امتثال… للقاص سامى عبد الستار مسلم

خاص (الجسرة)

 

أراهم هناك..
بشارع المحطة يصيحون..
حشوداً تدك الأرض..
وتلهب أسماع سكان كل العمارات العالية.
هناك بجوار الجندي المجهول.
بشر من الشدية والمنشية والحرس..
ومن كل مكان.
ليست احتفالات بفوز مصر بكأس الأمم. ليس بينهم موتوسيكلات تجرى، وعربات تطلق أغانى النصر. جموع تغزو إسفلت الطريق..
(أرجوك يا ابنى ماترحش)
وهل لي إلا أن أقول: “حاضر”
ليرتاح قلبك قليلاً ؟!
ولن أحتاج منك مصحفاً كي أقسم عليه، كما فعل السيد عبد الجواد مع فهمي في بين القصرين.
أن تطاردني برفضك..
ويطاردني مشهد بين القصرين..
فهذه لذة وقتية لي..
كطعم غزل البنات.
لكن طعم غزل البنات هذا يقفز من حلقي..
وتحتلني ضربات يأس لا تفارقني..
مثل ضربات القلب .
آه من تأكيدك على عدم الذهاب !
أنت تحذر وتتكلم كثيراً جداً..
وتدعو، وتشكو..
وتكاد تبكى مثل الأطفال.
وأنا بداخلي أشياء لا أستطيع التعبير عنها.
ليس عندي مريم أتركها؛ حتى تهدأ أحوال البلاد، ثم أتسلل إلي السطح؛ فأتغزل في وجهها، وأنال من شفتيها ما أنال. ولا عندي أصدقاء بحوزتهم منشورات.
شىء يا أبى بداخلي مثل الجدة – الطاعنة في السن – التي تهش على حفيدها بعصاها؛ كي يفتح لها النافذة..
(أبوس إيدك يا ابنى)
أراهم أمام عيني..
وأرى نفسي بينهم.
أتستطيع أن تلغى صورتهم ؟
لا أريدك أن تقبل يدي ..
حاضر ..
لكن هذه الشاشة لم تمل من بث الميدان.
العجوز التي تسكنني، وتهشني بعصاها، تتحول قائداً يأمر.
ومالك أنت وكل هذا..
طالما أنا جالس أمامك.
صيحاتهم تنزعني..
وأنت تواصل إصرارك.
ماذا أقول لك ؟
ساعات قليلة وسيخمد كل الحي. أعلم أنك تطمئن إذا انغلقت بوابة البيت؛ وسمعت أصواتنا جميعاً، ولكن الذي لا تعلمه أنى أتعذب حين يدب الخرس في الحي !
تأتى السادسة ليلاً وتتسلل إليَّ أعراض الخوف من الامتحانات؛ التي كانت دائماً تنغص حياتي:
غثيان، وقىء، وشعور بشلل !
ومالك وكل ذلك..
وأنت تسمع صوتي ضمن بقية الأصوات.
الأصوات تريحك، ويعذبني الخرس !
لا أريدك أن تقبل يدي، ولا أريد أن تعلم ما بي. كفاك أنك راضٍ أن أمضى إلى المقهى نهاراً، على يقين منك أن هناك ناساً يشربون المشاريب، ويلعبون الطاولة والدومانو.
الناس هناك يدبرون ذهابهم إلى التحرير..
يتكلمون الجد ولا يتشاجرون..
ولا يسخرون من أحد.
حاضر هنا وحاضر هناك.
فماذا أصنع حينما يدبر الأصدقاء ذهابهم..
وأنا بينهم ككوب الشاي الفارغ ؟
لا سبيل لدي إلا الاعتذار، والتبريرات التي لا يلتفت إليها أحد، ولا يغضب منها أحد. ليتهم يلقون لها بالاً !
اطمئن؛ فهم ليسوا في احتياج لي أنا شخصياً كي أقيم المائلة. اطمئن؛ فهم ليسوا في حاجة لسعد زغلول الذي أنجبته أنت .
سأجلس بينهم مثل فرغلى ماسح الأحذية..
يلمع ويشرب شايه ويسمع .
لكن ليتهم يعطون بالاً لاعتذاراتى المفبركة..
يناقشونني فيها ولو لدقيقة !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى