جماليات الأدب الإنساني وتأثيرات «نوبل»… أليس مونرو نموذجاً

كمال القاضي

كثير من إبداع الكتاب الكبار في بعض دول العالم لم يُلتفت إليه ولم ينل شرف الترجمة، إلا بعد الحصول على جائزة نوبل، كأنه اعتراف مرهون بالجائزة وليس بالكتابة الإبداعية الجديدة في حد ذاتها، ولهذه الظاهرة دلائل وشواهد كثيرة لإبداعات وكتاب ظلوا محليين، إلى أن جاء فوزهم المقدر ليصبحوا بين عشية وضحاها أدباء عالميين ملء الأسماع والأبصار.
ووفق هذا الواقع وتبعاً لثقافة وذوق ومرجعيات المانحين والمحكمين الفكرية والسياسية، يتم الحصول على الجائزة الكبرى.
لم أكن أعرف شيئاً عن الكاتبة الروائية والقاصة الكندية أليس مونرو قبل حصولها على جائزة نوبل عام 2013 وتحولها من كاتبة محلية إلى كاتبة عالمية مرموقة، تعد كتابتها للقصة وطريقة السرد ولغتها واستخلاصاتها الاجتماعية والسياسية نموذجاً في عالم الأدب، ومقياساً للوعي والفكر والإبداع. ثمة فرصة ثمينة وجدتها بعد انتشار إبداعها مترجماً، وحصولي على بعض قصصها المترجمة للعربية، كي أقف في طابور المعجبين بها وأنضم إلى جمهور قرائها، لأطلع على لون قصصي جديد وأتذوق طعم الإبداع بلغة مختلفة، وقد وجدت ضالتي في مجموعتها القصصية المتميزة «العاشق المسافر» التي قام بترجمتها أحمد الشيمي، الذي استهل الكتاب الضخم الواقع في نحو 650 صفحة من القطع المتوسط بمقدمة هي ذاتها إبداع يضاف لجماليات الكتابة عند أليس مونرو، حيث لخص ما رآه في الكاتبة متميزاً ومهماً، موضحاً إخلاصها لكتابة القصة على وجه التحديد، وهي الأقل حظاً في دخول السباق المحموم للحصول على الجوائز وبشكل خاص جائزة نوبل، التي لو التفتت إليها أليس ما كانت قد حصلت عليها، مشيراً إلى أن عنايتها بالكتابة القصصية ونبوغها فيها هو ما أوصلها إلى نوبل، وأجبر القائمين عليها إلى احترام ما تكتبه وتصوغه بلغة فريدة، قلما تجد لها نظيرا عند الكتاب الكنديين، أو غيرهم. لافتاً إلى صعوبة تجاهل إبداع أليس مونرو من جانب مانحي الجائزة العالمية المهمة، التي لم يسبق للأدب الكندي قاطبة حصوله عليها، رغم خصوصيته وأهميته وقدرة كتابه ومواهبهم الفذة أمثال، مافيز جالانت ونورمان ليفين ومارغريت لورنس وأرفنج لايتون ومورديكاي ويتشلز.
ويفرد الشيمي مساحة واسعة في مقدمته المعتبرة للمجموعة القصصية «العاشق المسافر» للحديث عن طبيعة البيئة الكندية وخصائصها، وصلتها بالإبداع، ذاكراً أن من مناطقها ما يشبه دول البحر المتوسط، مقرباً الصورة بين الحالة الطقسية والجغرافية في كندا، وتلك الدول الساحلية الواقعة على البحر المتوسط، للربط بين تأثر الكاتب بالطبيعة وتشابهه مع من يعيش حياة مناخية مماثلة.
وفي تحليله لأدب ألبس مونرو، يرى المترجم أنه يمثل إبداعاً نسوياً بامتياز، حيث تتضمن معظم قصصها شخصية الأم وطبائعها ورقتها وسلوكها العام والخاص، فضلاً عن أن هناك في أدب مونرو أبعاداً أخرى للحالات الإنسانية الواردة في قصصها كالمرضى ونوعيات الأمراض على سبيل المثال ، وكذلك نزوع المرأة إلى الاستقلال ومواجهتها لتحديات اجتماعية صعبة نتيجة شيوع قيم مستفزة، ومن ثم صورت الكاتبة الكندية الكبيرة المرأة في كثير من الأحيان تصويراً تراجيدياً إلى حد ما، وجعلت نهايات قصصها نهايات مخفقة تبعاً لمفهومها عن الواقع النسوي والأزمة التي تعيشها المرأة محلياً ودولياً، سواء داخل كندا أو خارجها. ومن ناحية أخرى ترصد أليس بعض ظواهر الفوضى وتأثيراتها السلبية، وتشير إلى عدم استحقاق المرأة في التقدم والترقي فهي دائماً ما تجد من يشدها إلى الخلف حين تهم بالتقدم إلى الأمام، ولم تفصح عما إذا كان من يشدها إلى الوراء هو الرجل لتظل له السيادة أم لا، ولكن في أغلب الظن أنها تقصده لأنه لا أحد ينافس المرأة أو ينازعها سوى الرجل، وفق سياقات القصص والصراعات الدرامية فيها، التي تأتي عناوينها الموحية على النحو التالي، «المتسولة الحسناء»، «أولاد وبنات»، «صديقة شبابي» و»أشباح».
وتتسم قصص أليس مونرو، بأنها لا تخلو من عمق الرواية، إذ أنها تتضمن محاور إنسانية تنطوي على معان وشجون وهموم حقيقية للإنسان المعذب في الحياة المليئة بالاضطراب والفوضى، وتراجع قيم العدل والحرية، فالإنسان ما هو إلا كائن يكابد ويتألم طوال الوقت.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى