استياء تشكيلي يمني من إغلاق السلطات لـ «بيت الفن في صنعاء»

أحمد الأغبري

أثار إغلاق بيت الفن التشكيلي في صنعاء استياءً واسعاً لدى شرائح المبدعين في اليمن، الذين اعتبروا إغلاق سلطات الأمر الواقع لهذا البيت، مؤشراً خطيراً لما باتت تعيشه الثقافة ويتهدد منابرها في هذا البلد تحت نير الحرب.
وبإغلاق بيت الفن التشكيلي في صنعاء يرتفع عدد بيوت الفن التشكيلي المغلقة في اليمن إلى 16 بيتاً من أصل 18 بيتاً لم يعد يعمل منها سوى بيتي الفن التشكيلي في مدينة ذمار/ وسط ومدنية عدن/ جنوب.
وتبقى هذا البيوت التي انطلقت تجربتها في اليمن عام 2004 هي المقدمة والنتيجة فيما يشهده المحترف التشكيلي اليمني في السنوات الأخيرة من نهضة ظهر في سمائها مئات الفنانين، مقابل بضع عشرات من الأسماء تكاد هي ما كانت تمثل هذا الفن حتى نهاية الألفية الثانية.
وإغلاق السلطات المحلية في صنعاء لبيت الفن التشكيلي غير مسوغ قانوناً، حتى لو كان المبرر شكاوى أهالي الحي المجاور من ازعاج حفلة نظمها البيت؛ فإن اتخاذ قرار بإغلاق مؤسسة ثقافية بهذه النوعية وهذا الحجم، يعبر عن مدى تهاون واستخفاف سلطات الأمر الواقع بالعمل الثقافي، وتجاهلها لما قدمته بيوت الفن التشكيلي من خدمات للثقافة اليمنية على مدى عقد من الزمن، علاوة على ما تمثله من مكانة في خدمة المحترف التشكيلي في طول البلد وعرضها.
لم تكن الحرب وحدها من تسببت بإغلاق هذه البيوت فبعضها مغلق من قبل الحرب بسبب توقف صرف مستحقاتها المالية من صندوق التراث والتنمية الثقافية، وبالتالي عجزها عن دفع إيجارات المباني وتنفيذ أي نشاط…أي أن بعضها مغلق لا لشيء إلا لعدم توفر موازنة تمكنه من تنفيذ التزاماته وتشغيل برامجه.
ألحقت الحرب أضراراً كبيرة بالفنون في مناطق النزاع، وفي مقدمتها مدينة تعز/ جنوب غرب؛ وبالتالي إغلاق البيت داخل المدنية ونزوح معظم الفنانين إلى محافظات أخرى، كما ألحقت الحرب أضراراً بمقر البيت في مدينة الحديدة/ غرب ونتيجة لذلك توقف نشاطه، فيما عملت السلطات المعنية على إغلاق عدد منها بمبررات إدارية ومالية لاستئناف نشاطها لاحقاً.. لتكون المحصلة إغلاق معظم البيوت وخسارة الفن التشـــكيلي اليمني لأهم شرايين تغذيته؛ وهــــو التوقف الذي لو استمر سيمثل تهديداً كبيراً للحركة التشكيلية اليمنية التي تعتمد كثيراً على هذه البيوت، في ظل انعدام الأكاديميات والمنصات التشكيلية المتخصصة في البلاد. لا يختلف اثنان في اليمن اعتبار أن هذه البيوت ما تزال هي أحدث منجز رفدت به وزارة الثقافة عام 2004 في عهد الوزير خالد الرويشان، المشهد الإبداعي اليمني؛ إذ استطاعت هذه البيوت أن تُخرج الفنانين من عزلتهم وتوجد لهم بيوتا يلتقون فيها ويمارسون هواياتهم ويطورون مواهبهم ويحتكون بتجارب بعضهم بعضا ويعرضون ويتنافسون تحت سقف واحد.
استطاعت هذه التجربة أن تسهم بفعالية في كسر طوق العزلة الذي كان يحكم الخناق على الفن التشكيلي ويحصره في جزيرة نائية بعيداً عن الحراك الثقافي والحياة الاجتماعية، وبفضل هذه البيوت نال الفن التشكيلي اعترافا بكينونته في المشهد والحركة الثقافية وحظي بدعم وتشجيع مكنّه من استقطاب أعداد كبيرة من الفنانين الشباب الذين وجدوا في هذه البيوت ملاذاً يحمي تجاربهم من مصيدة اللامبالاة والتهميش ويحتضن المحترفين منهم والهواة ويمكنهم جميعاً من تبادل الخبرات وممارسة الأنشطة. لقد جاء تأسيس هذه البيوت استجابة طبيعية لفيوض تشكيلية بلغت ذروة تدفقها منذ بداية الالفية الراهنة؛ فكان من الضرورة وجود مصب يستوعب هذه الفيوض ويحميها من التبخر تحت حرارة الإهمال والتهميش… فكانت بيوت الفن هي ذلك المصب.
وبيت الفن في اليمن هو عن مؤسسة إبداعية تُعنى بالفن التشكيلي وبالفنانين التشكيليين المبدعين، خصوصاً فئة الشباب وتمكينهم بواسطتها من مرسم يجمعهم لممارسة وتطوير تجاربهم وتعزيز مهاراتهم من خلال الاحتكاك واللقاء وتشجيعهم على الاستمرار، من خلال تمكينهم من ميزانية تشغيلية لكل بيت تضمن ديمومة أنشطته وبرامجه المنتظمة.
هذه البيوت تعيش، اليوم، وضعاً صعباً نقرأ من خلاله ما بات يعانيه البلد ويتهدد مؤسساته الثقافية؛ هذه المؤسسات التي تظل هي الحصن الأخير، الذي يمكن المراهنة عليه في مواجهة آثار الحرب على الوجدان والعقل الجمعي والنسيج الاجتماعي، باعتبارها المعادل الموضوعي للتخفيف من وطأة الآثار الكارثية للحرب على الحياة الاجتماعية.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى