‘حجر جهنم’ اقتحام نسائي ناجح لدراما الجريمة

سارة محمد

“حجر جهنم”، عنوان ثري لعمل درامي تشويقي مثير، يدور حول ثلاث سيدات قررن الانتقام من أزواجهن بالتخلص منهم بزرع قنبلة في السيارة التي تقلهم، وبالفعل يموت اثنان منهم ويبقى واحد فقط على قيد الحياة، ويجسد دوره الفنان الأردني إياد نصار.

اختيار كاتبة المسلسل هالة الزغندي للعنوان مثير ويجذب العقل نحو مسارات متعددة في التفكير، فالمعروف أن “حجر جهنم” يرمز للسعادة والحيوية لدى الرجال تحديدا، لكونه يساعد على تحسين قدراتهم الجنسية، وبحسب ما يتردد في المخيال الشعبي فإن هذا الحجر طبيعي وبه جزء مُخلّق كيمائيا مأخوذ من مادة “نترات الفضة”، ويرجع سبب تسميته بذلك، لأنه كان يتم استخراجه من واد يسمى “حجر جهنم” بجوار القدس الشريف قديما.

هذا الربط الذي استخدمته الكاتبة في مسلسلها الذي يعرض حاليا يشير إلى عدة اتجاهات، فربما يكون إشارة إلى استخدام الحجر، بما يحمله من مركب كيميائي “نترات الفضة”، في تصنيع القنبلة التي صنعتها إحداهن، تُدعى “حورية” وتجسد دورها الفنانة أروى جودة التي هي في المسلسل خريجة من كلية العلوم، وتقود صديقتيها الاثنتين، “زينة” التي تلعب دورها الفنانة كنده علوش و”صافي” التي تجسدها شيرين رضا.

في المقابل، هناك اتجاه آخر للعنوان، ربما يكون هو الأرجح، ويشير إلى استخدام “حجر جهنم” كاسم لأحد أنواع المواد المخدرة التي تتعاطاها إحدى بطلاته، وتسعى لوضع هذا المخدر في وجبة الطعام للرجال الثلاثة والتي أعدتها الزوجات لهم ليتناولوها خلال رحلتهم في إحدى البحيرات بالفيوم، وبالفعل يتناول الأزواج الوجبة ما يؤدي إلى فقدان أحدهم، الذي كان يقود السيارة، اتزانه، فترتطم السيارة بالجبل وتنفجر.

الزوجات الثلاث يتحدثن عن تخلصهن من أزواجهن باستخدام القنبلة، لكننا وعلى سبيل التشويق لم نر فعليا صورة هذه القنبلة، بل رأينا صندوقا تضعه حورية في حقيبة السيارة.

هذا الإيحاء هو ما أشار إليه “تتر” العمل، حيث رأينا النساء الثلاث في مشهد تحضير الوجبة، لكننا نفاجأ في نهاية المسلسل بأن تلك الوجبة لم تكن إلا “قنبلة”، ولعل ذلك كان مجرد “تمويه” من الكاتبة التي أعتدنا منها ذلك من قبل في مسلسل “الكابوس”، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن “التتر” المصاحب لهذا العمل كان مميزا جدا.

“التتر” يبدأ بمشاهد تمزج بين اللونين الأحمر والأزرق، واللون الأول يرمز لأجواء الشر، بينما الثاني هو لون حالم ورومانسي، ما يعكس المزج بين الشرور التي قد تصيب قلب المرأة تجاه الرجل وقسوته، والثاني يعكس ما تعيشه بعد ذلك من راحة وتحرر عقب تخلصها منه، وهذا ما تترجمه مشاهد الحلقة الثانية من الأحداث والتي تظهر فيها الزوجات الثلاث في صباح اليوم التالي بعد التحقيق معهن، وهن يتنفسن الصعداء ويبتسمن وكأنهن حصلن أخيرا على الخلاص.

الأحداث في الحلقات الأربع الأولى تشير إلى أننا أمام جريمة غامضة، وإن كانت قد تخللها البعض من كوميديا الموقف، وترصد العلاقة بين الرجل والمرأة بما يتلامس مع المشاعر الإنسانية المكبوتة بداخل المرأة نحو زوجها الذي يسيء معاملتها، ويظهر ذلك في مشاهد “الفلاش باك” التي تتذكرها كل منهن في علاقتها بزوجها.

هناك “زينة” أو (كندة علوش)، التي يهينها زوجها “هشام” الذي يلعب دوره الفنان إياد نصار، فطوال الوقت يذكرها بكونها مريضة نفسيا وإن لم يوضح لنا المسلسل طبيعة مرضها، أو الدافع الذي جعلها تذهب للعلاج منه بإحدى المصحات.

أما “يوسف” (عماد الراهب) و”صافي” (شيرين رضا)، فهما مسيحيان يعيشان حياة تعيسة ولا يستطيعان الانفصال عن بعضهما، أو فض الزيجة نظرا لطبيعة مذهبهما القبطي الذي يحرم عليهما الطلاق.

وتحمل علاقة “حورية” (أروى جودة) و”وجيه” (أحمد السيد) غموضا كبيرا، خصوصا وأنه يهددها في أحد المشاهد بأنه سيرغمها على ترك الشقة التي تقيم فيها، مستغلا في ذلك ما كتبته له من “شيكات نقدية” دون أن نعرف سبب خضوعها له وكتابة تلك الشيكات على نفسها.

وكعادة المفاجآت التي تملأ بها المؤلفة أعمالها فإن “هشام” أو إياد نصار ينجو من حادث الانفجار الذي توفي فيه صديقاه، لكنه مازال فاقدا الوعي، ما يجعل المتفرج يتوقع سلسلة من الأحداث الانتقامية ستبدأ من هذا المشهد، خصوصا وأن هناك خطا دراميا آخر صاغته الكاتبة يشير إلى تورط “هشام” في صفقة طبية مشبوهة.

رسم الشخصيات النسائية الثلاث في العمل جاء جيدا ومقنعا، فـ”زينة” يتملكها التوتر والخوف طوال الوقت، و”صافي” لديها اعتقاد بعالم الأرواح وتخشى دائما ظهور روح زوجها القتيل لها، أما “حورية” فتبدو امرأة ذات جبروت وقوة، وهذا أمر منطقي، حيث أنها هي بالأساس التي قامت بالتخطيط للجريمة ومن ثم فهي كانت أكثرهن اتزانا بعد جريمة القتل.

أما الرجال الثلاثة، فمنهم اثنان يشتركان في سمة واحدة، هي كراهيتهما للعنصر النسائي، بل وتحقيره وازدرائه، في حين تبدو شخصية الرجل الثالث مهزوزة وغير متزنة نفسيا إلى الدرجة التي جعلته يحاول التخلص من حياته بصحبة زوجته ويقوم بفتح أسطوانة الغاز، حتى يتسرب منها الغاز، ويختنقا.

بالتأكيد كانت هناك من قبل الكثير من الأعمال الدرامية التي تعرضت لموضوع انتقام المرأة من الرجل، ومن أشهرها فيلم “المرأة والساطور” للفنانة نبيلة عبيد، غير أن المميز هنا في مسلسل “حجر جهنم” البداية الموتمثل ذلك في محاولة النساء الثلاث إقناع أزواجهن بضرورة الرحلة والتخطيط للتخلص منهم في منطقة نائية، سواء عبر قنبلة أو غيرها، فجميعها أمور توحي بأننا أمام قصة محمّلة بالغموض، خاصة وأن الزوجات الثلاث أردن التخلص من الأزواج بطريقة تبدو طبيعية حتى لا يتم الشك فيهن.

ومع ذلك، فهناك أمر غير منطقي في الأحداث رغم حرفية الصياغة، تمثل في الحجج التي ساقتها الزوجات لجعل أزواجهن يركبون السيارة قبل انفجارها، مثلا يسأل أحدهم زوجته عن “الحشيش” الذي أحضره خصيصا لتدخينه في الرحلة، فتجيب الزوجة بأنه بالمنزل ليضطر إلى العودة، في حين تقول أخرى لزوجها إنها نسيت إحضار الدواء الخاص به، أما الأخيرة فتطلب من زوجها الذهاب معها لإحضار الهاتف المحمول (الموبايل) من المنزل للاطمئنان على ابنتهما عن طريق هاتف زوجها، وكلها حجج قد لا تقنع المتفرج.

ربما تكون في ذلك شفرة سيتم فكها في الحلقات التالية، خصوصا وأن هذا الزوج “هشام” مازال على قيد الحياة، ورغم أن الأصل في الجريمة ثقة المنفذ في جريمته، إلا أن الارتباك كان واضحا على الزوجات الثلاث، وهذا شعور تلقائي بصفتهن سيدات قلوبهن ضعيفة.

مسلسل “حجر جهنم” يثبت تقدم الكاتبات النسائيات في عالم دراما الجريمة والإثارة الذي ظل لسنوات قاصرا على الرجال، وربما تبقى فرص نجاحه لمؤلفته هالة الزغندي أقل من النجاح الذي حققه مسلسلها السابق “الكابوس”، خاصة وأن مرتكب الجريمة عرفه المتفرج منذ الحلقة الأولى، بالإضافة إلى عرضه خارج الموسم الرمضاني، لكن الخوف الأكبر يكمن في أن تحبس الكاتبة نفسها في هذا النوع من الدراما فقط، فتفشل في ما بعد في تقديم الأنواع الأخرى.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى