واسيني الأعرج: لننزع عن الكتّاب مهما كانوا شهيرين صفة القداسة

حسونة المصباحي

صبيحة الأحد 12 فبراير من هذا العام، في فندق إندو ألفا بالدار البيضاء الذي احتضن ضيوف معرض الكتاب، دارت بيني وبين الروائي الجزائري واسيني الأعرج دردشة حول أعماله الأدبية.
قنابل موقوتة

أسأل الروائي لماذا هذا التشاؤم في روايته “العربي الأخير”؟ وإن كان جادّا في اعتقاده بأن العرب سينقرضون، وسيكون لهم مصير الهنود الحمر، أم هي مجرد لعبة للفت الانتباه؟ ليجيب الأعرج قائلا “التفكير في هذا الموضوع جاء قبل وبعد الثورات العربية، وما حصل من تغييرات كبيرة في الجسم العربي، وأيضا على المستوى العالمي. فقد لاحظت أن هذه التحولات بدل أن تكون لحظة تنوّر وانتقال إلى مرحلة توفر للإنسان العربي الحرية والكرامة، وتحقّق له حياة أفضل، أفضت إلى حروب أهليّة زادت في تمزيق أوصال العالم العربي مشرقا ومغربا، وولّدت أمراضا جديدة، وزادت الأوضاع العربية سوءا وتعفنا. كما أنها فجرت صراعات طائفية وإثنية ودينية وعقائدية تذكرني بعصور الانحطاط التي أعقبت انهيار بغداد، وزحف المغول”.

ويضيف “ها نحن نعاين أن المجتمعات العربية تحولت إلى قنابل موقوتة لانفجارات أشد سوءا من ذي قبل. ما يحدث في اليمن وسوريا والعراق وليبيا، مؤلم وخطير إلى أبعد الحدود. ومثل هذا الوضع لا يمكن أن يوفر الأمل، بل يولد اليأس والتشاؤم والإحباط. وعليّ أن أقول إن التشاؤم بات جزءا من حياتنا نتجرعه يوميّا مع قهوة الصباح المرة. وقد توسمنا خيرا في انتفاضات ما سمي بـ’الربيع العربي’ إلا أن أملنا في ذلك انطفأ بسرعة، لنجد المجتمعات العربية تزداد هوسا بالماضي بما فيه من تخلف، وجهل، وانغلاق، وتحجر”.

أستدرك بدوري أنه سبق للعرب أن عرفوا أوضاعا كهذه بعد انهيار بغداد وحرق مكتباتها، وبعد خروجهم المهين من الأندلس، لكنهم نهضوا من جديد، واستعادوا مكانهم تحت الشمس. ويعلّق الأعرج على كلامي قائلا “ملاحظتك صحيحة. وعلينا أن نأخذ الفترتين، فترة سقوط بغداد، وفترة خروج العرب من الأندلس بعين الاعتبار. وعلينا أيضا أن نشير إلى أن الفترتين سبقتهما انهيارات على مستوى التفكير الحر والعقلاني. فقد تم اضطهاد كل الذين حاولوا بطرق مختلفة إنقاذ العرب من السقوط والانهيار، وهذا ما حدث لابن رشد وابن خلدون ولآخرين. وهكذا تحول الإنسان العربي إلى شخصية تائهة لا مكان لها سوى أمكنة الصدفة كما هو حال الموريسكيين”.
لن نموت كالحيتان

يتابع الأعرج “في القرن العشرين، وبينما كان العرب يسعون لفرض وجودهم في العالم، جاءت كبوات أخرى لتعرقل طموحهم، وتفتّت أمانيهم. فقد تمّ طرد الفلسطينيين من أراضيهم ليتحولوا إلى شعب متشرد، وكانت هزيمة حرب 67 ضربة قاسية على جميع المستويات. وها أنت ترى أن العرب يعيشون منذ تلك اللحظة الانكسارات تلو الانكسارات، والخيبات تلو الخيبات، وباتت كل مبادرة عقلانية وتنويرية مهددة بالزوال حال ظهروها. وما الظاهرة الإسلاموية المتطرفة إلاّ نتيجة لانهيار العقل العربي الطامح إلى الإصلاح والتغيير، وكلما حدث ما يمكن أن يقود إلى ثورة حقيقية، تنفجر قنابل موقوتة لتشعل حروبا أهلية طاحنة تفضي إلى الخراب والفوضى”.
قد نفهم من كلام ضيفنا أن واحدا مثل الشاعر خليل حاوي كان على حق عندما انتحر في صيف 1982 عندما غزت إسرائيل لبنان، بعد أن فقد الأمل في انبعاث عربي، ولكن الأعرج يرى أن الانتحار قد يكون حلا من الناحية الرمزية حين يعيش المثقف قلقا دائما، وحالة عميقة من التشاؤم بحيث تنسدّ الآفاق أمامه فلا يرى غير الظلام والخراب، لكنه مع ذلك يقر بأن رأيه في صف سارفانتس الذي يقول “حيث يسود الظلام الكبير، توجد بقعة ضوء صغيرة علينا أن نذهب نحوها مهما كانت النتائج حتى ولو خسرنا أرواحنا ونحن نقترب منها”.

نستخلص من كلام الروائي أنه علينا ألاّ نفقد الأمل، حيث يقول “الحالة في العالم العربي اليوم في غاية التعقيد، لكن هذا لا يعني انعدام الأمل وإلاّ فسنموت مثل الحيتان بشكل جماعي. لكن يجب ألا تنسى أنني كتبت رواية ‘العربي الأخير’ في مناخ ساد فيه التشاؤم واليأس”. جاء واسيني الأعرج إلى الرواية متأخرا، ونسأله هنا إن كان هذا المعطى هو ما يفسر غزارة إنتاجه لاستدراك ما فات؟

يجيب الروائي “لا أبدا أنا بدأت كتابة الرواية وأنا في الثالثة والعشرين من عمري. وكنت أدرس في سوريا عندما نشرت روايتي الأولى، وكانت بعنوان ‘وقائع رجل غامر صوب البحر’. لكن بعد الأزمة الصحية الخطيرة التي ألمت بي في عام 2007، تغيّر مساري. فقد أدركت أن الصحة والشباب وكل هذا مؤقت وزائل. وبما أنه كانت أمامي مشاريع روائية تحتاج إلى عمر كامل، فإنني امتهنت الكتابة بشكل دائم، بل أصبحت مدمنا عليها، فلا أكاد أفعل شيئا آخر سواها. وهذا هو السبب الأساسي في غزارة إنتاجي الروائي. ثم أنني لست الوحيد الذي له إنتاج غزير. لا تنس نجيب محفوظ على المستوى العربي. وعلى المستوى العالمي لا يمكن أن ننسى بلزاك وزولا وجروج سيمون كاتب الروايات البوليسية”.

نسأله هنا عما بقي من الروائي المغربي الطاهر وطار ليبتسم الأعرج، فيما يقول “هل تعلم أنني كتبت كتابا بنفس هذا العنوان ‘ماذا بقي من الطاهر وطار؟’، وكان آخر كتبي النقدية. وفيه أشرت إلى أن ما سيبقى من الطاهر وطار ومعه عبدالحميد بن هدوقة هو دوره التأسيسي في كتابة الرواية باللغة العربية في بلادنا، التي تهيمن عليها الكتابة باللغة الفرنسية. لكن في مجال الكتابة الروائية، وفي شكلها وفي تقنياتها، وفي أساليبها يمكن القول إنه لا مكان له في هذا المجال. وعلى أي حال علينا أن نسعى إلى نزع صفة القداسة عن أي كاتب مهما كانت شهرته. وعلينا أن ندرك أن الأدب غيمة متحركة، تعقبها غيوم بعضها جاف وبعضها ممطر”.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى