رواية الشخصية الواحدة

حنان عقيل

في كتاب لها بعنوان “الكتابة للمستقبل” تتبنى الكاتبة السودانية، آن الصافي، الدعوة إلى تغيير أشكال وموضوعات الكتابة، مشددة على ضرورة مواكبة الكتابة لمعطيات العصر الراهن، وتقول عن الكتابة “الكتابة تعبير يحدث منذ عرف الإنسان طريقه لنقل ما يجول بخاطره عبر الرسم والرمز والإشارة ومن ثم الحرف. إذن هي آلية تحدث عبر الأزمنة وستستمر ما استمرت حياة الإنسان على الأرض. ما هو الجديد في العقد الثاني من الألفية الثالثة والكتابة؟ هذا محور مواضيع الأوراق الفكرية الثقافية التي قمت بنشرها عبر عدد من الصحف العربية والمواقع الإلكترونية المتخصصة أشرح فيها معالم المشروع الأدبي والثقافي الذي أعمل عليه. معطيات العصر الراهن من تقنيات وسبل تواصل غيرت الكثير من المفاهيم ورؤى الإنسان لذاته وواقعه. لذا من الواقعية والعقلانية أن نعترف بأن واقعنا لم يعد كما كان قبل سنوات مضت فما بالك بعقود ولت”.
بصمة الإبداع

تقول آن الصافي “القنوات الفضائية وشبكات التواصل وسهولة التنقل أتاحت لنا أن نتحصل على كم معلوماتي هائل يتعلق بالكثير من الأمور الحياتية والعلوم الإنسانية. لكن السؤال هنا هل وظفنا طاقاتنا بالشكل الملائم لإحداث الوعي على مستوى الفرد ومن ثم المجتمع عبر الإبداع؟ فالتكرار يحدث الرتابة ولن يضيف للمتلقي والمكتبة العربية ما يحقق النقلة المرجوة للحاق بركب التطور. لبنة المجتمع هو الإنسان إن لم نقم بالتركيز على ذاته وسير حياته مع معطيات عصره فلن نقدم الواقعي والمجدي، ثم إن الحرف سلاح من الممكن أن يبني ويمكنه أيضا أن يهدم، ومن جانب آخر أنا أرى أن الكتابة للمستقبل احتفاء بالسمو الإنساني فكرا وروحا”.

في ما يتعلق بأسس “الكتابة للمستقبل” في أعمالها الروائية، توضح الصافي أنها تحبذ الكتابة في مواضيع بعيدة عن ثالوث التاريخ والسياسة والجنس والدين، وإن حدث وكان هنالك تناول لأي من أركان هذا الثالوث تحبذ تقديم رؤى هادفة وجديدة وقوالب تعرض بموضوعية إشكاليات ومشاهد تهم المتلقي وتترك بصمة جديدة تحمل المتلقي إلى عوالم تحقق له المتعة والفائدة. تنوه الصافي بأن المنتج الإبداعي يجب أن يحمل بصمة تعرف به يتركها لدى المتلقي ليشير إليه، وفي الغالب نجاح هذا المنتج يقاس بما يحدثه من نقلة في التفكير والإحساس بعوالمه من قبل المتلقي، إن جاز التعبير حقق في فكره معنى الأسطورة.

تقول ضيفتنا “نحن في حقبة زمانية بها أدوات جديدة على البشرية، فمعطيات هذا العصر أثرت في سلوك وتفكير الفرد والمجتمع. ومن الطبيعي أن يقترب المبدع من هذه الذات الإنسانية وعوالمها ودراستها والبحث عما يدور في فلكها وسبر أغوارها ما أمكن. كل مبدع حسب ثقافته ومهارته في تقديم أفكاره، في السرد حين نلمس الأسباب والنتائج عبر النص الأدبي نجدنا أمام نسج وتشريح يحمل العلوم الإنسانية معا وفي ذلك تتوفر المتعة والتشويق والفائدة، وهذا ما يوافق العقل البشري المنتمي إلى هذه الحقبة الزمانية أعني أجيالنا ومن سيأتون من بعدنا. فلننظر إلى الأجيال الحديثة بإقليمنا العربي التي تكتفي بقراءة الأدب المترجم أو بلغات أخرى التي عزفت عن الكتاب العربي لأن غالبية ما يكتب لدينا لا يوافق عقلياتها وقناعاتها وبعيدا تماما عن عوالمها. الكتابة التي تحتفي بمزج المتخيل العلمي والواقع وتعرض بقالب يجذب فكرنا نحو السمو الأخلاقي ومتعة التنوع الثقافي نتاج طبيعي لهذه المرحلة من الحضارة البشرية”.

تلفت الصافي إلى أن “معطيات العصر الراهن تجعلنا نقف أمام حقيقة أن الحاضر نتاج مقدمات الماضي سلبا وإيجابا واليوم بمعطياته حاملا لأسباب ستجنيها أجيال تأتي في المستقبل. والإبداع وخصوصا الكتابة مسؤولية، ليس أمر الحرف عبثا أو فعل الكتابة ترفا، فنظرة سريعة لما نحن فيه تجعلنا ندرك بأن واقعنا يحمل من الآلام ما كان يمكن تداركه عبر وقفة عقلانية وعلمية وموضوعية”.
رؤى هادفة وجديدة

السرد المحلي

وجهت الصافي الكثير من النقد لتوجه الكثير من الروائيين العرب نحو الرواية التوثيقية، معتبرة أن افتقادها للتخييل يفقدها صفة الرواية، في الوقت الذي كثر فيه هذا النوع من الكتابات إبان الثورات في العالم العربي للتعبير عن اللحظة الراهنة. تقول الصافي “الروائي القدير نجيب محفوظ صمت عن كتابة الرواية لمدة 5 سنوات بعد الثورة بمصر. ببساطة استعجال الكتابة مع الثورات مجرد نقل توثيقي وتقريري من الممكن أن يحمله مقال أو تقرير صحافي أو ورقة للتاريخ وإن حدث ونقل عبر نص سردي في الغالب سيكون فنيا مبتورا ومعالمه مشوهة الأركان. نضج التجربة مهم للجمع بخيوط الأحداث والمرور بوعي لآثارها عبر الشخوص ومجريات الحياة. العمل الروائي إن لم يحمل الجانب المتخيل ومتعة التشويق وإحداث علاقة دهشة جاذبة مع المتلقي فما جدواه؟ انتشار هذا النوع من الكتابات الروائية عن الثورات الحالية مجرد استباق للأحداث وقد لاقى صدى جيدا في بعض المسابقات لأهداف سياسية ومن ثم انجرف الكثير من الكتاب نحو الجوائز وغالبا ليس نحو تقديم عمل أدبي ناضج ومميز”.

تتابع ضيفتنا “الراهن العربي نتاج أسباب قدمها الماضي. من الحكمة الوقوف بموضوعية وتحليل ذلك بمنظور علمي وإنساني هادف. مجرد النقل كعدسة توثيق سيحفظ للأرشفة مشهدا ما ولكن الإبداع الحقيقي أن تغوص لترى من أين أتى هذا الواقع؟ وإلى أين سيسير بالفرد والمجتمع؟ وما يمكن إحداثه لتغيير المصير لما هو أكثر جدوى؟ الإبداع الحقيقي في الرواية له معايير عدة منها: تقديم النص بقوالب جديدة مبتكرة في السرد، على سبيل المثال من الابتكار، تغيير نمطية الزمان والمكان بشكل يحدث المتعة للمتلقي من أي مكان وفي كل عصر. الكاتب حسب مهارته وثقافته، وعبر اجتهاده بمقدوره أن يوظف اللغة بشكل جديد بعيدا عن الرتابة والتكرار. من ناحية أخرى الآن المواضيع القابلة للتناول مفتوحة تشمل كل مجريات الحياة، إذن لم حصرها في ذات الأطر التقليدية الرتيبة؟ كسر هذه القوالب مهم لنرتقي بالأدب ونرى عوالم جديدة توفرها ثقافاتنا وبيئتنا والطبيعة التي تلفنا مع معطيات العصر التي تخللت حياتنا”.

وعن المحلية في الأدب، توضح الكاتبة السودانية أن الأدب الحقيقي يحدث وقعا يستشعره المتلقي بشكل يحدث لديه بصمة مميزة لا ينساها. تحمله عبر النص وشخوصه والأمكنة والأزمنة والفكرة واللغة لا يهم منبع وفلك النص، المهم تميزه وجودته؛ المحلية في رأيه ثقافة يعرفها الكاتب جيدا يجول في مدارها ويتفنن في عرضها وطالما أنها ترتكز على واقع إنساني بمهارته يمكنه أن ينقلها إلى المتلقي في كل زمان ومكان بمتعة. تستحضر هنا أدب أميركا اللاتينية وما نقله لنا الأديب ماركيز وخصوصية ثقافته التي قدمها عبر نصوصه وما أحدثته في الأدب العالمي، ونجيب محفوظ وعوالمه السردية حيث نقلت نصوصه إلى لمتلقي في كل مكان وزمان وكذلك فعل الطيب صالح ونقله لثقافته المحلية إلى العالمية.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى