شملت فعالياته الشعر والنقد والسينما والتشكيل ومعارض كتاب: اختتام مهرجان المربد في البصرة واستياء من تحكم وزارة الثقافة بمقدراته
صفاء ذياب
اختتمت مساء السبت الماضي فعاليات المربد الشعري الثالث عشر في مدينة البصرة؛ جنوب العراق، بعد فعاليات استمرت أربعة أيام متتالية من شعر ونقد وسينما وتشكيل وفوتوغراف ومعارض كتاب.
المهرجان الذي أقيم في فندق الشيراتون على كورنيش شط العرب شارك فيه أكثر من 300 أديب عراقي، فضلاً عن أدباء هنود وإيرانيين ومصريين وتونسيين ومغربيين. كما كان ضيف شرف المهرجان لهذا العام دولة الكويت ممثلة بوفد شعري.
البصرة عاصمة للثقافة العربية
من جهة اخرى أكد طاهر الحمود ممثل وزارة الثقافة العراقية في المربد ، على دعم مشروع البصرة عاصمة للثقافة العربية لعام 2018، مبيناً أن الاحتفاء في المدن عاصمة للثقافة يراعى فيها أمران، مساهمتها الحضارية تاريخياً، ودورها الراهن في التنمية الثقافية، ولا حاجة لنا للقول إن البصرة ليست بئر نفط حسب، كما لا حاجة بنا إلى الحديث عن دور البصرة المحوري في بناء وتشكيل الحضارة العربية الإسلامية، لكننا لا نريد أن يكون الاحتفاء بهذه المدينة ناقصاً ومبتوراً.
غير أن سلمان كاصد رئيس اتحاد الأدباء في البصرة، أشار إلى أن الوزارة هي التي تحكمت بمقدرات المهرجان، مادياً وإعلامياً، ولم تسمح للاتحاد بالتدخل، بل كان عمل اللجان المشرفة على المهرجان في اتحاد أدباء البصرة عملاً لوجستياً، من دون التدخل في الشؤون المادية أو الدعم «كان عملنا خلال المدة الماضية، تحديد أسماء الدعوات أولاً، وترتيب الجلسات ثانياً، ومن ثمَّ التنظيم النهائي للمهرجان، في حين بقيت الأمور الأخرى من تحديد الفنادق وأجورها والنقل وطباعة البوسترات والإعلانات، مهمة ممثل من قبل وزارة الثقافة العراقية، فاتحاد الأدباء لم يتسلم أي مبلغ لكي يتحرك به، وبقي عمله تنظيمياً فقط».
وأوضح كاصد أن عدد المدعوين تجاوز الـ300 أديب عراقي من داخل العراق وخارجه، وأكثر من 20 أديباً عربياً وأجنبياً. المدعوون كانوا على قسمين، وزارة الثقافة دعت نصف هذا العدد، والحكومة المحلية تحملت دعوات النصف الآخر.
من جانبه، طالب الأمين العام لاتحاد الأدباء العراقيين إبراهيم الخياط، في الكلمة الختامية للمهرجان، (لجنة الثقافة البرلمانية) أن تدرج مهرجان المربد مهرجاناً وطنياً، وأن تُخصصَ له مبلغاً سنوياً في مفردات الموازنة العامة للدولة، في فقرة منفصلة بيّنة واضحة، وألا تتركه تحت رحمة وزارة الثقافة، التي درجته منذ سنين في سجل شعبة المهرجانات ضمن إحدى مديرياتها وتصرف له أقلّ مما تصرفه على فعاليات أي منظمة مجتمع مدني وهمية. مضيفاً في حديثه الموجّه للجنة الثقافة البرلمانية: إنّ هذا المهرجان هو أهمّ وأنفع وأجدى وأكرم من منظمات مهنية يُخصصُ لها برلمانكم الموقرُ ملياراتٍ- وليست ملايين- ملياراتٍ من الدنانير في كلّ سنة.
فعاليات الأيام الثلاثة
ورغم اتساع القاعة التي أقيمت فيها فعاليات المهرجات في فندق الشيراتون، غير أن الحضور غير المتوقع، أدى إلى أن يظل الكثير من الأدباء العرب والضيوف واقفين ولم يتمكنوا من الحصول على مقاعد للجلوس عليها.. وهو ما سبب بعض الإرباك، غير أن الفعاليات كانت منظمة أكثر من السنوات السابقة، خصوصاً أن القراءات التي كانت تتجاوز الثلاثين شاعراً، لم تتجاوز هذا العام خمسة عشر شاعراً، إضافة إلى الفقرات الموسيقية والغنائية التي تخللت أغلب الجلسات، غير أن حجم القاعة والزحام أجبر المنظمين على إلغاء الجلسة النقدية الأولى، التي كان من المفترض أن تعقد صباح يوم الخميس، لتبدأ بعد ذلك الجلسة الثانية مساء اليوم نفسه وهو عن تجربة شجاع العاني، شارك فيها: نادية هناوي، خالد علي ياس، باقر الكرباسي، وقدم خلالها محسن عريبي كتابين أحدهما عن تجربة العاني والآخر مجموعة من مقالاته، طبعهما في دار النشر الفراهيدي، ووزعهما هدية لضيوف المهرجان، وكانت الجلسة من تقديم لؤي حمزة عباس.
اليوم الثاني كان حافلاً أيضاً، بين القراءات الشعرية التي أقيمت في سينما الوطني في «مول تايم سكوير»، وربما كانت هذه الجلسة أكثر تنظيماً بسبب القاعة وترتيب كراسيها وهندسة الصوت، وفي سينما الكربك، القاعة المجاورة، عقدت الجلسة النقدية الثانية (المناهج النقدية الشعرية.. آفاقها وتطورها) شارك فيها: عبد الزهرة زكي، جاسم الخالدي ومحمد أبو خضير.. في حين كانت الجلسة المسائية منقسمة أيضاً إلى جلسة شعرية ونقدية خصصت للحديث عن تجربة الشاعر الذي سميت هذه الدروة باسمه (مهدي محمد علي) وشارك فيها النقاد ياسين النصير، جميل الشبيبي ومقداد مسعود، وتقديم جاسم العايف.. وفي مساء اليوم ذاته، عرض في سينما «التايم سكوير» فيلم «صمت الراعي» من إخراج رعد مشتت. اليوم الثالث كان مميزاً بسبب إقامة الجلسة الشعرية ما قبل الأخيرة في بيت السياب وبالقرب من شبّاك وفيقة الشهير، البيت الذي امتلأ حوشه وسطحه بالحاضرين، شهد التفافاً كبيراً حول الشعر وحول نهر بويب، الذي أصر الأدباء العرب على زيارته، لتأتي مساء اليوم ذاته الجلسة النقدية الأخيرة (الاحتفاء بالشعر العراقي.. أطروحات ومفاهيم) شارك فيها أحمد الزبيدي، بشير حاجم، حسن غانم وسعيد عبد الهادي.
كما كانت هناك فعاليات فنية موازية للنشاطات الأدبية، منها افتتاح معرض تشكيلي لعشرات الفنانين البصريين، فضلاً عن معرض فوتوغرافي أقامته جمعية المصورين العراقيين في البصرة.
آراء المشاركين
ومن أجل معرفة آراء بعض الأدباء المشاركين في هذا المهرجان، تحدثت «القدس العربي» مع بعض الأدباء، فبيّن أحمد الزبيدي أننا لا يمكن أن نوظف المعيارية ونتحدث عن السلبية والإيجابية، لكن أكيد هنالك تحول، وأحسبه إيجابياً، فعلى المستوى التنظيمي هنالك نوع من الاستقرار، ربما كانت هناك عبثية غير مقصودة في المرابد السابقة بسبب كثرة المشاركين في القراءات الشعرية وقلة الوقت في استيعابهم.. لكن أعتقد أن التحولات الإدارية التي طرأت على اتحاد الأدباء والكتاب في المركز العام، واتحاد أدباء البصرة تحديداً، انعكس إيجابياً على هذا المربد، فهنالك تنظيم أكثر دقّة في ما يخص المشاركات الشعرية والنقدية، ولأول مرّة نشاهد أن هنالك بحوثا تقدم مسبقاً قبل إقامة الجلسات النقدية التي كانت في أغلبها دراسات شفاهية وغير منضبطة، وعلى المستوى الإبداعي كانت هناك مشاركة لشعراء عرب مهمين وأجانب أيضاً.. إذن هنالك تحول إيجابي، والأهم أن هذا التحول جاء في ظروف اقتصادية خانقة بسبب التقشف المالي.
في حين كان حديث محمد أبو خضير نقدياً بالدرجة الأولى، فعلى مستوى النقد هنالك أربع حلقات دراسية عوّل عليها أن تكون ذات أداءٍ متميز، لكن واحدة من سلبيات هذا المهرجان كانت عملية التخطيط، فهنالك تداخل وفوضى، وكأن المربد لم يأخذ بأبعاد تجربة 13 عاماً، ولم يفكر بالابتعاد عن أخطاء الدورات السابقة.. غير أننا نرى تطوراً ولو بسيطاً في القراءات الشعرية وتحديدها في كل جلسة، غير أنني أرجع لأقول بأننا كنا نعوّل على الحلقات النقدية وتنوعها، غير أن اهتمام الحاضرين بالشعر أكثر من النقد أدى إلى انحسارها، فضلاً عن إقامة الجلسات النقدية على التوازي مع الجلسات الشعرية التي أدت إلى عدم حضور الكثير من المدعوين لها.. كما لا يعني حضور بعض الأدباء العرب والأجانب أن يكون دولياً، لاسيما أن دلالة (دولي) استنزفت بسبب الانفتاح العالمي على الثقافات، لكننا كنا نتمنى أن يكون المهرجان شاملاً ومتنوعاً، كان هدفنا أن يدور مربد هذا العام حول اللحظة الشعرية التي تمر بها الثقافة، ويطرح تساؤلات مثل ما الإبداع الآن؟ ما الثقافة؟ وما مفهوم النقد؟ فضلاً عن التحولات الجديدة إزاء الصورة والإشهار وماهية النقد وماهية المعرفة..
ما زالت ثقافة المربد هي ثقافة النسق التي تتحدد هنا من الفم إلى الأذن، الشاعر يلقي قصيدته شأنه شأن أول قصيدة ألقيت قبل 46 عاماً في افتتاح المربد الأول في البصرة أيضاً، وهنا تكمن الإشكالية، لذلك بقي الشعر كما هو، بل إن هنالك نوعاً من التلفيق عندما يصعد شاعر ما بعد حداثوي منصة المهرجان ليقرأ شعراً تقليدياً، وهذا نوع من الشيزوفرينيا.
سعيد عبد الهادي حاول تلمس الأخطاء والهنات التي رافقت المهرجان، يقول إن ثمة أخطاء في التنظيم، فلم توجد بنية واضحة بالنسبة للمشارك، فالقوائم خلت من أسماء المشاركين، والمواعيد لم تكن دقيقة، والقاعة لم تكن مهيأة لاحتواء الأعداد الكبيرة من الحضور، وكان يمكن تجاوز هذه الأخطاء ببساطة لو أن اللجنة التحضيرية وضعت خطة واضحة للجلسات الشعرية والنقدية، وطبيعة الحضور وأعدادهم..
ربما كان التنظيم في المرابد السابقة أفضل تنظيماً من هذا المربد، رغم أن أعضاء اتحاد الأدباء في البصرة بذلوا جهوداً كبيرة من أجل إنجاح المهرجان، لكنها أيضاً جاءت بأخطاء تنظيمية، وهذا التنظيم انسحب على الوقت أيضاً فالفرق الموسيقية والقراءات الشعرية جاءت بما يريد المشاركون لا المنظمين، وهذا من أكبر الأخطاء التنظيمية، كما أن القصائد مرت على لجان، بل إن الشاعر كان هو لجنة نفسه، كما أن توزيع أسماء المشاركين في كل جلسة شعرية كانت عبثية وليست منظمة.
(القدس العربي)