حياة ناج من الحرب تحت ‘ماكنة كبيرة تدهس المارة’

يعرض الكاتب العراقي زهير كريم في مجموعته القصصية الجديدة “ماكنة كبيرة تدهس المارة” جوانب كثيرة من حياة اللاجئين العراقيين في بلاد المنافي والهجرة طارحا ضمن تفاصيلها أسئلة لا تبدأ ولا تنتهي.

في المجموعة القصصية الصادرة مؤخرا عن منشورات المتوسط في إيطاليا يحاول زهير كريم التقاط تفاصيل حياة اللاجئ العراقي في أماكن لجوئه، وهو الذي عايشها منذ خروجه من العراق مطالع التسعينيات من القرن الماضي، فثمة تفاصيل في حياة اللاجئين لا يعرفها إلا من اختبر هذه التجربة الصعبة.

يطرح كريم تقلّبات هذه الحياة، وانعكاس القديم منها على الجديد، متسلحا بلغة سردية رشيقة ومتقنة، متمكنة من أساليبها.

ويصوغ القاص شخصياته وكأن سؤالا يدور في رأس الكاتب من غير أن يطرح بصورةٍ مباشرة: هل ينجو أحد من الحرب فعلًا؟

وبالضرورة لا نجاة من الحروب، صورها الدموية، الغبار الذي يتصاعد من تدميرها، الأذى النفسي الذي يلحق بمن عاصرها وعايشها، كل هذه أشياء تبقى مطبوعة في رأس الخارجين من الحروب، أينما حلت بهم الوجهة الأخيرة.

في الحروب ثمة من يموتون، ومن لا يموتون، وهؤلاء ليسوا ناجين بالضرورة!

ومن أجواء الكتاب يقول زهير كريم:

أعترف لكم أن حياتي الحقيقية هي التي لا تحدث إلا في منطقة المنامات، تتخلل الوقائع فيها – أحياناً – أشياء مزعجة، لكنها – وبشكل عام – تأخذ طابعا مفرطا في الحميمية، الحماقات تحدث أيضاً، رغم ذلك، فأنا أنسى كثيرا، ولهذا فهي تتكرر.

في الحقيقة تبدو حياتي الأخرى مثل قوقعة، وأنا أختبئ داخلها، حسنا، دعوني أؤكد أن حياتي الحلمية عكس ذلك تماماً، فما يحدث في أثناء المنام هو الأجمل رغم كل شيء، بينما ساعات اليقظة، ظلت أشبه بالزمن المقذوف في الفراغ.

دعوني أعترف – أيضاً – أن الواقع يشعرني بضعف التوازن، أبدو فيه مثل كائن محايد، لا ينعم بأي إحساس بالوجود، وباختصار، كانت وما تزال تظهر عليّ – بوضوح – علامات الكائن المؤجل، أقصد الشخص الذي لا يفعل شيئاً سوى الانتظار حتّى يصل وقت رقاده، فيبدأ حياته الأخرى.

ويريد زهير كريم أن يقول من خلال كتابه الجديد أن حياتين متوازيتين يعيشهما اللاجئ حيث يقيم، إحداهما حياة واقعية معاشة، والأخرى حياة “حُلميّة” كما أسماها ، وفيها تستيقظ كائنات الحروب، تفاصيلها وصورها وآثارها على الشخصية، ما يجعل الاضطراب بين قديمِ اللاجئ وحديثه يسبغ حياته أبدا.

تلقي “ماكنة كبيرة تدهس المارة” الضوء إبداعيا على أسئلة لا تبدأ ولا تنتهي، بخبرةِ العارف، وقلق السائل، وبسرعة بديهة المصورِ، ومخيال الكاتب.

يقدم زهير كريم للقارئ عشرة قصص موزعة في مئة وأربع صفحات من القطع الوسط، وقد صدر الكتاب ضمن مجموعة المتوسط المسماة “براءات” وهي مجموعة إصدارات خاصة فقط بالشعر، والقصة القصيرة، والنصوص، أطلقتها المتوسط احتفاء بهذه الأجناس الأدبية.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى