بيروت الثقافة ضيفة مهرجان «موسم المدن» في بروكسيل

رنا نجار

بعدما حلّت تونس ضيفة على مهرجان «موسم المدن» في الدورة الأولى العام الماضي، تحط بيروت رحالها في بروكسيل لتكون ضيفة الدورة الثانية لتظاهرة تنظمها مؤسسة «موسم» (تتخذ من بروكسيل مقراً) التي تعمل منذ أكثر من 15 سنة على بناء جسور ثقافية وحوارية بين المجتمع الأوروبي والبلجيكي تحديداً والمجتمع العربي، عبر أعمال فنية وأدبية وفلسفية. وهي فرصة أيضاً لتعريف الجالية العربية في بلجيكا على بيروت من باب الفن والأدب والفلسفة والسينما…
لطالما كانت المدن التي يختارها المهرجان، ولا تزال، على صلة جيّدة مع الدول الأوروبية من حيث الدعم الثقافي ومن حيث التأثّر والتأثير. وبيروت ومثقفوها على علاقة جيّدة مع الثقافة البلجيكية التي أثّرت في كثير من الفنانين والكتاب ودعمتهم واستقبلتهم في كثير من المهرجانات والتظاهرات، لكنّ لهذا المهرجان طعماً خاصاً، إذ يستقبل بين الخميس 2 شباط (فبراير) و18 منه، في فضاءات ثقافية متعدّدة في العاصمة البلجيكية بروكسيل، 25 فناناً وكاتباً وباحثاً لتقديم أعمالهم الفنية ورواية تجاربهم المتشابهة والمتناقضة مع بيروت المدينة، دفعة واحدة. هذه الأعمال التي تتنوع بين الموسيقى والمسرح والرقص والتجهيزات الفنية، عروض الأفلام والفيديو، والمعارض والندوات والحوارات، تعطي الجمهور البلجيكي لمحة عن طريقة تطوّر المدينة وتغيّرها ودور الفنانين في صنع هذا التغيير وكيف يؤثّر فيهم أو يلفظهم إلى خارج الحدود، أو يجعلهم يتمرّدون على واقعهم… وجوه بيروت المتعدّدة والمتبدّلة هي الحاضرة في مهرجان «موسم المدن» الذي يرمي إلى كسر الصورة النمطية المرسومة في خيال البلجيكيين عن الثقافية العربية، إن كانت موجودة لدى البعض، وإعطاء صورة عن الساحة الثقافية لهذه المدينة الغنيّة بإنتاجها الثقافي على رغم انعدام التمويل الرسمي واعتماد مثقفيها على المبادرات والجهود الخاصة.

تنوّع وأجيال
البرنامج غنيّ من حيث الأسماء المطروحة والعروض الجيّدة، ومن حيث تنوّع الأجيال المشاركة، لكن لا تجمع كل هذه الأسماء ثيمة أو قضية واحدة. كل ما يجمعها هي أنها أعمال أنتجت في بيروت وصنعها فنانون من بيروت. ولكن يبدو أن هذه البرمجة تحتاج الى بحث مضاعف وتروٍّ، لتُجمَع تحت عنوان أو قضية تشغل الفنانين أو المجتمع البيروتي مثلاً، فيكون وقعها أقوى…
ومن الأعمال المميزة التي يستضيفها المهرجان تجهيز فني يقدّم للمرة الأولى لرأفت المجذوب بعنوان «مدخل إلى بيروت 1» في مركز «بوزار» في «رافينشتاين». يتنقل المجذوب، المعماري والكاتب والفنان، بين الجد واللعب، ويتطلع إلى استخدام تلك التركيبة المتداخلة لتناسب الفضاء العام والخاص على حد سواء. ويستكشف كيف يمكننا الارتباط بحقيقة موسومة بالموت والهجرة وقوانين التمييز ضد الأجانب، التي يعتبر تماسكها بذاته فاسدًا. وتجهيزه هذا هو نموذج تجريبي ثانٍ لغرف فندق «خان» الجوال والافتراضي، وهي صُممت لتكون مضيافة ومتعدية (تفاعلية) في الوقت ذاته، وهي أرض خصبة للـ «خيال النشط». بينما يُعرض النموذج التجريبي الأول «0» حاليًا في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في كامبردج الأميركية. وفي المكان نفسه يقدم حاتم إمام معرض «مشاهد لا متناهية». وهو عمل أنتجه بعد إقامة فنية قدّمتها مؤسسة «موسم» في مركز «فرانز مسيريل» في كاسترلي.
ومن العروض الأدائية المشاركة في المهرجان، «الدائرة الثالثة، تقاسيم» لنانسي نعوس، وهو مبني على مقابلات مع مفكرين إسلاميين وقادة دينيين ومتخصصين في الشريعة. ويستكشف هذا المشروع ما يمكن أن يظهر عليه الرقص والموسيقى إن امتثلا للشريعة. ويعتبر المشروع بمثابة تكملة لـ «الدائرة الثالثة» (الذي انتجته نانسي عام 2014 بالتعاون مع الموسيقي وائل قديح)، التي تسأل عن توجه الفن في شكل عام، والرقص والموسيقى في شكل خاص، من منظور الشريعة. وتقدم تانيا خوري التجهيز الصوتي التفاعلي «حدائق تحكي» الذي قدّم في أكثر من بلد أوروبي وفي بيروت ونشرت «الحياة» عرضاً مفصلاً عنه. وهو عمل عن التواصل بين الأحياء والأموات في سورية حيث يحمي الأموات الأحياءَ من أهوال أفعال النظام، بينما يحافظ الأحياء على هويات الأموات. أما لوسيان بورجيلي فيقدم العرض المسرحي «الدولة الزائلة» حيث يعيد رسم المشهد الجغرافي والسياسي الذي وضعه الديبلوماسييان البريطاني مارك سايكس والفرنسي فرنسوا جورج بيكو لخريطة الشرق الأوسط، خلال الحرب العالمية الأولى. ولكن هذه المرة مع العلم بما حدث في بلاد الشام في الأعوام المئة السابقة.
وفي ظل مشاهد الدماء المتناثرة في كل مشهد ومكان وصورة، تقدم بترا سرحال عرضاً أدائياً بعنوان «لا يتخلله دماء» سبق أن قدّمته في لندن وبيروت، وتناولته «الحياة» في مقال نقدي سابقاً. وتعتمد سرحال الصمت وتكراره في العرض لتجد مساحة للحداد والتذكر.

مكان للتاريخ
وتلقي سيرين فتوح محاضرة بعنوان «تاريخ لبنان عبر أعمال فنّانيه وفنّاناته» في 4 شباط في مركز «Kaaitheater». وتقود الحضور عبر مقطع من تاريخ لبنان على أساس اختيارات شخصية وأعمال فنية وأفلام. وتركز على ثلاث لحظات محددة: نهاية الحرب الأهلية في لبنان في التسعينات، واغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري عام 2005، والهجوم الإسرائيلي على لبنان عام 2006.
ويتناول شريط الفيديو «جغرافيات» لمخرجة الأفلام اللبنانية الشابة شاغيغ آرزومانيان، قصة أجدادها وكيف هربوا وهم أطفال من قريتهم الأصلية بورونكيسلا إبان الإبادة الجماعية للأرمن عام 1915.
ويكتشف المعماري والكاتب والفنان طوني شكر في محاضرة وعرض أداء في 5 شباط (فبراير) في مركز «Kaaitheater»، أسطورة معادلة آدم، ليليث، وظهور الأبجدية. ويربط القصتين بالأثر المدمر للأحداث السياسية الراهنة. فيما تقدم حنان الحاج علي في مركز «بوزار» العرض المسرحي «جوغينغ» الذي قدمته في بيروت.
أما في الأدب، فسيكون جمهور المهرجان على موعد مع أمسية في 9 شباط في مركز «بوزار» مع هدى بركات وإيمان حميدان وإلياس خوري.
وفي 11 من الشهر نفسه وفي المكان نفسه، يجتمع المراسل الصحافي والكاتب والناشط دياب أبو جهجاه، والمراسل والباحث والكاتب جورن دي كوك، والمؤرخ والكاتب فواز طرابلسي في حلقة نقاش حول تاريخ لبنان السياسي. وفي الموسيقى يستقبل المهرجان المغنية ريما خشيش لتقدم آخر أعمالها «وشوشني». أما ماليكا، دجوني مادنس، تونينو، دي جاي سيليكتا عربي، فيقدّمون في 16 شباط في قاعة «بوتانيك»، مقطوعات موسيقية من الهيب هوب هي عبارة عن أغان متداخلة لهؤلاء الفنانين، وهذا العمل هو نتاج ورشة عمل بدعوة من «موسم». واختتامها مع ريس بيك ولا ميرزا في عرض بصري موسيقي بعنوان «غرام وانتقام» في 18 شباط في مركز «Vaartkapoen».

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى