‘الجسرة’ تراهن على المستقبل

أحمد فضل شبلول
في ثوب جديد أطل علينا العدد 42 من مجلة “الجسرة الثقافية” التي يصدرها نادي الجسرة الثقافي بدولة قطر ويرأس مجلس إدارتها د. إبراهيم الجيدة.

ولا يزعم الجيدة أنهم في “الجسرة” قد تمكنوا من تحقيق كل الأحلام والمتطلبات المهمة والحيوية في هذا العدد، “لكنّنا بالتأكيد تمكنا من إحداث المتغيرات الجريئة التي نعتقدها ضرورية وملحّة من أجل إعطاء المجلة هوّيتها التصميمية وبصمتها المميزة، وذلك عن طريق إيجاد فلسفة خاصّة في اختيار الموضوعات والأفكار وطريقة كتابتها واستخدام الصور والرسومات الجرافيكية وأنماط الخطوط والألوان الخاصّة وتدرجاتها التي توصلنا إلى نتائجها النهائية بعد تجارب لونية عدة. وما كان ذلك ليحصل لولا روح التمرد والثورة التي تمتّع بها الزملاء في هيئة التحرير والقسم الفني وتفهمهم وإيمانهم المطلق بالتخصص، ذلك الإيمان الذي وفر لنا جميعًا الثقة اللازمة للمضي قدمًا في المستقبل، وما زال أمامنا عمل كثير وجهد سيبذل من أجل التطوير وترسيخ تلك المفاهيم في الأعداد المقبلة”.

ولم يكن التطوير والتغيير الذي تحدث عنه الجيدة في الشكل فقط، ولكن من يتأمل مواد العدد الجديد سيلمس أيضا تطويرا في الخطاب والمضامين التي تحاول المجلة إيصالها للمثقف العربي، إيمانا منها بأن “المثقف العربي يقف اليوم إزاء أعقد وأقبح وأردأ مرحلة مرت بها الشعوب العربية وانعكس كل ذلك على المشهد الثقافي، لكن آفاق الأمل تكمن في إصرار المحاربين الثقافيين، وهم يعاندون أقدارهم ويستغرقون في كتابة الروايات والمسرحيات وإقامة المعارض التشكيلية وإصدار دواوين الشعر وكتب النقد والدراسات الفكرية والفلسفية وكأنهم يسخرون مما يفعله أعداء الإنسانية ورهانهم على الخراب، فالمثقف كائن إشراقي وعقل كوني عابر للموبقات الإيديولوجية وهو يحلّق في فضاءات العطاء.

وفق هذا السياق يأتي مشروع تطوير مجلة الجسرة الثقافية وتقديمها بشكلها الجديد كجزءٍ جوهري من مشروع ثقافي طموح يسعى للتجديد الجذري والعميق على صعيدي الشكل والمضمون في بوتقة صحفية نسعى لتكون مختلفة كليًّا لجهة التنوع في التناول والكتابة النّقديّة والتحليلية”.

وقد ترجمت تلك الرؤية للدكتور إبراهيم الجيدة إلى مواد فاعلة داخل العدد فنرى الكاتب الصحفي مصطفى عبدالله يكتب عن “الرحلة المستحيلة” ويقصد بها رواية الكاتب عادل عصمت “حكايات يوسف تادرس” التي فازت مؤخرا بجائزة نجيب محفوظ التي تقدمها دار النشر بالجامعة الإميركية بالقاهرة.

ويكتب أبو بكر العيادي عن صورة العرب في فرنسا ماضيًا وحاضرًا. وتتناول د. غراء مهنا الأدب المغاربي المكتوب بالفرنسية بين ازدواجية الثقافة وأزمة الهويَّة. وترى أن هذا الأدب يندرج تحت مسمى الأدب العربي على الرغم من كتابته بالفرنسية. وتتساءل: إلى أي مدى يمكن لهذا الأدب أن يتساءل عن شرعيته ووظيفته دون أن ينفي وجوده؟ وترى أن الانفصال عن المشروع الاستعماري سمح بخلق صورة جديدة للإنسان والتاريخ. وتؤكد على اهتمام الكاتب بالهوية المزدوجة غير أن الكثير من الأعمال ما هي إلا سير ذاتية.

ويحدثنا عبدالسلام باشا عن معبد في برشلونة لم يكتمل من 135 عاما، بينما يكتب محمد آيت ميهوب عن بنزرت.. حلم البحر بأن يصير مدينة، مؤكدا أنه يعرف كلّ شبر وكلّ ثقب وكلّ عتمة وبهرة ضوء في هذه المدينة، منوها إلى أن نهج «الزنايديّة» بتلك المدينة التونسية قد سمّي كذلك لأنه اشتهر بعدد من الدكاكين المختصّة في صناعة الأسلحة. مشيرا إلى حدود ستينيّات القرن العشرين حيث كانت تلك المدينة منقسمة إلى مدينتين.

أما محمد حيّاوي فيكتب عن رحلة جابرييل جارسيا ماركيز العجيبة “ماكوندو أكسبريس الكاتب والفقراء والفراشات الصفر”، موضحا أن ماركيز كان يقيم في مدينة مكسيكو سيتي على مسافة آمنة من الحروب، مشيرا إلى هروب ماركيز من الجامعة ليمارس مهنته المحببة في عالم الصحافة، مؤكدا أن ماركيز كان معروفا في كولومبيا كصحفي حوادث لمدّة طويلة.

ويقترب د. حسين حمودة من عالم نجيب محفوظ قائلا: “عرفت شخصيته المرحة وحكمته الطاغية”، مضيفا: “كنا نجلس ونضحك ونتسامر ونتناقش في الأدب والسياسة وأمور الحياة. وكان سمعه وبصره في تناقص تدريجي، لكن عقله ظل يقظا حتى وقت رحيله. وظلّ وجهه محتفظا بملامح مشرقة وبفرحة كبيرة، وكأنه عاد إلى عالمه الأوّل. وكان صوته ضاحكا وكأننا نستكمل سلسلة نكاتنا في لقائنا السابق”.

وتطرح الكاتبة المغربية د. زهور كرام موضوع الجوائز الأدبية والفعل الثقافي للمناقشة، وترى إذا كان التتويج بقيمة مالية يُعد مظهرًا اعتباريًا، فقد يتحول إلى عنصر غير وظيفي بالنسبة للجائزة. وتوضح أنه عندما يلتبس الاستحقاق المادي بالمظهر الثقافي، فإن الوضع يُعبر عن انحراف الجوائز عن أفقها.

ويتحدث إبراهيم عبدالمجيد عن ذكريات قاهرية في ميدان عبده باشا، وكأنه في مكان آخر غير القاهرة، يقول: “وعلى غير العادة أحسست أن المكان مستقل عن القاهرة، فهو هادئ، هواؤه نظيف، خالٍ من الحركة”.

ويحدثنا ناصر عراق عن أبرز من تقمَّص دور الصحفي من الممثلين من أمثال أحمد زكي وأنور وجدي وعبدالحليم حافظ وكمال الشناوي وحمدي أحمد، مؤكدا أن أنور وجدي هو أوّل نجم يتقمص شخصية الصحافي في السينما المصرية في فيلم “ليلى بنت الأغنياء”، مشيرا إلى أن السينما المصرية ظلت تتعامل مع الصحفي بإهمال واستخفاف في أغلب الأوقات، وأن السينما المصرية لم تقدم صورة الصحفي المناضل إلا بعد طرد الملك فاروق من أرض المحروسة. ويرى عراق أن نجيب محفوظ غاص عميقا في الجهاز النفسي للصحفي بروايته الشهيرة “اللص والكلاب”.

وبمناسبة مرور نصف قرن على رحيله يكتب الفنان أحمد إبراهيم عن الفنان الراحل محمد فوزي وكنوزه الفنية وأسطورته الخالدة. مشيرا إلى أن محمد فوزي ورث حلاوة الصوت عن أبيه، هو وأخته المطربة والممثلة الكبيرة هدى سلطان. موضحا أن الفنانة بديعة مصابني استمعت إليه واتفقت معه على الغناء في الكازينو الخاص بها. فذاع صيته كمطرب على الرغم من فشله في اختبارات القبول بالإذاعة المصرية. ثم اكتشف يوسف وهبي مواهبه المتعددة وقدمه ممثلا وملحنا ومطربًا في فيلم “سيف الجلاد”. وأنه نجح في تقديم أهم أغنيات الطفل بصورة فريدة دخلت قلوب الصغار والكبار. ويؤكد أحمد إبراهيم على أن فوزي كان يحرص على الاستماع إلى الموسيقى العالمية والتعرف على الثقافة الموسيقية الغربية. وأنه قدّم أغنية عربية متطورة تتشابه مع الأعمال العالمية في فن الـ “فرانكو أراب”. موضحا أنه أنشأ أوّل مصنع للأسطوانات في الشرق لإنتاج الأسطوانات محليا بدلا من استيرادها.

ومن الجزائر يكتب مصطفى عبدالله عن مهرجان ورقلة الثقافي .. تجليات الصحراء في الأدب وحضورها في الاستشراقي، فيما يشبه الاستطلاع عن المكان والحدث، وعن مداخلته عن رائد أدب الأطفال كامل كيلاني. أوضح اهتمام كامل كيلاني، وهو غير المتخصص في العلوم، بتدقيق المعلومات التي ينقلها عن مصادرها الأجنبية، قدر إمكانه، وإن وقع في بعض الأخطاء، كوصفه للعنكبوت بالحشرة، وهو من ثمانيات الأرجل، بينما للحشرة ستة أرجل فقط. وأنسنة الحيوانات، فيخلع عليها صفات البشر، وينطقها لغتهم. مشيرا إلى أنه لا يميل بعض الدارسين التربويين إلى هذا الاتجاه، الذي قد يؤدي إلى فقدان مصداقية الأعمال، التي تؤنسن الحيوانات، لدى الأطفال الأذكياء، الذين يزعجهم أن يجدوا القطط في القصص تتحدث مع الأطفال، بينما القطط التي تجري في بيوتهم لا تتحدث معهم! كذلك الأطفال الذين يقرؤون في القصص أن الأسد ملك الغابة، فيستقر في أذهانهم أن للأسود نبل الملوك وعظمتهم، ويفاجؤون في موقع آخر بمن يقول لهم إن الأسد حيوان مفترس، لا يتورع عن قتل البشر!

ويكتب أحمد فضل شبلول عن ملتقى السرد العربي الخامس في عمّان تحت عنوان “نكوص السرد وتراجع النقد”، بينما يكتب نبيل سليمان عن تراجيديا التهجير السورية في الشعر والسرد حيث يتفتق التهجير عن النزوح واللجوء، وهو ما كابدته البشرية عبر تاريخها الدموي الذي يتعنون بحق بسعار العنف. ومن جديد هذا السعار هذا الذي يتلاطم في الفضاء العربي الإسلامي، منذ سنوات، ولا يُصدق، من فلسطين إلى العراق إلى سوريا إلى ليبيا واليمن، وعسى ألاّ يكون الحبل على الجرار.

ومن بغداد يحدثنا منذر الحر عن المعرض الدائم للكتاب بشارع المتنبي حيث الهروب من جحيم التفجيرات إلى جنة المعرفة. وكان هذا الشارع يشهد مزادًا أسبوعيًا للكتب النادرة والمخطوطات، مؤكدا أنه ظل شارع المتنبي البصمة الوحيدة التي لم تتغير في البلاد.

محمد الطراوي يكتب عن مؤسسة “روز اليوسف” أنشودة للحريّة وفضاء للتجريب. بينما تكتب أمنية كمال كامل عن رضوى عاشور.. قوة الحضور رغم الغياب.

وتحدثنا منة اللّه سامي عن لويس باستير الذي يعد من أشهر علماء القرن التاسع عشر، وأعمقهم أثرًا، وأكثرهم جلدًا على العمل؛ فكان شعاره “العمل ثم العمل”. وكان دمث الخلق، لين المعشر، متواضعًا محبوبًا. شغف بالرسم والتصوير ومازال متحفه يحتفظ برسوماته في الباستيل. وتكتب سمر بطي عن المبدع والطاقة.. والعوامل المثالية للكتابة.

ويحدثنا د. حسن رشيد (مدير تحرير المجلة) عن رحلته مع الميكروفون .. رحلته مع الحياة. وهو يعتقد جازمًا أن الأمر في مجمله كان مجرد حلم داعب المخيلة الجمعية في وطنه قطر. موضحا أن في رحلته إلى القاهرة تحقق جزء من حلمه وبدأ خطوة أخرى في مشروعه. خاصة أن اللقاءات خلقت انسجامًا فكريًا بين رجال الإعلام العرب المرئية والمسموعة منها. مشيرا إلى أن فترة الدراسة في القاهرة، تميزت بوجود كوكبة من أبرز أساتذة المسرح.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى