بيت الشعر بالأقصر يستضيف ندوة حول فن التصوير المصري

حسن عامر
التقى جمهور بيت الشعر بالأقصر مساء الأربعاء الموافق 8 فبراير/شباط 2017، مع الفنان د. محمد عرابي أستاذ التصوير بكلية الفنون الجميلة بجامعة جنوب الوادي والعميد السابق للكلية، حيث افتتح حسن عامر منسق النشاط الثقافي ببيت الشعر، الندوة متحدثا عن العلاقة الوثيقة بين أشكال الفن كافة، ومن ذلك العلاقة بين الفنون التصويرية، وفن الكتابة الأدبية، حيث يقوم التخيُّل عاملا مشتركًا بين كليهما، وكذلك محاولة تأويل العالم وإعادة تشكيله والتشكيل بمفرداته، في رؤية فنية تهدف إلى تلبية الحاجات الجمالية لدى الإنسان مستعينةً بمضامين تدور في فلك القيم السامية كالحرية والعدالة والخير والسلام، وأشار إلى أن رسالة بيت الشعر، لا تنفصل عن تلك القيم والمفاهيم، بل إنها تعمد إلى تزكيتها وإلى خلق روح التواصل بين كافة أشكال الفن مستهدفةً بذلك الارتقاء بالمستوى المعرفي والجمالي للإنسان المصري والعربي كافة.

ولما كانت هذه هي رسالة بيت الشعر، فإنه من الضروري عقد مثل تلك الندوات التي تعرف جمهور بيت الشعر بكافة أشكال الفن، وتوجهاته، بل بتاريخه ومراحل نموه وازدهاره، وفي هذا الإطار يستضيف بيت الشعر الفنان د. محمد عرابي، أستاذ التصوير بكلية الفنون الجميلة بالأقصر، والعميد السابق للكلية، ليحاضرنا حول فن التصوير في مصر في العصر الحديث، ويقدم الندوة الفنان إياد عرابي (رئيس مؤسسة الفن من الناس وإلى الناس).

بدأ إياد عرابي متحدثًا عن الدور الذي تقوم به المؤسسة التي يديرها، من أنشطة تتضمن تعريفا بأهم الفنانين المصريين وغير المصريين الذين ساهموا في نهضة الفن وتطويره وتشكيل الحركة الفنية عبر عصورها المختلفة، فضلا عن دور المؤسسة في نشر الوعي الفني، والمفهوم الجمالي، ودور كل ذلك في النهوض بالحس الفني لأبناء مجتمعنا الجنوبي.

وانتقل من ذلك للتعريف بالدكتور محمد عرابي بوصفه أحد أهم الأساتذة والفنانين المعنيين بدور الشباب في النهوض بالحركة الفنية، وبوصل الشارع بالفن ومدارسه، وبإزالة الحواجز بين ما هو فني تقعيدي وما هو تلقائي وبسيط. مؤكدا على دوره في دعم مؤسسة (الفن من الناس وإلى الناس) وغيرها من المؤسسات التي تحمل الرسالة ذاتها.

وبدأ الدكتور محمد عرابي شاكرًا جهود بيت الشعر والقائمين عليه، في نشر الوعي الفني، وتوضيح الصلات بين الأشكال المختلفة للفن، وعلاقتها بالأدب والشعر.

ثم عرّج على الموضوع الرئيس للمحاضرة، وهو “تاريخ فن التصوير في العصر الحديث في مصر” حيث انطلق من الجذور التاريخية لفن التصوير في مصر القديمة، تلك التي قام التصوير فيها على أساس تفكيك العالم وإعادة تركيبه بما ينقل رؤية الفنان للوجود والغاية التي من أجلها أنتج منتجه الفني، وكيف أن ذلك انتشر كما نطالعه الآن في المعابد والمقابر الفرعونية، بما ذلك الجداريات والتماثيل على حد سواء، وبما يتضمن ذلك من تسجيل وتوثيق لطبيعة العصر والحياة واليومية بكافة تفاصيلها ومناحيها.

انتقل بعد ذلك للحديث عن الحقبة القبطية في الفن المصري، حيث اتسمت بالبساطة والتلقائية بعيدًا عن تقعيدات المدارس الفنية، والدقة التي تميز بها الفن المصري القديم، بل إنها كانت شعبية، لا تعدو في تنفيذ تصاويرها إلى أكثر من تصوير الإنسان الشعبي لمعتقداته، ولأفكاره حول تلك المعتقدات.

وبعد ذلك انتقل إلى الحديث عن الفترة العربية التي استفادت من الثقافات المحيطة لتشكيل رؤيتها الفنية.

ثم جاء الحديث حول القرن التاسع عشر ومطالع القرن العشرين حيث انحسرت منتجات الفن التصويري في مصر في الخط العربي والأشكال الفنية المستمدة منه، بالإضافة إلى التصاوير الجدارية الشعبية في القرى والأقاليم تلك التي سجّلت الطقوس والاحتفالات الاجتماعية والدينية مثل الحج والزواج، وغيرها.

ومن هنا بدأ في مطلع القرن العشرين انطلاق الدعاوى لتأسيس مدرسة الفنون الجميلة بمصر حيث لاقت تلك الدعاوى اعتراضات تؤكد أن المصريين ليس لديهم الحس الفني المؤهل لتأسيس تلك المدرسة بمصر، وكانت ردود المثقفين المصريين تؤكد على اتكاء العنصر المصري على رصيد عظيم من فن التصوير انطلاقا من الفراعنة القدماء ومرورا بكل العصور التاريخية التي لم يخلُ أحدها من منتجات فنية تصويرية وإن خفت هذا في مراحل معينة.

إلى أن انتصرت فكرة تأسيس مدرسة للفنون الجميلة بواسطة الأمير يوسف كمال وهو أحد أفراد الأسرة الحاكمة في مصر آنذاك، سنة 1908. وفي 1910 صارت إدارتها تحت إشراف الجامعة المصرية الأهلية ثم أُلْحِقَتْ بإدارة التعليم الفني بوزارة المعارف في العام نفسه، وقد أرسلت الكلية عدة بعثات ضمت عددًا كبيرًا من الفنانين المصرين الذين ساهموا في تأسيس الحركة المصرية الحديث في الفن التشكيلي مثل محمود مختار صاحب تمثال نهضة مصر الذي تم الانفاق على انتاجه من خلال الاكتتاب العام بمساهمة كافة طبقات الشعب

وانتقلت الحركة الفنية إلى منطقة أخرى مع عبدالهادي الجزار، ومن أتوا بعده في التأصيل للفن المصري من خلال أدوات تعبيرية تعكس الحالة الشعورية لهذه المرحلة مستشهدا بلوحة المجذوب الأخضر التي اعتمد فيها الجزار طاقة اللون التعبيرية محملا اللوحة برموز لها دلالتها في الحضارة المصرية القديمة.

وفي كل ما اطلع عليه الفنانون المصريون من الحركات الفنية العالمية عبر تلك البعثات التي أوفدتهم كلية الفنون خلالها، حرصوا على الاستفادة من تلك الحركات الفنية في التأصيل للروح المصرية الخالصة في الفن.

وفي الختام دار نقاشٌ ثري، بين الجمهور والدكتور محمد عرابي حول التذوق الفني، وآلياته، ودور الفن هذه المرحلة من التاريخ المصري، وعلاقة الفن بالإنسان المصري، حاجاته وتطلعاته وأمانيه في مستقبل أفضل.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى