رحيل سيد حجاب الذي نقل العامية المصرية إلى كل بيت عربي

أحمد جمال

في ذكرى ثورة يناير، التي طالما تغنى بها ولها، ودّعت مصر الخميس، شاعر العامية سيد حجاب، وسط لفيف من المثقفين والفنانين المصريين، عن عمر ناهز 77 عاما، بعد صراع مع المرض.

رحل حجاب، تاركا للمكتبة الشعرية العربية العديد من الدواوين، كان أولها ديوان “صياد وجِنيّة”، الذي أصدره عام 1964، كما عرف بين الجمهور العربي، بكتابة مقدمات المسلسلات الشهيرة “التترات”، مثل “ليالي الحلمية”، و”المال والبنون”، و”عصفور النار”، و”آرابيسك”، و”بوابة الحلواني”، حيث ارتبط اسمه باسم كاتب الدراما التليفزيوني الراحل أسامة أنور عكاشة، وحجاب أيضا هو من كتب ديباجة الدستور المصري الحالي.
سيد العامية

حجاب، الذي ولد في 23 سبتمبر عام 1940، بمحافظة الدقهلية المصرية (شرق الدلتا)، عرف الشعر منذ سنواته الأولى، من خلال أسرته المهتمة بالشعر، ما ساهم في تكوين شخصيته، وصقله لملكته الشعرية، ويعد حجاب الأخ التاسع بين إخوته، فبعد أخيه الكبير صلاح، أنجبت أمه سبع فتيات.

في سنوات عمره الأولى، كان الطفل سيد حجاب، يعرف أن ما يكتبه، ليس سوى “لعب عيال”، حتى جلس مع أبيه، الذي أدرك موهبته، وأوصاه بضرورة دراسة علم العروض، حتى يمنح موهبته الفطرية بعدا آخر.

ثم التحق بقسم العمارة بكلية هندسة جامعة الإسكندرية عام 1956، وانتقل بعد ذلك إلى جامعة القاهرة، لدراسة هندسة التعدين عام 1958، وكان للقاهرة تأثير كبير في حياة وتكوين سيد حجاب، حيث التقى هناك بالشاعر عبدالرحمن الأبنودي، في إحدى الندوات، ونشأت بينهما صداقة قوية، ثم تعرف إلى الشاعر صلاح جاهين، الذي تنبأ له بأنه سيكون صوتا له تأثير كبير في الحركة الشعرية المصرية.

بعد ديوانه الأول، انتقل صوت حجاب إلى الناس، عبر الأثير، من خلال مجموعة البرامج الإذاعية الشعرية التي قدمها، مثل “بعد التحية والسلام”، و”عمار يا مصر”، و”أوركسترا”، وذلك بالتعاون مع الأبنودي، الذي كان يقدم معه البرنامج بالتناوب، كما شارك الشاعر في الندوات والأمسيات الشعرية والأعمال التليفزيونية والسينمائية في محاولة للوصول إلى الجمهور، وقدمه جاهين إلى المخرج والممثل المصري الراحل، كرم مطاوع، فكتب له مسرحية “حدث في أكتوبر”.

في مجال الأغاني، قدم حجاب، مجموعة من التجارب الرائعة خلال مشواره، مع الموسيقار الكبير الراحل عمار الشريعي، كما لحن له بليغ حمدي أغنيات، للمطربين، علي الحجار، وسميرة سعيد، وعفاف راضي، ومحمد منير.

ويعد حجاب واحدا من الشعراء الذين كان لهم حضور في الأعمال الدرامية، حيث عُرف بأشعاره العامية، واشتهر بلقب “سيد شعراء العامية” في الوطن العربي.
وأكد حلمي النمنم، وزير الثقافة المصري، أن سيد حجاب، من شعراء جيل الستينات، الذي صهرته في شبابه محنة نكسة 67، وجعلته منحازا للقضايا الوطنية والاجتماعية والسياسية، فاستطاع أن يصوغ بكلماته كل أحداث الوطن، ووجدناه حاضرا خلال ثورة 25 يناير، و30 يونيو.

وأضاف النمنم أن أشعار حجاب استطاعت أن تصل إلى كل إنسان مصري، وتغنى بها كبار الفنانين والمطربين، مشيرا إلى أن كتابته للكثير من “تترات” المسلسلات، جعلت له شعبية كبيرة بين المثقفين والأميين، على حد سواء، لافتا إلى أن حجاب ارتقى بالعامية حتى جعلها مقروءة للعالم العربي، واستطاع أن يرسم نبض الحياة المصرية بعباراته.
الانحياز للحرية

نشأة حجاب ارتبطت بأحداث سياسية كانت تمر بها منطقة قناة السويس بأكملها، في بداية خمسينات القرن الماضي، من خلال مقاومة مصر للاحتلال البريطاني، وهو ما ظهر في بداياته الشعرية منذ الصغر.

وظل ذلك راسخا في وجدانه حتى الكبر، وتجلى في العديد من أعماله الغنائية الوطنية، والتي كان أولها “الباقي هو الشعب”، عقب انتصار 1973، والتي رفض المطرب الراحل عبدالحليم حافظ غناءها حين عرضها عليه الملحن المصري كمال الطويل، فغنتها عفاف راضي.

كان حجاب من بين أكثر أبناء جيل الستينات ثقافة وارتباطا بالحراك السياسي. وبزغ دور ه أكثر مع ثورة 25 يناير 2011، حيث كان قريبا من الشوراع والميادين التي التهبت فيها الثورة، وأسندت إليه لجنة الخمسين التي أعدت آخر دستور مصري قبل ثلاثة أعوام مهمة كتابة الديباجة، التي جاءت بلغة أدبية راقية.

يقول سمير مرقص، المفكر السياسي المصري، لـ “العرب”، إن فكرة “سيادة الشعب” بالنسبة إلى السلطة، استحوذت على أفكار الشاعر، سواء في أشعاره، أو في كتابته ديباجة الدستور الحالي”.

ويضيف أن اهتمام حجاب بالتاريخ المصري، وأثره على المستقبل، ظهر من خلال تأكيداته على قدسية النيل والأرض بالنسبة إلى المصريين، وأيضا ربطه بين التاريخ النضالي المصري القديم وثورتي يناير 2011 ويونيو 2013.

ويوضح مرقص أن حجاب يعد أحد الذين طوروا مفهوم شعر العامية، من خلال إبداعاته اللغوية وتنويعات الكلمات المختلفة، وما ساعده على ذلك تركيزه على “تترات” المسلسلات والأفلام، والتي كانت وراء جماهيريته الكبيرة.

فيما أشار الأديب والإعلامي جمال الشاعر، في تصريحات لـ”العرب”، إلى أن حجاب كان يتميز دائما بانحيازه للحرية والإبداع والتجديد والابتكار، وكان دخوله إلى عالم الدراما بمنهج التجديد والتطوير، واستخدم أسلوبا ومصطلحات جديدة، كما أنه لم يكن قلقا من استخدام تراكيب فلسفية في أشعاره، حيث أن رؤيته وثقافته الفرنسية أثرتا في كتاباته.

ويضيف الشاعر أن حجاب تمتع بالجرأة في الكتابة، وكان يرغب في إحداث صدمة في المجتمع، كي يعي وجود ثورة تكنولوجية وفكرية من حوله، وهو ما عمل عليه. ويرجو محدثنا أن يُقام مجمع ثقافي يحمل اسمه، ويكون منارة ثقافية تضم تراثه وأعماله.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى