بيوت المبدعين منارات مهدمة

محمد ناصر المولهي

في الكثير من البلدان من حول العالم، تتحول أغراض المبدعين أو بيوتهم إلى آثار وطنية وعالمية مفتوحة على الإنسانية جمعاء، دون تمييز، وهذه هي رسالة الإبداع الحقيقية، أن يكون جامعا لمختلف الأعراق والشعوب التي قد تفرقها اللغة أو اللون أو الدين أو حتى الجغرافيا، لكن وحده الإبداع يجمعه تحت سقف واحد هو الجوهر الإنساني الطامح إلى الجمال والخلق.

وقد تحولت العديد من بيوت الرسامين والفنانين والكتاب والشعراء، إلى متاحف ومقاصد عشاق الفن، فيها يتعرفون على حياة هؤلاء المبدعين في تفاصيلها الدقيقة، وفيها أيضا يطلعون على الجوانب الخفية من حياة المبدعين، حيث من المعروف والراسخ أن البيئة وتفاصيل الحياة اليومية المختلفة تؤثران في ما ينتجه المبدعون.

أن يتحول منزل أحد المبدعين مثلا إلى متحف أمر بالغ الأهمية، على الجمعيات المعنية بالشأن الثقافي وعلى السلط الثقافية أن تسعى إلى ترسيخه، حفاظا على الذاكرة الوطنية وعلى التراث اللامادي للأجيال القادمة، وهو لا يقل أهمية عن حماية الموارد الطبيعية للقادم من المستقبل البشري.

منازل مبدعين كثيرين تحولت إلى متاحف وإلى مقصد للزوار كآثار إنسانية تختزل شيئا من التاريخ في زمن يعصف به خلل الهويات والتعصب، نذكر مثلا منزل هوجو وديكنز وشكسبير وغوته وبيتهوفن وغيرهم من الكتاب والمبدعين والمثقفين، رموز إنسانية جامعة.

في الوطن العربي يبدو الأمر مختلفا، وإن كنا نثمن هنا مثلا تحوّل منزل الشاعر والأديب والرسام اللبناني إلياس أبوشبكة مؤخرا إلى متحف يضم مقتنيات الشاعر سواء منها الحياتية أو الإبداعية، ويعد بيت أبوشبكة نموذجا حيّا للعمارة اللبنانية التراثية بهندسته الغنية والقرميد الأحمر الذي يزين جدرانه، بأحجاره والزخارف التي يحويها.

أيضا خطوة أخرى كانت مثيرة ومهمة هي احتواء بيت الشاعر العراقي بدر شاكر السياب لاختتام فعاليات مهرجان المربد للشعر العربي بالبصرة، مدينة الشاعر التي ألهمها الشاعر الراحل ومازال يلهمها الأمل والتجذر والجمال.

فإننا بمجرد إلقاء لمحة على بيوت الكثير من المبدعين سنكتشف هول الاستهتار بتراثهم رغم ما قدمه هؤلاء من شعراء ورسامين وموسيقيين وغيرهم للوطن العربي من منتج إبداعي خالد، يمثل موروثا عميقا، كان الأجدر الاعتناء به لا إهماله.

أغلب بيوت المبدعين العرب تعرضت للهدم أو البيع أو الإهمال، فيما كان يمكن استغلالها كمنابر ثقافية مختلفة الأنشطة ترسخ جو الألفة بدل التناحر والعنف، وتشيع التسامح والجمال بدل قبح الواقع الذي يستفحل في أغلب الأقطار العربية.

فهدم منزل الشاعر التونسي أبوالقاسم الشابي في ظل صمت وزارة الثقافة التونسية أو التفريط في بيت أم كلثوم ليصبح عمارة، أو بيت عبدالحليم حافظ المهمل أو منزل محمد عبدالوهاب بالزمالك الذي تم التفريط فيه، وغيرها من البيوت التي طواها النسيان رغم خلود أعمال أصحابها.

إن العرب اليوم في حاجة ماسة إلى مبدعيهم ومثقفيهم وكل ما يتعلق بهم، في زمن ينبئ بالمزيد من الانقسام والتدهور العام، وسببه في رأينا ثقافي قبل أن يكون اقتصاديا واجتماعيا، حيث ثقافة جلد الذات والدونية باتت بديلا عن ثقافة الأصالة والانفتاح والفعل.

لذا فمن الضروري إعادة الاعتبار إلى المبدعين وكل ما يتعلق بهم لأنهم وحدهم الأقدر على تحقيق الإجماع حول روح الفن الجميلة من أجل خلق الجمال في الواقع المعيش.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى