دور النشر المصرية تعمل بنظام المحسوبية والشللية: منال عبد الحميد: لدي معاييري الخاصة في الكتابة ولا أعترف بأي محاذير

عبد السلام الشبلي

أحد عشر عملاً أدبيا بين الرواية والقصة، كان آخرها «حميم» الذي شارك في معرض القاهرة الدولي للكتاب، هو مجموع ما أنتجته الكاتبة المصرية منال عبد الحميد، التي تؤكد لـ«القدس العربي» أن بيئتها الصعيدية منحتها، على الرغم من انغلاقها، الكثير من القصص التي استفادت منها في مؤلفاتها، واصفة إياها بالبيئة الثرية لأي كاتب، مؤكدة أنها رغم خروجها من الصعيد «المتحفظ « إلا أنها تكتب بلا محاذير تحدها، معتبرة أن مشروعها الكتابي ينبع من تجاربها وتجارب من حولها في هذا العالم.
المزيد في الحوار التالي..

■ البداية من البيئة التي خرجت منها في صعيد مصر، ماذا قدمت لك في إطار السرد الروائي والحكائي؟
□ بيئة الصعيد، رغم محدوديتها وانغلاقها إلى حد ما، إلا أنها ثرية جدا، بداية أنا نشأت في مدينة صغيرة، بعيدة عن الريف، لكنني لم أكن بعيدة جدا عن أجوائه، بلدتنا تقع في تلك المنطقة الحدودية التي تصل الريف بالمدينة، سكان المدن الذين يحلمون بالتحضر والارتقاء لكنهم في الوقت نفسه يشايعون أهل الريف، ويأخذون منهم ويتابعونهم في كثير من عاداتهم وتقاليدهم. والدتي – رحمها الله- كانت أول من سمعت منها قصصا صعيدية غريبة ومثيرة، بعضها حولته في ما بعد إلى روايات كاملة مثل «المتحولون»، والآخر استفدت منها في حبكات بعض قصصي القصيرة وأعمالي الروائية الأخرى، وجودي في الصعيد أفادني في الإطلاع على عدد هائل متداخل من الثقافات وطرق التفكير، ولأنني أعيش في الخط الواهن الفاصل بين خضرة الريف وحجارة المدن، وأرى اختلاطهما عليه، فقد صار بمقدري أن أكتب عن الاثنين بالدرجة نفسها من المعايشة والخبرة، لذلك فكتابتي عن الصعيد بوجه عام تكون أكثر تجاربي إثارة وصدقا، كما أن شخصيتي الأدبية تتبدل وتتجدد تماما عندما أمسك بقلمي لأخط بدايات عمل يدور في الصعيد.

■ تذهب رواياتك دائما إلى الغموض والرعب ما سر ميلك نحو هذا النوع من الروايات؟
□ الحقيقة أن هذه السمعة التي لاحقتني لم تعد صحيحة تماما، وقد حاولت جاهدة تحطيم هذه السمعة التي لصقت بي، فأعمالي المطبوعة لا تنتمي كلها للون الرعب والغموض، هناك بين أعمالي روايات تاريخية وقصص اجتماعية وإنسانية، وعلى سبيل المثال فمن بين أحد عشر عملا مطبوعا لي حتى الآن ليس هناك سوى خمسة أعمال فقط تنتمي للون الرعب والغموض، أما البقية فتتنوع ألوانها الأدبية وتتباين، لكن لعل أعمالي القصيرة المنشورة إلكترونيا فعلا يغلب عليها لوني الرعب والغموض والإثارة، والسبب في ذلك إنني أحب هذا اللون من الأدب، أجد نفسي فيه، وأدب الغموض بالنسبة لي ليس مجرد قصة مرعبة أو غريبة ودمتم، إنه عالم آخر، فكرة قد لا تستطيع أن تخرجها في صورة عمل تراجيدي أو اجتماعي، طريقة للكتابة والبوح مختلفة قليلا، الغولة التي لا تستطيع أن تقول لها إن عينيها حمراوان في عمل مباشر فج، تقدر أن تواجها في عمل يبدو مغلفا بالغموض وسحر الرعب والأسطورة.
■ هناك سوداوية مقلقة في مجموعتك القصصية «حميم»، ما سرها؟
□ مجموعة «حميم» خطوة لي على طريق إرساء اسمي ككاتبة متنوعة، اختيار قصص المجموعة، من بين قصص أخرى، جاء عن طريق الانسجام وتشابه الجو العام، فمعظمها قصص تتناول حالات غريبة إنسانيا، وهواجس ومتاعب وأرواحا معذبة في هذا العالم، عالمي الخاص وعالم كل من هم حولي، معذبون خرس، بلا لسان ناطق وبلا يد كاتبة، وهم بحاجة إلى من يعبر عنهم، معظم قصص المجموعة تعتمد على قصص حقيقية وحوادث، قرأت بعضا منها أو ما هو مثلها، عبر سنوات عمري الطويلة، في صحف ومجلات وكتب قديمة، وكل قصة قرأتها وأثرت فيّ تظل عالقة بذاكرتي لسنوات وسنوات تئز داخل رأسي، ولا يهدأ لها بال حتى أخرجها حية نابضة على الورق، ساعتها تستريح الفكرة وأرتاح أنا أيضا معها.

■ هل يمنعك مجتمع الصعيد بعاداته المحافظة من الكتابة بحرية وطلاقة، ولماذا؟
ـ مطلقا، فلا أحد هنا يقرأ ما أكتبه، أقصد من بين أفراد عائلتي، كما أنني من النوع الذي لا يعترف بأي محاذير في الكتابة، عدا المحاذير النابعة من ذاتي وما أؤمن به وما عدا ذلك فأنا أكتب (ولا يهمني)!

■ هل تعتقدين أنه ثمة فجوة بين الأدب النسائي في مصر والدول العربية الأخرى من خلال تجربتك، ولصالح من هي؟
□ شخصيا لا أعتقد ذلك، وإن كانت هناك فجوة في سنوات سابقة، فجيل كامل جديد من الكاتبات والأديبات المصريات الشابات جديرات بردم تلك الفجوة، بل وتحويل الكرة إلى ملعب الكاتبات المصريات، ذلك أن جيلا واعدا بالفعل بدأ يهيمن على الساحة الأدبية وهذا أمر مبشر للغاية وجدير بالفخر.

■ أنت عضو في مجموعة القلم الحر الأدبية، كيف ظهرت الفكرة لديكم وماذا قدمتم للأدب المصري حتى الآن وما هي طموحاتكم؟
□ المجموعة ظهرت في أعقاب ثورة 25 يناير/كانون الثاني، مؤسستها هدير زهدي وهي صاحبة الفكرة، وهدفت توفير فرصة نشر لجيل من الكتاب المبتدئين الذي يعانون من إغلاق أبواب دور النشر في وجوههم، طبعا قبل ظهور موجة دور النشر التجارية، المجموعة بدأت بعدد محدود من الكتاب الشباب، كان من حسن طالعي أن أكون من بين أوائل المنضمين إليها، تزايدت أعداد الأعضاء باطراد، ولم تتخل المجموعة عن هدفها الأول، ألا وهو تجميع المبدعين والكتاب، خاصة الجدد منهم، في منظومة واحدة تتيح لهم التعلم من بعضهم، وتبادل الخبرات واكتساب معارف إبداعية جديدة، ثم التضامن في خوض سوق النشر الغامض الملتبس، أخرجت المجموعة عدة أعمال جماعية كانت باكورتها في كتاب «شبابيك على شارعنا» 2011، وحاليا نحن بانتظار مولود جديد للمجمـــــوعة هو كتاب «صلوات الألم»، عن دار شهرزاد للنشر.
■ برأيك هل يخوض الأدب النسوي معركة في المجتمع المصري؟
□ الأدب أدب وإن اختلف جنس القابض على قلمه، الحقيقة وخلافا لكثير من الآراء فأنا أرى أن الأديبات في مصر لا يخضن معارك ولا صدامات بالشكل المهول الذي يروجه البعض، وكل ما في الأمر هو مناوشات يسهل التغاضي عنها، أنا شخصيا تعرضت لمواقف بسبب كوني أنثى أكتب بعضها بشكل طريف، وبعضها مثير للاشمئزاز، من أكثرها رسوخا في ذاكرتي هو أن أحدهم قرأ رواية لي على أحد المواقع الإلكترونية، وكانت منشورة بدون وضع اسمي عليها، وأعجب بها جدا، ثم عرف إنني كاتبتها بالصدفة فدخل صفحتي وأرسل إليّ معبرا عن إعجابه بالعمل، ثم قال متأسفا: أنه لو كــــان يعرف أن كاتب العمل (واحدة ست) ما استكـــــمل قراءته، وهذا يدلك على أن أغلب الآراء التي تقلل من كتابات النساء تأتي من أشخاص لم يقــرأوا حرفا لمعظم الكاتبات، ولا يكادون يعرفون أسماءهن حتى، لكنني أعتقد أن الهجوم على أعمال الكاتبات الإناث، وإن كان بعضه صادقا وعن حق تماما، لا يعدو كونه مشايعة للبعض في آرائهم، وانقيادا أعمى خلفهم.

■ ما رأيك بالجوائز الأدبية في مصر، هل شاركت بأحد أعمالك الكثيرة في إحداها؟
□ الجوائز الأدبية مهمة ، ومشجعة جدا للكاتب ومحفزة له على العمل وتجويد الإنتاج، لكنها ليست كل شيء، والكاتب الحقيقي يعمل بدون انتظار لجائزة، وقد شاركت فعلا في بعض تلك المسابقات وحصلت على المركز الأول مؤخرا في مسابقة القصة القصيرة التي أقامها نادي القصة في أسيوط.

■ كيف ترين واقع الأدب المصـــــري من زاويــــتك ككاتبة تسعى في حقل مليء بالموانع والعقبات؟
□ واقع الأدب المصري مبشر، بعيدا عن دور النصب أو النشر التي انتشرت مثل الطاعون، وعن الأعمال الرديئة الكثيرة التي ملأت المكتبات، وعن ارتفاع أسعار الورق والأحبار، وأسعار الكتب الباهظة، وعن ظاهرة سرقة الكتب وبيعها (مضروبة) على الأرصفة، أو تسريبها في شكل نسخ pdf، وعن دور النشر التي تعمل بنظام المحسوبية والشلة، ناهيك عن كل ذلك، فنحن لدينا أسماء تظهر كل عام، وهناك دور نشر جديدة تظهر كل سنة بفكر ونظام جديدين، وهناك عالم يُفتح قسريا أمام من كان مغلقا في وجوههم من قبل، وهناك دور محترمة لا تزال موجودة وتعمل على خدمة الأدب والإبداع بكل ما تملك من طاقة، ووجود السيئين في عالم النشر لا يعني وجود جيدين كثرين.

■ حاضرة دائما على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصا فيسبوك، ماذا تقدم مثل هذه المنصات للأديب برأيك؟
□ المنصات الاجتماعية تتيح للكاتب فرصا عظيمة للاتصال المباشر بقرائه والتفاعل معهم بشكل دائم ويومي، والترويج للأعمال مهم جدا وحيوي على مواقع التواصل الاجتماعي، التفاعل المباشر مع القراء، ومعرفة آرائهم بشأن العمل، أو المقتطف، بطريقة سريعة للغاية، الفيسبوك خاصة يساعد الكاتب على تجميع قرائه، طبعا هناك عيوب لمواقع التواصل الاجتماعي، منها أنها قد تشغل الكاتب وتستنفد وقته، أو تشغله بمعارك وخصومات جانبية لا أهمية لها، كما أن ظاهرة (الألتراس الأدبي) قد تكون في بعض الأحيان فجة، وتسبب للكاتب نفسه بعض المتاعب والمشاكل الغريبة.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى