منال الشربيني: أنا جبرانية الروح والآفاق وأعشق ثقافة التلقي

ياسين غلاب
د. منال الشربينى أديبة ومترجمة وباحثة، اختزنت ثقافات 3 بلدان عربية هي الأردن وفلسطين ومصر، درست اللغتين الإنجليزية والفرنسية وعملت صحفية ورئيسا لقسم الدراسات والبحوث بجريدة “الأسواق” الأردنية.

عشقت الترجمة وأخذت على عاتقها نقل الأدب العربي وبخاصة المصري والسكندري لكي يرانا الآخر بلغتنا.. يرانا على ما نحن عليه وليس كما يصدر له، كذلك حاولت ترجمة الأدب الخارجي بمفرداتنا كي نفهمه على ما هو عليه مثل رواية “كازانوفا” لأندرو ميللر.

صدر لها ديوان “ناي، نخيل، حابي” في عمان وديوان “عند مفترق الذكرى والخرافة” في مصر، بالإضافة إلى عشرات الأعمال المترجمة، كما صدر لها رواية “تلات ورقات” وتحت الطبع رواية “مرايا يونس” بالإضافة إلى عدة أعمال أخرى تصدر قريباً.

حول أعمالها ورؤيتها النقدية والأدبية والنسوية كان هذا الحوار:

عن تصنيفها كشاعرة تنتسب لمدرسة الشعر الرعوي قالت منال الشربيني: نعم قرأت ذلك التوصيف في بعض المجلات العربية، وأراه متناسبًا معي، وأرى أعمالي ملكًا خالصا للنقاد الحقيقيين الموضوعيين الذين يلقون فيه أقلامهم وعيًا، أخذًا وردًا، ولقد أصاب من صنفني من مدرسة جبران، فأنا جبرانية الروح والآفاق، وأميل إلى إيليا أبو ماضي ومي زيادة ، ولكن ميلي الأكبر للثقافة المطلقة والموسوعية في التلقي إلى مالا نهاية.

ويعود ذلك إلى تكويني، فأنا بنت المنصورة ، وبنت الريف المصري الممزوج بحناء الأرض، ودلال “حابي” إله النيل لدى قدماء المصريين، وبنت الإسكندرية والبحر بحكم نشأتي الأولى فيها حتى بلغت الثامنة عشر من عمري، وبنت عمَّان – الأردن، وثلجها وجبالها ومراعيها ورعاتها وأحراجها وطبيعتها الرائقة، عشت بها خمسة وعشرين عاما، وابنة كل القراءات التي شكلت وجداني وعقلي، وابنة أبي الذي علمني القرآن، وابنة أخي الذي علمني الانجليزية وابنة أمي التي علمتني لغة الحمام، وابنة زوجي الذي علمني الصيد وأقرأني البراح، فيمكنك أن تقول أنا ابنة للطبيعة.

وأضافت: لم يزل هناك مشروع للترجمة قائم لدي كمشروع شخصي، حيث رصدت الواقع الأدبي السكندري، ورصدت أعمالاً بعينها لكتاب وشعراء مميزين للغاية بالإسكندرية، واعتقد أن أعمال البعض لقيت رواجا كبيرا بعد ترجمتها، وكنت أرغب من وراء ذلك تقديم الأدب السكندري بترجمة تليق به للآخر، الذي اعتاد قراءتنا من خلال مترجمين غير عرب، وكانت وجهة نظري دوما أن علينا أن نقدم للآخر ذواتنا المبدعة وعوالمنا وملامحنا الخالصة كما نراها نحن ونقدم له من الهوامش ما يجعله يقترب منا ولاقى الأمر استحسانًا كبيرًا للغاية حيث كنت أعرض أعمال الأدباء والشعراء عرضا سينمائيا كخلفية لمنصة الندوات التي أقمتها بدعم من فرع اتحاد الكتاب بالإسكندرية وجهات أخرى لكن المشروع يحتاج لدعم أكبر وسأظل أعمل عليه حتى يظهر للنور.

وعن تقييمها للحركة النسائية الإبداعية بالإسكندرية بوجه خاص، وبمصر بشكل عام قالت الشربيني: الحركة الإبداعية تغلي بالإبداع عموما في الثغر، ولدينا طاقات هائلة من المبدعات، في الإسكندرية ولكن كوضع عام، نحن بحاجة إلى غربلة للإبداع الحقيقي النسائي وغيره، وأنا أرفض مصطلح “إبداع نسائي” فالإبداع مجموع الفعل مع القول وبذا يستوي لدي الجميع في قولة واحدة “مبدع”، نحن فقط نحتاج إلى المصداقية في الحكم على الإبداع والمبدع هو الذي يصنفه الجمهور مبدعا في نهاية المطاف.

وقالت عن الشللية الأدبية في مصر: لفظة”شللية” تعني فكر تآمري، مع أو ضد، هكذا أفهمها، وهي موجودة بيننا طول الوقت، نحن نتفق كأخوة من أم واحدة على أبينا كي يلبي لنا غرضا، هذا مفهوم وارد في كل الأوساط وكل المجتمعات، لكن حين يتفشى ليصبح تعتيما وتغييبا، وقد يصل إلى حد الغيبة والنميمة أحيانا، فإن اللفظة تضعنا جميعا في مأزق الجهل. ومن هذا المأزق تتأزم المسيرة الإبداعية للجميع، لأن كل شلة يقابلها شلة تحد من قدراتها أو تعرقل مسيرتها.

وعن عالم الترجمة قالت: عشقي للترجمة جاء من أن الترجمة يمكن أن تكون نصًا موازيا بل وتتفوق عليه من حيث الإمتاع بمفهوم فقه اللغتين وأنا كلغوية ومترجمة وباحثة وأديبة أرى أن تقديم ترجمة للنص الأصلي بلغة أهله تعد أجدى نفعا من قيام الآخر بترجمتنا ضمن مفاهيم ضيقة وهوامش ربما لا تؤدي إلى فتح النص في لغته الأصل ليقدم دلالات واضحة في اللغة الهدف.

أريد أن يتلقى الآخر عنا ما نريد أن نقوله له، كفانا تبعية واستيرادا، فإن لم يفهم لنا مقصدا أو مصطلحا عليه بالبحث عن جذور لغتنا كي يعرفنا بالطريقة التي نريد له أن يعرفنا من خلالها، وليس ضمن مفهومه الضيق عنا، لذا لا بد من غرس حب الترجمة بين الشباب لفتح التنافس بينهم ضمن أرضية واحدة تحمل لافتة “الحفاظ على فقه اللغة الأصل والهدف.

وعن ديوانها الشعري”عند مفترق الذكرى والخرافة” قالت: لي ديوان صدر في عمان الأردن، وظهرت منه طبعة في السعودية، يحمل عنوان “ناي، نخيل، حابي” وحابي هو اسم النيل القديم، وديوان “عند مفترق لذكرى والخرافة” أردت فيه أن أقول للقارئ أنا بين الشعر والنثر وبين القديم والحديث مزروعة بين قناديل السماء دوما، ومزجت فيه بين التوراة والإنجيل والقرآن كموروث وتناص وإسقاطات تاريخية وفيه جزء أطلقت عليه: قاموس آخر للغة.

أما في عالم الرواية: يمكنني أن أقول إن رواياتي تدور حول قضايا مهمة على الصعيد العربي والمحلي، حيث يبدو من العنوان أنني أرمز عن جنب وطرف إلى كم الغش والتدليس والتحايل على الحق والمراوغة من أجل الحصول على المبتغى من باب الغاية تبرر الوسيلة. وتحدثت عن القضية الفلسطينية، وكثيرا ما تحدثت بلهجة أهل الخليل وقضا القدس وقضا نابلس وقلقيلية، لأقول إن هذه اللهجة لم تخرج من فراغ، إنما هي لسان حال واقع وأرض تعاني من التدليس كي تسلبها هويتها التي نحتها التاريخي على حجارتها، تحدثت عن مجتمع فلسطيني أردني عشته بحذافيره، تحدثت عن المعبر ومعاناة من لا ذنب لهم بسبب من نهب وسلب وباع ودلس ولعب التلات ورقات.

تحدثت باللغة العربية الفصحى الرائقة والبليغة، واحتاج الأمر مني أحيانا أن أتكلم العامية وفق ما تتطلبه الشخصيات من بعد ثقافي وبيئي.

طرحت في روايتي العديد من القضايا مثل قضية ابتزاز الأبرياء عن طريق تقديم صورة وصل أمانة واستغلال قلة حيلتهم لأنهم وقعوا ضحية من يجيد العبث بالقانون، قضية المرأة فيما يتعلق باضربوهن واهجروهن في المضاجع، قضية المرأة المطلقة والعانس، ومعاناة النساء في المجتمعات الذكورية بشكل مغاير، تحدثت عن فلسطين المرأة، والأرض، والعرض، تحدثت عن الغربة، وجمال عبدالناصر، تكلمت عن ملامح وطن لا أريد له أن يبهت، عن الضفة وحرب الخليج، عن أثر الأفلام الهابطة على تدني قيمة المرأة في عيون الآخر، عن مفهوم الرقص والغناء والموسيقى، عن سرقة الملكية الفكرية واستغلال المناصب ولعبة التلات ورقات والكواليس القبيحة، تحدثت عن السكوت عن الحق خشية بطش ذوي السلطة.

وتحدثت عن دخول الملوك القرى، وارتبط الخط الدرامي في روايتي نفسيا ولغويا وعصبيا وهندسيا وتاريخيا وعلميا بقضايا مهمة، تحدثت عن الاغتصاب للخادمات المصريات واعتبارهن أرخص السلع، تحدثت عن الجدات والأصالة، والموت والحياة والفراق، والحب والفداء والتضحية، وأشياء كثيرة أرجو أن أكون بها قد وفقت لأن أقدم وجبة جيدة لقارىء يبحث عن الكتابة الهادفة في خضم ما تشهده ساحات الكتب من سقوط في الرؤى والرؤية والطرح واللغة والصورة والمسكوت عنه.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى