موسيقى الشارع ظاهرة جديدة تنتشر في شوارع العاصمة المغربية

يشكل شارع محمد الخامس، القلب النابض للرباط بحكم تواجد البرلمان في وسطه، وجهة لزائري العاصمة الأجانب والمغاربة، فضلاً عن أنه مقصد غالب الجمعيات والنقابات والأفراد الراغبين في التعبير عن سخطهم واحتجاجهم.
لكن منذ أشهر قليلة راح هذا الشارع يشهد توافد أشخاص جدد مختلفين عما اعتاده وسط العاصمة مع ترحيب المارة وتسامح السلطات التي اعتادت الاستنفار والترقب حفاظاً على الأمن العام.
هؤلاء الوافدون الجدد هم موسيقيون شباب يحملون آلات موسيقية تكون متصلة أحياناً بمكبرات صوت صغيرة محمولة، يختارون أحد زوايا هذا الشارع التاريخي الذي رسمه مهندس فرنسي في عشرينات القرن الماضي إبان عهد الحماية، ليطلقوا العنان لألحانهم وأغانيهم.
ويقول سوريت سياف (20 سنة)، وهو يداعب بأصابعه أوتار غيتار إلكتروني «كثير من الناس يتوقفون لمشاهدة عروضنا والاستماع إلينا أو تشجيعنا، وثمة من يلتقط صور سيلفي معنا» معلقاً بابتسامة «نحن نمنح بعض الفرح للناس».
يمسك هذا الشاب بالمذياع وسط المقار الإدارية والمباني المشيدة على طراز «آر ديكو» التي يقارب عمرها قرنا من الزمن، يرافقه في عرضه الموسيقي على آلة البوق النحاسية تيلمان وهو شاب ألماني يجوب العالم.
ويروي سياف «تخليت عن دراستي لأكرس نفسي للموسيقى، وهذا ما أقوم به يوميا في الشارع».
ويتوقف بعض المارة قليلاً للاستماع إلى الموسيقى ويتركون أحياناً بعض المال في القبعة التي وضعها سياف أمامه على الأرض.
ويعلق عادل المرشد السياحي الأربعيني على انتشار الموسيقى في الشارع قائلاً «كانت هذا الأجواء قائمة خصوصاً في مدينة الصويرة (المعروفة بمهرجان كناوة العالمي للموسيقى)، لكن مثل هذه الفرق صارت تنتشر اليوم في المدن الرئيسة أيضاً».
وعلى بعد حوالى 100 متر من سياف، ومع اقتراب مغيب الشمس يتجمع موسيقيون آخرون وراقصو هيب هوب و«فنانون» من أنواع شتى وسط ساحة قبالة البرلمان المغربي للقيام بوصلات موسيقى ورقص ارتجالية أو حركات بهلوانية لاستقطاب المارة.
هذه الظاهرة التي بدأت في الانتشار في شوارع العاصمة المغربية منذ ثلاثة أو أربعة أشهر وفق شهادات المارة، خلفت جواً ودياَ في الفضاء العام، وغيرت إيقاعات الاحتجاج المعتادة في شارع محمد الخامس لتحل مكانها إيقاعات جديدة.
إلا أن الجديد هو أن الشرطة التي ينتشر أفرادها بأعداد كبيرة بلباس رسمي أو غير رسمي في الشارع، تكاد لا تتدخل لفض التجمعات المحيطة بالموسيقيين مع أن القانون المغربي يمنع التجمهر من دون ترخيص أو إخبار السلطات.
وفي المقابل شددت سلطات محافظة الرباط منذ مطلع 2017 حملاتها للقضاء على ظاهرة التسول التي شهدت خلال السنوات الأخيرة انتشاراً كبيراً في العاصمة صورتها وأزعج السكان والزوار.
وتعلق سميرة كيناني المسؤولة المحلية في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في الرباط «هناك نوع من التسامح تجاه هؤلاء الموسيقيين الذين نلحظ انتشارهم أيضاً في مدينة الدار البيضاء».
لكن كيناني لا تعتبر أن ذلك يترجم تطوراً في إدارة الفضاء العام من طرف السلطات، فهي تؤكد «لو كان هؤلاء الموسيقيون ينشدون أغاني احتجاجية، لتم قمعهم لا محال».
وجاء في التقرير السنوي لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» أن السلطات المغربية تساهلت خلال 2016 مع «الكثير من التظاهرات والمسيرات، في حين قامت بتفريق بعضها على رغم طبيعتها السلمية».
ويقول أيوب أحد هؤلاء المغنين وهو تلميذ في المدرسة الثانوية «بسبب غياب الترخيص، تطلب منا الشرطة أحياناً مغادرة المكان»، مضيفاً أنه يأتي إلى الشارع لعزف الموسيقى «والتغلب على رهاب المسرح وكسب بعض المال».
ويفرض القانون المغربي على أي فنان يرغب في الأداء الفني في الأماكن العامة، الحصول على ترخيص مسبق.
ويوضح عادل السعداني المنسق العام لجمعية «راسين» (جذور) للثقافة «عندما يريد فنان ما أن يؤدي في الفضاء العام، فعليه أن يتقدم بطلب وكأنه سيقوم بنشاط أو حدث سياسي».
وأوضح السعداني أن الجمعية أطلقت في مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي عريضة وطنية لتمكين الفنانين المغاربة من الولوج بحرية إلى الفضاء العام.
وجمعت هذه المبادرة 850 توقيعاً حتى الآن. وبموجب الدستور المغربي والقانون التنظيمي الخاص بتقديم العرائض يمكن للمواطنين الذين جمعوا خمسة آلاف توقيع أن يتقدموا للسلطات بطلب في قضية معينة لدراسة إمكان تطبيقها.
ويوضح مسؤول جمعية «راسين» أن «الفضاء العام يعتبر مجالاً حيوياً للمخزن (السلطات والإدارة)، ولا يمكنه أن يترك هذا المجال فارغاً من دون مراقبة»، مضيفاً: «ما نحاول فعله هو تجاوز هذا الخوف».
ويوضح في هذا السياق أن «الفكرة هي تقريب الأنشطة الثقافية من الجمهور عبر فضاء عام يكون مفتوحاً للفنانين ولحرية التعبير».
ويؤكد السعداني «في آخر المطاف عند فتح الفضاء العام أمام الفنانين سنعود إلى تقليد عتيق هو الحلقة»، وهي عروض شعبية تقام في الأسواق، خصوصاً، ولا تزال إلى اليوم منتشرة في مناطق عدة، ولا سيما ساحة جامع الفنا الشهيرة في مدينة مراكش.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى