الكاتب اليمني مهيب نصر: أكتب بالحبر ما أبقى لي الدم

صالح البيضاني

خمسة كتب هي حصيلة ما نشره الكاتب اليمني المقيم في دولة الإمارات مهيب نصر، كتب وإن تنوعت بين الرواية والنصوص المفتوحة والمقالات والتأملات الشذرية، فإنها اشتركت في اهتمامها البالغ باللغة الأدبية وحبكها في ثوب مغاير يحمل بصمة كاتبها.

يجمع مهيب نصر في كتاباته بين الأصالة في الشكل والحداثة في المضمون، ومن بين كتبه نذكر رواية بعنوان “الرحلة رقم 072”، إضافة إلى كتاب نصوص قصيرة بعنوان “البحث عن المعنى”، والذي وصفه في حديث لـ”العرب” بأنه “نصوص قصيرة، تضمّخت بعطر التجربة، وتنوع الإدراك، فأطلقت فيه عنان قلمي باحثاً عن المعنى، لا عن الكليشيهات والتحذلقات، عن العبرة والإبداع والبلاغة، ولم يغب عنه وطني الذارف بالدمع والدم معاً، المكبل في أصفاد قهره وأغلال حثالته”.
التسلل إلى الكلمة

يصف مهيب بداياته الإبداعية بأنها كانت مؤلمة قبل أن يتمكن من التسلل إلى روح الكلمة، وعن محطات تجربته يقول “فاجأتني البداية الثانية، وكانت مشرقة، فمن الوعي القروي المتوحِّد والرأي الجمعي الواحد، صنَعتْ مراكب الشعر الشعبي أشرعتها في خيوط دمي، فكانت متنفسي وسلاحي، وبدأت أمخر بمركبي ذاك في عَنَت ومشقة، وكأن في قلبي معنىً لم أفه حقه وغاية تطلبني، فطرقتُ دفتي الكُتب، كتاباً تلو آخر، حتى انداحت مداركي وتعملق سُلّم وعيي”.

يتابع ضيفنا “المنتديات هي الأولى التي عرفها قلمي، أو بالأحرى المداد الأول الذي صببته في قارورة حُلمي، ولقد كان حلمي أن أكون كاتبا فكنت، وأن أكون مؤلفاً فكنت. فصدرت روايتي التي بعنوان ‘الرحلة رقم 027‘ عن دار أبرار باليمن، وكانت الغاية منها كسر قيود الغاية التي أصبو إليها، لا جمال الرواية وإبهارها، فالإبهار لم يكن غايتي، والجمهور لم يكن مطلبي، إنما كنت بها ومن خلالها أبحث عني وعن الحلم الذي وضعته في قارورة عمري”.

يرى نصر أنه نجح في خطواته، وفي تحدي نفسه، وفي إخراج حلمه من قارورته، فجمع شتائل ما كتبه على صفحته في الفيسبوك، واعتنى بتشذيبه وتدقيقه فعدل ونقح وأضاف، ليجد نفسه بصدد كتابين الأول بعنوان “سحقاً لكل شيء” والثاني بعنوان “الزِنَى بالكلمات”، وقد صدرا عن دار أزمنة بالأردن. هكذا يرى ضيفنا تجاوزه للركض الداخلي وبداية ركضه في الخارج، في إشارة إلى التواصل مع القارئ من خلال كتاب، لا من خلال صفحة اجتماعية.
أربعة كتب

جهود نصر لم تتوقف هنا بل قام بإصدار كتابين آخرين، وصدر الكتابان عن ذات الدار، وهما بعنوان ” ثورة الوعي” و”البحث عن المعنى”، فكانت له أربعة كتب في سنة واحدة.

وعن مضامين تجربته الإبداعية يقول الكاتب “رواية ‘الرحلة 027‘ عاطفية ولكن من جمر، تتحدث عن الخيانة في قالب تبريري لا صلة له بالحب، كما تتحدث عن الفئة المهيمنة في المجتمع، والتي غالبا ما تدمي قلوب المستضعفين على مذبح العادات والتقاليد البالية”.

أما كتاب “سحقاً لكل شيء” فيراه مؤلفه وكأنه زفرة حارة من أنف الواقع، وصرخةٌ من فمٍ ملغم بالحزن، وهو عبارة عن مقالات متنوعة، منها الاجتماعية والفلسفية والسياسية وأخرى في تطوير الذات وتحفيزها، وقد اعتنت هذه المقالات بتوصيف الداء في الكثيرٍ من الأحيان، أي أنها تقف على علات القضايا التي تطرحها، وحجتها في ذلك أن معرفة الداء بداية لمعرفة دوائه ومن ثم اكتشاف الطريق إلى العلاج، لذا نجد الكاتب ممعنا في النقد والنقض بكل جرأة وتجرد، في مناهضة للواقع المعجون بالآلام.

أما كتاب نصر “الزِنَى بالكلمات” فهو شذرات ونتف من معين اللغة ونبض الوقائع تحدث فيها الكاتب باقتضاب، قاصدا من العنوان أن يكون محتوى الكتابة وقوة تكثيف لا تُشبهها أخرى، وعمقا لا يُنازع، كل هذا من خلال محاولة الفهم العميق والاختزال والتكثيف.

وقسم ضيفنا كتابه “ثورة الوعي” إلى ثلاثة فصول، يقول “كان أول فصول كتابي هذا عن هياج الفكر، وقد تناولت فيه قضايا فكرية وأخلاقية مختلفة، أما الفصل الثاني فعن هياج الدين، متحدثاً عن التطرف والتقليد والتجديد، أما ثالث فصول الكتاب فكان عن هياج السياسة، وقد حاولت فيه رصد قضايا الوطن، وما جنت وزرعت الميليشيات في قلبه وكيانه من إجرام لم نعهده”.
نتطرق مع ضيفنا إلى الحديث عن الأجواء التي تدور فيها أفلاك روايته الأولى فيقول “اختلطت رواية ‘الرحلة رقم 027‘ بدمي ولكنها لم تختلط بمدادي، أما أحداثها فحبٌ عذري وخيانة عذرية، دارت رحى حبها وخيانتها بين دبي وصنعاء وأسكتلندا، تخوض أحداثها في شخصيتي الناعسة وصدام، والصِدام المر في ما بين حبهما وخيانتهما، وإجرام المجتمع في حقهما، فكانت الليالي الوردية التي طالما سرحا يسبحان فيها على ضوء القمر ذكرى تبددت مع الزمن، وكان العبث بذلك الغرام المتوهج في روحيهما نتيجةً لتشظي روحيهما، فتزوج صدام لاعتبارات اجتماعية ضاغطة، وانكسر قلب الناعسة، ومات حلمها، وبعد مضي ما يربو عن ثلاث سنوات سافر إليها، فكان انتقامها”.

ساهمت أجواء المشهد الثقافي الإماراتي في تعميق علاقة الكاتب اليمني مهيب نصر بالحرف والكتابة والقراءة، وعن الحراك الذي ألقى بظلاله عليه ومدى تأثيره في تجربته يقول “كيف لي أن أتحدث عن المشهد الثقافي الإماراتي المميز، إذا ما كنت جزءا من المشهد، وأنا المشاهِد، فقلمي ابن هذه البيئة الخضراء بالمعرفة التواقة دوماً إلى كسب العلم وخطوط الجمال، فلم أرني من قبل كاتباً إلا حين كنت بين دورات المراكز الثقافية متنقلاً، وفي المكتبات العامة المنثالة في قلب دبي قارئاً. إن الحراك الهائل الذي يتم في دولة الإمارات والذي يعمل على نشر الوعي، والحفاظ على التراث، والتفاعل المستمر في شتى المجالات الثقافية، كان له دور بارز في تجربتي “.

وفي رده على سؤال حول تطلعاته الثقافية كاتب يقول مهيب نصر “لعلي مستمر في كتابة المقالات في منصات ثقافية مختلفة، آملا في أن يتمخض عنها كتاب، كما أسعى في الآن ذاته إلى كتابة بحث في مجال تخصصي، وفي ذات الصدد أتطلع إلى كتابة رواية تمس روح القارئ”.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى