رحيل سيد حجاب في ذكرى الثورة … يشعل حماسة فايسبوكية

مايا الحاج

مع ارتحال الكثيرين عن مفهوم «الثورة» التي اتخذت طابعاً مخيباً في مصر وفي دول عربية أخرى، ثمة من يُصرّ على الالتصاق بمعانيها التي أضاءت شعلةً في زمنٍ مغرق في سوداويته. في ذكرى 25 يناير، قرر بعض هؤلاء المخلصين لقيمٍ نادوا بها في ميدان التحرير، استحضار المناسبة «افتراضياً» علّها تزرع شيئاً من الأمل في نفوسٍ أتعبتها الخيبات المتلاحقة. لكنّ وفاة الشاعر سيّد حجاب في اليوم نفسه غيّرت ما كان متوقعاً، فاقتصر استدعاء الثورة عبر قصائد الراحل أو صوره مشاركاً في تظاهرات الشعب المصري قبل ستّ سنوات. الإحباط «الفايسبوكي» العام، وهو بات واقعاً ملموساً، استحال طاقة هائلة تمثلّت في كتابة عباراتٍ عن الشاعر ومشاركة أعماله الشعرية المغناة، أو الاكتفاء باختيار قصيدة له تلخّص نبضه الذي كان وظلّ ملازماً لنبض الشعب. هكذا صارت الصفحات منصّة عزاء افتراضية، وإن كان العزاء هنا يبتعد في شكله الفايسبوكي عن ميلودراما العزاءات الواقعية.
واللافت أنّ التفاعل مع خبر رحيل سيّد حجاب لم يكن محصوراً بصفحات المتابعين المصريين، بل إنّ مثقفين عرباً شاركوا أيضاً في رثائه. والمعلوم أن شعراء العامية قد يحققون نجاحاً ما، لكنّ شهرتهم تظلّ حبيسة أوطانهم، بحيث يصعب عليهم تجاوز حدودهم الجغرافية بلغةٍ محلية لا يستخدمها سوى أهل البلد. وهذا إن دلّ فعلى قيمة سيّد حجاب بين شعراء قلائل رفعوا من مصاف الشعر العامي ووضعوه في موازاة شعر الفصحى. ولعلّ أكثر ما ساهم في انتشار قصائد حجاب هي شارات المسلسلات المصرية التي كان يتابعها، بين الثمانينات والتسعينات، مشاهدون من كلّ أنحاء العالم العربي، لتظلّ كلماته راسخة في ذاكرة أجيال عربية لم تفقد يوماً الحنين إلى ذاك الزمن.
يصعب استحضار كلّ العبارات والكلمات التي رثت الشاعر الراحل فايسبوكياً. لكنها كشفت في معظمها عن نبرته الشعرية الصادقة التي حملت في تردداتها روح الشعب الكادح والمأزوم. الكاتبة المصرية هويدا صالح، التي عرفته عن كثب، علّقت على خبر رحيله بأنّه صاعقة في يوم كانت تعتبره هو الأجمل في حياتها. «25 يناير لن يعود كما كان سابقاً في ذاكرتي». ثم أضافت قائلةً: «سيد حجاب حصد كل هذا الحب منا جميعاً لأنه كان شاعر الشعب بجد. الأبنودي صُنّف على إنه شاعر السلطة، وأحمد فؤاد نجم شاعر النخبة بينما عمي سيّد كان شاعر الناس، بكل أطيافها نخبةً وشعباً».
بينما كتب الروائي الإماراتي سلطان العميمي على صفحته: «كان سيد حجاب يكتب بصوت الحياة، لم يكن شاعراً عظيماً فقط، بل كان صوتاً أصيلاً للملايين من أبناء مصر العظيمة والعالم العربي. وبكلماته، كان للشعر والفن وجه مختلف».
أمّا الشاعر العراقي جليل حيدر فعلّق بالقول إنّ سيّد حجاب هو من أهم شعراء العامية، وقد تمكّن مع أحمد فؤاد نجم وعبد الرحمن الأبنودي من منافسة شعراء الفصحى».
واعتبر الروائي المصري ابراهيم فرغلي أنّ الشاعر الكبير سيد حجاب «ساهم في تربية ضمائرنا على حب مصر والحق والجمال»، بينما علّق شريف صالح، الكاتب المصري المقيم في الكويت، بأنّ المقالات التي كُتبت عن سيّد حجاب تكشف قصراً في النظر الى شعره. «هو شاعر كبير وقصائده تحتاج إلى دراسات أعمق تكشف عن التجديد الذي أحدثه في شعر العامية المصرية».
فنانة تشكيلية سعودية اختارت أن تتذكر سيد حجاب بمقطع من أغنية مسلسل «الشهد والدموع» بصوت الفنان علي الحجار، بينما وضع شاعر لبناني شاب على صفحته أغنية البداية من مسلسل «ليالي الحلمية» التي يقول فيها حجاب: « ومنين بيجي الشجن؟ من اختلاف الزمن/ ومنين بيجي الهوى؟ من ائتلاف الهوى/ ومنين بيجي السواد؟ من الطمع والعناد/ ومنين بيجي الرضا؟ من الإيمان بالقضا/»… بيد أنّ كثيرين تناقلوا وصية سيد حجاب التي يقول فيها: « لو مت ع السرير ابقوا احرقوا الجسد/ ونثروا رمادي ع البيوت/ وشوية لبيوت البلد»…
لم يذكر أحد كلماته التي غنتها أنغام في بداية التسعينات لمسلسل «العائلة» (مع محمود مرسي)، وإن كانت تنبأت قبل نحو عقدين بثورة يصنعها الشعب المصري بقوله: «شايلة الأمل طفل في حجري/ ومصيره يوم يحبي ويجري/ عمرك يا ظلمة ما تستجري/ تهدّ باب الناس فتحوا»…
قصائده كانت دوماً تحمل في طياتها أملاً بثورة آتية لا محالة، وحين تحقق ذاك اليوم كان سيّد حجاب أوّل المحتفلين بإنجاز شعب لم يتوقّع منه أقلّ من ذلك. لكنّ رحيله في ذكرى الثورة التي صار اسمه مرادفاً لها، يبقى مفارقة غريبة انتبه لها الفايسبوكيون جيداً. فلا ندري إن كانت دلالةً على التحامه بها يأسه منه؟

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى