 منها الإسلام.

وفي منطقة شينجيانغ – ذاتية الحكم، ذات التركيب الديموغرافي الفريد في الصين والعالم – يوجد كيان يسمى: “فيلق شينجيانغ للإنتاج والتعمير”، ودائما ما تدور حوله الأحاديث والمجادلات، وهو – كما يبدو من الاسم – جهة عسكرية تضم جنودًا وعسكريين، ووظيفته الحرب. ولكن الانطباعات الأولى ليست صحيحة دائما، بل يجب؛ كما يقول الصينيون: “استخلاص الحقائق من الوقائع”. فما سيكتشفه القارئُ من خلال هذا الكتاب أن هذا الفيلق: “جيش ليس بجيش”، و”تنظيم مدني ليس كأي تنظيم مدني”.

الكتاب سياسي واجتماعي؛ لا يعتمد على الآراء الشخصية، أو تحليل المراجع، وقراءة الموسوعات، والخروج بنتيجة ما؛ بل هو مبني على الزيارات واللقاءات الميدانية والمحاورات، مع كل من يمثل طبقات مجتمع شينجيانغ خاصة، والصين عامة. وقد أشار المؤلف إلى أن اسم الكتاب جاء من كلمة ألقاها الزعيم الصيني ماو تسي دونغ؛ بمناسبة تدشين الفيلق؛ وضع فيها مهمة مركزية للفيلق؛ أصبحت شعاره منذ تأسيسه وحتى الآن.

وأوضح أحمد سعيد أن فيلق شينجيانغ للإنتاج والتعمير؛ الذي يقع في منطقة شينجيانغ ذاتية الحكم لقومية الويغور الصينية المسلمة؛ له قصص وتاريخ يعكسان وجها واضحا ومميزا من تطور الصين ونقلتها خلال الستين عاما الأخيرة.

وقال إن: فيلق شينجيانغ هو نموذج للعديد من الجوانب؛ التي نريد كعرب – بل وكأجانب – أن نعرفها بأنفسنا عن الصين. الفيلق – كما اتضح لي بعد الزيارات الميدانية والمقابلات والدراسات والقراءات – يمثل الصين بأكملها؛ يمثل دولة شاسعة المساحة تعج بالسكان الذين تختلف قومياتهم وأديانهم وعاداتهم وتقاليدهم. هو نموذج للتحدي الصيني في تحويل اليابس إلى أخضر، في تحويل صحراء جرداء إلى مروج خضراء، في نقلة نوعية كبرى لمستوى معيشة السكان المحليين، في السعي الدؤوب إلى الحفاظ على الهويات المحلية؛ بل والعمل على تنميتها وتطويرها.

وأضاف: الفيلق يمثل لي الصين المتجانسة، وفي نفس الوقت الصين التي يُساء فهمها من الغرب. حالة الفيلق في الصين نفسها؛ تشبه كثيرا حالة الصين ككل بالنسبة لدول العالم، وخاصة الغربية المتشدقة بالحريات. فالفيلق له من الخصوصية داخل الصين؛ ما يجهله أغلب الصينين أنفسهم؛ فكيف للأجانب أن يدركوه؟ لذا فقد كانت كل محاولتي – وأتمنى أن أكون قد وفقت فيها – هي الذهاب لقلب هذا الكيان، والبحث في تاريخه وتطوره: كيف نشأ؟ وكيف تطور؟ وماذا أصبح؟.

وحول قصة الكتاب أضاف أحمد سعيد: بدأت تجربتي مع اللغة الصينة في عام 2001؛ عندما دخلت قسم اللغة الصينية بجامعة الأزهر في مصر؛ لأدرس اللغة الصينية، ولم أكن أعرف عنها أي شيء مسبق، ولم أكن أتوقع أنها ستكون تخصصي في يوم من الأيام. وشاءت الأقدار أن يكون مجال تخصصي في هذا القسم هو: الدراسات الإسلامية باللغة الصينية، أي باختصار: دراسة كل ما يتعلق بالإسلام في اللغة الصينية. وبالطبع فأول ما نتعلمه هو أن الصين دولة متعددة القوميات؛ تشبه أسرة واحدة متعددة الأعضاء؛ حيث تتكون الصين من 56 قومية؛ أكبرها قومية الهان؛ التي تمثل السواد الأعظم من الشعب الصيني (حوالي 92%)، ثم هناك 55 قومية من الأقليات. ولا أخفي فخري واعتزازي؛ عندما درست أن هناك عشر قوميات كاملة من هذ القوميات الـ 55 تعتنق الدين الإسلامي.

وعندما تطرقنا في دراستنا لتفاصيل الإسلام في الصين؛ فبالطبع تطرقنا للتوزيع الجغرافي لمسلمي الصين، وقصة دخول الإسلام للصين، ومسار هذا الدخول الذي انقسم – كما ينقسم طريق الحرير – إلى بحري وبري.

ولفت إلى أن الاسلام دخل إلى الصين عن طريق البحر؛ عبر التجار المسلمين من شبه الجزيرة العربية ووسط آسيا؛ الذين قدموا بحرا إلى الصين، واستوطنوا مناطق جنوب الصين، ومازالت آثارهم باقية في مقاطعتي: قواندونغ وفوجيان. ثم المسار البري؛ الذي كان عبر غرب الصين – وتحديدا شمالها الغربي – والذي دخله العرب ومسلمو آسيا الوسطى عبر تاريخ طويل وتعاقب أسر حاكمة؛ من أسرة تانغ التي عاصرت ظهور الإسلام، وأسرتي سونغ الشمالية وسونغ الجنوبية، وصولا إلى أسرة يوان؛ التي تشكلت من المغول، والتي كان عصرها عصر ازدهار الإسلام في الصين، حتى أسرة مينغ؛ التي كانت من قومية المان، وهي إحدى الأقليات العرقية الآن بالصين، وانتهاءً بأسرة تشينغ؛ آخر الأسر الإقطاعية الحاكمة، ثم قيام دولة الصين الجديدة.

وقال أحمد سعيد: استوطن المسلمون – القادمون من خارج الصين – المناطقَ الشاسعة في شمال غرب الصين، وهنا كان لقائي الأول أثناء الدراسة مع اسم شينجيانغ؛ حيث يوجد بها أغلب الأقليات المسلمة، وهي منطقة حكم ذاتي لقومية مسلمة تسمى: الويغور، وهنا علمت أيضا أن الصين بها خمس مناطق تتمتع بالحكم الذاتي: اثنتان منها تتمتع بتجمعات وحكم للمسلمين، وهي مناطق: شينجيانغ ذاتية الحكم لقومية الويغور، ومنطقة نينغشيا ذاتية الحكم لقومية الهوي. ولا أذكر بدقة إن كان اسم “فيلق الإنتاج والتعمير” قد صادفني أثناء دراستي للصينية أو قبل قدومي إلى الصين، ويمكن أن يكون قد ورد ذكره في بعض المواد الدراسية؛ ولكنه لم يعلق بذاكرتي؛ ربما لحداثة عهدي بالصين، أو بسبب تركيزي أكثر مع منطقة شينجيانغ؛ التي بها سقف العالم، وبحيرة الجنة التي تقع على ارتفاع آلاف الأمتار فوق الجبال، وبها موارد كثيرة وأقليات مسلمة، وبها ذلك التعدد الرائع من الثقافات والأديان والأشكال؛ الذي اجتمع في منطقة واحدة.

وبالفعل كانت لدي أمنية أن أزور تلك المنطقة؛ التي تمثل حالة فردية ومميزة في العالم أجمع. ولكن مرت السنوات ومثلي؛ كمثل أي أجنبي، كانت ما تمثله لي الصين في هذا الوقت؛ هو: بكين (العاصمة السياسية)، وشنغهاي (العاصمة التجارية)، إضافة إلى قوانزو التي يسكنها الكثير من العرب، والتي تعد مركزا تجاريا عالميا، إضافة إلى مدينة شنتشن التجارية، وهونغ كونغ بالطبع؛ التي يتحاكى الكثيرون عن جمالها، وأسلوبها الذي يجمع بين الأسلوب الشرقي الصيني والغربي الإنجليزي.

واستطرد: بعد التخرج من الجامعة؛ شاءت الأقدار أن أخدم بالقوات المسلحة المصرية لمدة ثلاث سنوات، وهو الأمر الذي اكتشفت – أثناء عملي على هذا الكتاب – أنه ساعدني كثيرا، وجعلني متفهما للعديد من الجوانب داخل الفيلق حين تم شرحها لي، ولاسيما دور القوات المسلحة في خدمة المجتمع المدني، والرسالة والمسؤولية التي يجب أن تضطلع بها القوات المسلحة تجاه المنطقة التي توجد بها.

وحتى بعد تأديتي الخدمة العسكرية وعودتي للحياة المدنية؛ لم يكن اسم “فيلق البناء والتعمير بشينجيانغ” من الأسماء دائمة التكرار في حياتي، بل دعني أقول إن زيارة شينجيانغ كانت حلما فتر مع الزمن، ولم يعد حاضرا في مشهد أحلامي المستقبلية بالقوة التي كان عليها. وبعدها بفترة ذهبت للعمل في دبي، وهناك احتككت بمجتمع صيني يشبه المجتمع الصيني الكبير بكل تنوعاته، ولكن لم يلفت نظري اسم “شمال غرب الصين”، وهو الاسم الذي غير حياتي فيما بعد.

بعد العمل لمدة تسعة أشهر في دبي؛ جاءت فرصة السفر للصين؛ التي كنت أحلم بالذهاب إليها والاستقرار بها، ولكن كان الحلم منصبا على إحدى المدينتين: شنغهاي أو بكين. ولكن جاءت فرصة العمل في الشمال الغربي، وتحديدا في مدينة ينتشوان؛ حاضرة منطقة نينغشيا ذاتية الحكم لقومية هوي المسلمة. وعقدت العزم على التوجه إلى ينتشوان، ولم يكن في حساباتي أن الإقامة ستطول إلى ست سنوات؛ بل وأعتقد أنها ستطول عن ذلك بكثير، إذا كان في العمر بقية.

وتساءل أحمد سعيد لماذا أكتب كتابا بالصينية والعربية عن “فيلق شينجيانغ للإنتاج والتعمير”، وحتى أوضح لك خلفية هذا القرار والدوافع التاريخية والاجتماعية التي دعتني لهذه الفكرة؛ دعني أكمل من نقطة الانطلاق والنقلة الكبرى في حياتي، وهي استقراري بمدينة ينتشوان عاصمة منطقة نينغشيا ذاتية الحكم لقومية هوي المسلمة، والتي وجدت فيها الكثير من أوجه التشابه العديدة مع العالم العربي، ليس في انتشار الإسلام فقط، ولكن في العادات والتقاليد وأسلوب الحياة.

وبعد الإقامة في ينتشوان – والعمل في مجال التعاون الثقافي بين الصين والدول العربية، ومحاولة إبراز الوجه الحقيقي للصين؛ كرسالة حياتية اخترتها لنفسي؛ محاولا بها تقديم أكبر قدر من الإفادة للصينين والعرب؛ ليفهم كل منهما الآخر – اخترت أن أكمل دراساتي العليا، وكان المجال الأنسب لما أعمل به ونشاطاتي الحياتية، هو: علم الأعراق البشرية (الإثنولوجيا)؛ فبدأت التخصص في علم الأعراق البشرية، أو كما يسميه الصينيون: “علم القوميات”، حتى أتعرف أكثر على الإسلام في الصين، والجوانب الثقافية والتاريخية والتحولات الكبرى، التي شهدها الإسلام والمسلمون في الصين بمختلف قومياتهم.

خلال هذه الفترة قمت بترجمة العديد من الكتب التي تتناول الإسلام في الصين؛ سواء كانت خاصة بمنطقة نينغشيا أم عن الصين عامة، ووصلت هذه الكتب عن الإسلام إلى أكثر من عشرين كتابا مترجما. وبالمناسبة فقد تعرضت في هذه الكتب إلى منطقة شينجيانغ؛ كونها منطقة ذاتية الحكم لقومية مسلمة بالصين، ولها تاريخ ومزايا وتتمتع بآثار وثقافة تمثل وجها من أوجه الإسلام في الصين، وهو الأمر الذي عرفني بشكل أكبر على شينجيانغ، وأعاد لي ذكريات بدايات دراسة اللغة الصينية في جامعة الأزهر؛ حيث اللقاء الأول مع شينجيانغ. كما جرى – خلال هذه الأعمال المترجمة، وفي أكثر من موضع – ذكر “فيلق شينجيانغ للإنتاج والتعمير”؛ بصفته أحد الكيانات المهمة في شينجيانغ، والتي ساعدت على استقرار وتقدم المنطقة بشكل كبير.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى