أزمة التّعايش في مدينة تنكرت لتاريخها!

أحمد طيباوي
في لحظة مفصلية من تاريخ الجزائر الحديث، يُحاول الروائي سعيد خطيبي (1984-)، في روايته “أربعون عاماً في انتظار إيزابيل” (الاختلاف، ضفاف، الجزائر، بيروت) أن يكثّف أزمة التّعايش والقبول بالآخر في نصّ يختزل ما قبله، باقتفاء متقطّع لسيرة “جوزيف” الفرنسي المُسلم المُساند لحرب التّحرير، الذي اختار أن يعيش في بوسعادة، جنوب الجزائر، برفقة صديق عمره سليمان، المغضوب عليه من طرف أهله.

لكن سعيد خطيبي، لم يكن أبداً يحمل أوهاماً بشأن مسقبل بطله، وأثبته عائدا منفياً إلى وطنه بعد أربعين سنة من التّيه، لفظه في الأخير.

قبيل توقيف المسار الانتخابي – الانقلاب – إنقاذ الجمهورية، عام 1992(أو كلّ بحسب ما يرى) لم تكن محنة جوزيف إلا أن يبقى على تلك الأرض وأن يُدفن فيها، بوسعادة الزّاخرة بتاريخ المارين عليها، والرّابضة على تخوم العيش والتّصحّر، ضحيّة كامرأة فقدت خصوبتها على إثر ضربات زمن جديد يجلدها بلا رحمة وغدت دون أبناء يحمونها، بل ودون ملامح طالما عُرفت بها.

جعل الروائي يغترف من وعاء الأربعين عاماً التي عاشها جوزيف في بوسعادة، المدينة الجنوبية، ليروي ذكريات الأخير عن مدينة عمره، تقاطعاته مع أهلها، ويزرع نتفا من تاريخ بعض الشّخصيات الأصيلة فيها أو الوافدة إليها، مبدياً الرّأي – على لسان جوزيف. ذلك الرّأي النّاقد لكن في تسامح وتقبّل، للخصوصية المحلية التي حاول أن يتلبّسها ونجح في ذلك إلى هذه الدّرجة أو تلك حسب ما يُقدّر القارئ.

ظلّت الأيام التي فصلت الجزائر عن الدور الثّاني من انتخابات برلمان 1992، مركزية في زمن الرّواية، ولكن زمن جوزيف تشظّى حولها، على امتداد بعض يومياته في بوسعادة، بعيد مجيئه أو قبيل رحيله الاضطراري عن مدينة قدّر أنها لم تعد تقبل بالمختلف حتى لو كاد أن يكون شبيها بها.

وعلى ذلك، بل ربما في مُقابل ذلك، كانت المناظرة – المقابلة ما بين حياة جوزيف رينشار السّبعيني، المنهكة حياته دون إنجاز أو شيء يتعزّى به في شيخوخته، وبين سيرة إيزابيل إيبرهارت، البوهيمية المُغامرة، أو الباحثة عن أفق مفتوح لحياة تختلف عن النّمط الأرستقراطي الأوروبي، والتي اعتنقت الإسلام بحسب ما يُروى في سيرتها.

شخصان تشابها في التّيه، وحتى في جوهر النّهاية ولو كان قالب كلّ منهما متمايزاً، وكذلك جرفت حياة جوزيف – الذي جعله سعيد خطيبي شخصية هادئة مُسالمة تنأى عن الصدام وإظهار التباين – تيار الانتظار والرّكود ليصطدم في النهاية بأن الزمن والمكان يرفضانهما، يلفظان النشاز الذي كان يمثّله، ولكن هل كان جوزيف يمثّل نشازا حقاً؟

حاول جوزيف، المنبوذ من قبل مدينة أحبّها واختار العيش فيها، استحضار فصول من حياة إيزابيل إيبرهارت، واستعادتها في لوحات يرسمها، رأى فيها ملهمته، أو إنسانا وقع عليها الحيف وناصبها سوء الطّالع، العداء حتى قضت غريقة جرفها السّيل وهي لم تبلغ الثّلاثين من عمرها.

كانا شبيهين، أو أنه أراد أن يشبهها فلم يستطع، ومضى يهتم بسيرتها ويقيم المقارنات ربما ليعزّي نفسه.. هل يحبّ رجل امرأة من الماضي ويحب أن يتقمّصها ويكونا خالدين في حياة ما على نحو ما؟!

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى