أبراج الحمام في مصر بعدسة مصوّر سويسري

ياسر سلطان

تستضيف مساحة فن «آرت اللوا» في القاهرة، احتفالاً بمرور عشر سنوات على تأسيسها، معرضاً للمصور السويسري ديفيد آبي، صاحب أول معرض نظَّمته «آرت اللوا» عند تأسيسها عام 2007.
اختصّ آبي بتصوير الفن المعاصر والتصاميم والهندسة المعمارية، ويمارس التصوير في الاستوديو الخاص به إلى جانب التصوير المعماري وتصوير المتاحف والمجموعات الفنية والفنانين وأغلفة الكتب والكتالوغات والوثائق. ويضم المعرض الذي يحمل عنوان «برج الحمام» مجموعة من الصور التي التقطت في أماكن مختلفة، وفيه يعود آبي إلى المساحة التي ساهم في تدشينها، حاملاً الرغبة ذاتها في الاكتشاف والبحث الدؤوب عن المثيرات البصرية في أحياء مصر وقراها الفقيرة.
وقد التفت هذه المرة إلى أبراج الحمام التي تكاد تشكل ظاهرة تدعو إلى الفضول، ليس في أحياء القاهرة وحدها، بل في مدن مصرية عدة.
تبدو هذه الأبراج على اختلاف أماكنها متقاربة الشكل والتصميم، كما تتشارك في وجودها داخل محيط غارق في عشوائيته وتناقضاته. ولئن كان مشهد أبراج الحمام لا يثير انتباه الناس، كونها تبدو تائهة وسط حالة عامة من التشوه والسباق المحموم نحو البناء، فإن وجودها وكثافة حضورها الفوتوغرافي يشعلان في الذهن كثيراً من التساؤلات والأفكار حول طبيعة هذا السلوك المتكرر بشغف في تشييد الأبراج الخشب على هذا النحو المبالغ فيه أحياناً، وبمزيج من التأنق والمنافسة والصبر.
يلفت آبي إلى ذلك التناقض بين هذه الأشكال المنمَّقة وما يحيط بها من صور عشوائية وغير متناسقة، في ما يشبه السعي إلى الانفصال عن المحيط. وترتفع أبراج الحمام إلى أقصى ذروة يمكن بلوغها بواسطة الأدوات المتاحة، قد يصل بعضها أحياناً إلى ثلاثين متراً، أي ما يعادل عشر طبقات تقريباً. وتبدو الحكايات في صور آبي من وراء المشهد معادلة للمشهد في رمزيتها وحضورها. فهو لا يلتقط صوراً بمقدار ما يمارس تعايشاً حقيقياً مع المكان وأصحابه، وتتيح له الطريقة التي يتبعها في التصوير، والتي تتطلب من عدسة الكاميرا مقداراً من الوقت للملمة الضوء، مساحة لا بأس بها من الانغماس في حوارات جانبية حول تجارب الناس وحياتهم وأسباب تعلقهم بتلك الغواية التي يصفها هو بأنها مزيج من اللعب والشغف والمتعة.
في تجربته التصويرية كثيراً ما التقى آبي، كما يقول، أفراداً وأسراً وشاركهم شرب الشاي أو تناول الطعام. هو يجمع تلك الحكايات داخل الصورة في حميمية وولع بالمشهد الذي يستطيع هو رؤية تفاصيله على نحو يعجز عنه مَن هم منغمسون داخله. ما الذي تغيَّر بين زيارة المصور السويسري الأولى للقاهرة وزيارته الأخيرة؟ غير مُبَاغَت بالسؤال يشير آبي مبتسماً إلى صورتين معلقتين على باب القاعة، التقط إحداهما في زيارته الأولى قبل عشر سنوات، والثانية للمكان ذاته في الزيارة الثانية.
لا تُظهر المقارنة تغيراً كبيراً. ليس هناك سوى ارتفاع بناية، ونمو ظاهر لشجرة وحيدة تقاوم ما حولها من جدران أسمنتية. غير أن أبراج الحمام لم تتوقف أيضاً خلال هذه السنوات العشر عن الامتداد عالياً.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى