فيلم «Loving» للمخرج جيف نيكولز:: الحب في مواجهة القمع العنصري

حميد عقبي

يعود بنا فيلم «Loving» للمخرج جيف نيكولز إلى خمسينيات وستينيات القرن الماضي، حيث كان الزواج بين البيض والسود ممنوعاً في أربع وعشرين ولاية أمريكية. هذه الحكاية التي تدور أحداثها في عام 1985 يرويها الزوج الأبيض ريتشارد (ايدغارتون جويل) ــ ترشح لجائزة الأوسكار عن هذا الدور ــ الذي تزوج من امرأة سوداء ميلدراد/روث نيغا. ولهذا السبب يتم إرسالهما إلى سجن وﻻية فيرجينيا، ثم يحكم عليهما بترك الولاية لمدة 25 عاما. فلا تجد هذه العائلة الصغيرة سوى ترك الأهل والوطن واللجوء إلى ولاية واشنطن، وبعد عدة سنوات تظهر بعض تباشير الأمل بمساعدة مؤسسة حقوقية ومحام لخوض معارك قانونية في المحاكم ضد ولاية فيرجينيا لعودة هذه العائلة إلى وطنها، مع كافة الحقوق القانونية المدنية كحق الزواج والاعتراف بالأطفال ثمرة هذا الزواج.

الحب وقدراته غير المحدودة

حاول جيف نيكول فرض أسلوبه السردي والنظري، لتأكيد قيمة الحب وقدراته الجبارة التي لا تعترف بميزة اللون ولا الجنس ولا العرق، فقصة ريتشارد وميلدراد ليست خيالية، ولا يزال يوجد مثلها في واقعنا اليوم، حيث توجد مجتمعات تحرّم على أفرادها زواج الأجنبي، ووجود تقاليد وأعراف قاسية وغير عادلة وعنصرية في عدة مجتمعات في عصرنا الحالي، لذلك فتأثير هذا الفيلم يتجاوز الحكاية والتاريخ، ويشير إلى الحاضر. فريتشارد هذا الرجل الأبيض لم يختر لون بشرته ولا يشعر بالفخر والغرور كونها بيضاء. ونرى سلوكياته هادئة وكل ما يريده محبة زوجته، والشراب مع أصدقائه وممارسة هوايات عادية، لكنه سرعان ما يجد نفسه متورطاً في قضية كبرى فيها الكثير من الجدل السياسي، وهو لا يملك عبارات أو يرفع شعارات للدفاع عن حبه لزوجته، التي لا ترى نفسها ناقصة بسبب لونها الأسود وهي تريد أن تنعم بالسلام مع زوجها وأطفالهما، التي تحولت في النصف الثاني من الفيلم إلى زوجة قوية وشجاعة، تطرق جميع الأبواب للحصول على حقوق عائلتها والدفاع عن حبها والعودة للوطن.

السرد البصري

ومن خلال الفيلم يطرح جيف نيكولز أسئلة قديمة ومعاصرة في آن، ينسجها عبر حكاية صاغها بحرفية فنية، ففي المشهد الأول نرى سباقا للسيارات، حيث سرعة السيارة تعتمد على قوة محركها وذكاء سائقها، بغض النظر عن جنسه ولونه. فمنذ اللحظة الأولى نعيش هذا الجدل حول الحقوق والمساواة والعدالة. كذلك يبدو ريتشارد وهو يبني بيته ويضع لبنة فوق الأخرى، هذا الجدار الصغير الذي لم يكتمل بناؤه وسط حقل شاسع، نرى هذا المشهد في البداية ثم تأتي عواصف الأحداث، فيضطر ريتشارد وحبيبته لترك الوطن والعيش غرباء، بعيداً عن الطبيعة والحلم، ثم ينتهي الفيلم بهذا المشهد مرّة أخرى، ولكن هناك الأطفال والزوجة أي أن الكل يعمل لبناء هذا البيت، نحن مع دلالات تلخص القصة كلها ويظل القلق على منجز الحرية فلسنا في عالم مثالي ولا يمكن أن يتحول عالمنا إلى المثالية المطلقة.

البساطة تصنع الدهشة

يصر نيكول على الإدهاش من خلال بساطة السرد وعمقه، فيبتعد عن إثارة تعاطف وقتي قصير، أو ينجرف إلى خطابات أخلاقية وشعارات ثورية مفتعلة واستعراضية، فيتيح الوقت للمُشاهد أن يتتبّع هذه العائلة في بداياتها وحلمها في العيش، وكيفية انقلاب هذه الحياة وتحولها إلى جحيم، تفاصيل عديدة من الحياة اليومية المشحونة بالخوف ونظرات الازدراء العنصرية من الآخرين.

العودة إلى الحاضر

لم يعتمد الفيلم وجهة نظر تاريخية، أو حكاية من زمن مضى، بل يصوّر دلالة واقعنا اليوم، حيث انبعاث الكراهية والعنصرية في أشكال مختلفة ــ العِرق أو الديانة ــ ومن خلال قصة الحب وقوتها القادرة على مجابهة رعب القمع هذا، يبدو لنا وأكثر من أي وقت آخر أننا نعيش واقعاً تنتعش فيه الكراهية والعنصـــرية ويتحول بعض الحقوق المدنية حبرا على ورق في مناخات سياسية تزج بنا في جحيم الخوف. والفيلم في الأخير يخلق حالة تغرينا بأن نقترب أكثر مع هذه المحنة الإنسانية والرغبة في السلام وليس الحرب والعنف. فما قام به كل من ريتشارد وميلدراد كان خطوة إلى العدل، ودليلا على انطواء صفحة مرعبة من التاريخ الأمريكي.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى