فيلم «سولي» لكلينت إيستوود: نجومية توم هانكس في مأزق آخر

سليمان الحقيوي

في أفلام كثيرة للممثل الأمريكي توم هانكس (1956) قدّم أدوارا عن شخصيات تقع في أزمات شديدة، جرّاء حوادث المواصلات. في فيلم «الكابتن فيليبس» لعب هانكس دور قبطان سفينة الشحن الأمريكية (مارسك ألابما) التي هاجمها أربعة قراصنة صوماليون. أما بالنسبة لحوادث الطائرات فأحد أهم الأدوار التي اشتهر بها شوك نولاند في فيلم (كاست أواي) العامل في شركة الشحن (فيديكس) الذي نجا من سقوط طائرة تابعة للشركة في البحر، ووجد نفســـه وحيدا في جزيرة، فاضطر للتكيّف مع ظروف عيش بدائية لكي يستمر على قيد الحياة. صاحب (فوريست غامب) سيجد نفسه في فيلمه الجديد «سولي» أمام ظروف مشابهة لكنه هذه المرّة سيكون ربّان طائرة ومنقذ ركابها.
«سولي» فيلم سيرة واقعية توثّق للرّحلة رقم 1549 التي انطلقت يوم الخميس 15 يناير/كانون الثاني 2009 على الساعة 15:31، من مطار لاغوارديا (أكثر مطار ازدحاما في أمريكا) نحو مطار شارلوت في ولاية كارولاينا. بقيادة الكابتن تشيلسي سولينبيرغ الذي اشتهر لاحقا باسم سولي في دور (لتوم هانكس). وبعد أن أقلعت الطائرة بوقت قصير جدا اعترضها سرب من الطيور ألحق أضرارا بالغة بمحرّكيها معا. وبعد أن أعلن سولي عن حالة الطائرة في نداء استغاثة، اقترح على برج المراقبة أن يعود إلى مطار لاغوارديا، لكن انخفاض الطائرة الشديد دفعه إلى اتخاذ قرار سريع وفوري هو الهبوط في نهر الهودسون، من دون أن يلتفت إلى تعليمات وتأمينات الهبوط التي وردته بعد ذلك. الهبوط الذي نفذه الكابتن سولي ساهم في إنقاذ كل ركاب الطائرة وطاقمها تحديدا 155 راكبا، في معجزة عرفت بمعجزة نهر الهودسون. لكن بعد أن أصبح سولي في نظر الركّاب وأُسرهم بطلا، كان لهيئة التحقيق رؤيتها الأمنية الخاصة، وبدأت تحقيقاتها مع الكابتن سولي ومساعده جيف انطلاقا من قراره بعدم العودة إلى مطار لاغوارديا.
سيناريو الفيلم الذي كتبه تود كومارنيكي مأخوذ عن كتاب «تشيلسي سولينبيرغ، أعلى واجب» يختار كومانيكي منذ البداية طريقة مربكة لسرد الأحداث؛ فقد انطلق الفيلم بمشهد عن الكابوس الذي أصبح يلازم سولي بعد الحادثة، ثم بعدها جاءت مشاهد تفاصيل التحقيقات. التي تعبّر عن البيروقراطية والميكانيكية والوفاء للوثائق والتجارب بعيدا عن العواطف الإنسانية. في بداية التحقيق يرمي أحد أفراد الفريق إلى اعتبار الحادث تحطّما للطائرة.. يقاطعه سولي بهدوء (سنرى الكثير منه في الفيلم) بأن الأمر كان هبوطا على النهر وليس تحطّما. تسير التحقيقات بين منهج فريق التحقيق القائم على تجارب محاكاة للكومبيوتر التي أثبتت نجاحها، ودفاع سولي المستند إلى تجربة 40 عاما من الطيران، وقدرته على اتخاذ القرار بناء على مشاعره، حتى ينتهي الأمر بغلبة منطق سولي في النهاية.
طيلة مدّة الفيلم التي بلغت 96 دقيقة كان أهم حدث فيه، هو كيفية نجاة الطائرة يمر أحيانا متخللا أحداث أخرى أقل أهمية منه، أهم جزء منه مرّ في لحظة سهو لسولي وهو يجري مكالمة هاتفية مع زوجته، والجزء الآخر في نهاية الفيلم عندما استمعت المحكمة إلى التسجيل الصوتي للرّحلة. وهو ما أفقد هذه السيرة عنصار مهما شيّد شهرتها.
الفيلم الذي يبدو قريبا من سولي هو (رحلة طيران 2012) لروبيرت زيميكس وبطولة دينزل واشنطون، وفي قصّته قام الكابتن (ويب وايتكر) بهبوط مجنون في حقل ذرة فأنقذ أغلب ركّاب الطائرة، هذا العمل يشارك «سولي» في عناصر فنية كثيرة، خصوصا كيفية سير التحقيقات، واسترجاع ظروفها، لكن الاختلاف بينهما الذي يجعل رحلة طيران أفضل هو عنصر المفاجأة الذي افتقده «سولي»، حيث قدّم منذ دقائقه الأولى مؤشرات عن الأحداث المقبلة وصنف النهاية التي سيؤول إليها الفيلم، بعكس رحلة طيران الذي احتفظ بعنصر التشويق حتى نهايته.
يبدو أن كلينت إيستوود أراد إخراج فيلم على مقاس شهرة شخصية سولي، وتحديدا تحوله إلى مادة إعلامية منذ الفترة التي تلت الحادثة، فقد ورد اسمه ثانيا بعد ميشيل أوباما في لائحة وضعتها مجلة «تايم» الأمريكية للرموز والأبطال الأكثر تأثيرا في أمريكا. كما أصبح وجها مألوفا لبرامج الواقع. الفيلم في النهاية قدّم أشياء يعلمها الجميع.
اختيار توم هانكس في دور سولي، دقيق للغاية، فهو بالإضافة إلى قدرته الكبيرة على النفاذ إلى مستويات عميقة من نفسيات الشخصيات التي يقدّمها فقد احتك كثيرا بأدوار مشابهة لسولي، خصوصا دوره في الكابتن فيليبس، لكن الهدوء المبالغ فيه غلّف شخصية سولي جعل هانكس يبدي أحيانا عكس ما يتطلبه الحدث، ففي رد على فريق التحقيق يقول إنه اعتمد على مشاعره الإنسانية في اتخاذ قرار الهبوط على النهر، لكن أثناء إقدامه على الهبوط يقدّم الملامح الباردة نفسها وكأنّه لا يواجه خطر حادث قد يودي بحياة 155 راكبا. الأمر نفسه كان يحدث في تعامله مع الطيار المساعد جيف سكايل (أرون إكهارت) داخل قمرة القيادة، وهذا ما يجعل إيستوود الذي نجح في تركيزه على الجانب النفسي في أفلام أخرى مثل «جي إيدغار»، و»قناص أمريكي» لا يصل إلى المستوى نفسه في إدارته لتوم هانكس في «سولي».
في جانب إدارة طاقم العمل أسند إيستوود دور الطيار المساعد لأرون إيكهارت وهو ممثل يترك تأثيراً واضحا في كل الأعمال التي يشارك فيها «فارس الظلام»، «معركة لوس أنجليس» لم يكن له هنا أي تأثير يذكر في ظل تركيز الفيلم على شخصية سولي وجانب التحقيقات التي كانت نتائجها متوقعة بالنسبة للمشاهد. صاحب «غراند تورينو» المعروف بخبرته الكبيرة في تقديم أفلام السيّر الذاتية بطرق تخالف السائد، قدّم على غير عادة قصّة بسمات مألوفة.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى