‘كارثة الأرض’ غوص في الماضي لاستعادة صورة الانهيار العظيم

طاهر علوان

يقدّم المخرج نك ليون وكاتبة السيناريو آشلي أونيل في فيلم “كارثة الأرض” رؤية تشكّل صدمة لما ستؤول إليه أحوال البشرية ساعة أن يحلّ العصر الديستوبي، وساعة أن يجتاح الأرض ومدنها العامرة خراب لا حدود له.

و”كارثة الأرض” هو امتداد لأفلام أخرى كثيرة كان موضوعها ما بعد الانهيار العظيم، كـ”أوبليفيون” و”الشرطي الروبوت” و”تشابي” و”المريخ” و”متسابق المتاهة” و”الفجر الأشد ظلاما” و”الثورة الافتراضية” وغيرها.

هنا سوف يكون العالم بأسره منذ المشهد الأول غارقا في الأحلام والأماني السعيدة احتفالا بقدوم العام الجديد، ولا نعلم أيّ عام هو، إذ تُرك ذلك للمشاهد، وفجأة يقع انفجار عظيم يرافقه ظهور جسم ضخم في السماء يقترب من الأرض لتقع هزّات وانفجارات في كل مكان، ولننتقل زمنيا بعد عام لنشاهد ما حلّ بأميركا برمّتها، وقد توزّع من بقي حيّا من سكانها وسكّان مدن العالم على مخيمات مهترئة في أسفل إحدى البنايات المحطّمة، حيث لا يجدون قوت يومهم.

الشخصية الرئيسية هنا، هي كولين (الممثل أندرو كاتيرس) الذي يظهر بعد عام من فقدان الوعي والكوابيس التي لا تنتهي، يفيق بالتدريج ويدرك أيضا أن الأرض صار لها بدل الشمس الواحدة شمسان، وبدل القمر الواحد خمسة أقمار، ذلك أنها كانت قد ابتُلعت بالكامل عن طريق ثقب كوني هائل قذفها خارج المدار وألقاها في وسط نظام كوكبي جديد.

الأرض في الفيلم صار لها بدل الشمس الواحدة شمسان، وبدل القمر الواحد خمسة أقمار، بعد أن ابتلعت بالكامل
على صعيد البناء المكاني الديستوبي كان هنالك زجّ كثيف لعناصر بصرية متنوعة، أكّدت مدى حجم الخراب والدمار الذي طال الأرض في لقطات بانورامية عامة، أضاف لها التقطيع المونتاجي جمالية مميزة.

وفيما الأرض تضربها بين الحين والآخر عواصف كهربائية هائلة تحرق كل ما تطاله والموت مستمر في كل مكان، حتى تبدو المدن الأميركية الكبرى بقايا أطلال وخراب يخرج منها الناجون القلائل باحثين عن خلاص قبل الموت، فيرافقون كولين وهم كل من زوي (الممثلة أليكسا منصور) وناديا (الممثلة تونيا كاي) وغاسبر (الممثل إيفان سلون)، وهذا الأخير هو الطرف المحرك للحكاية، وهو الذي سيعيد كولين إلى حقيقة ما جرى لكوكب الأرض.

كولين ابن العالم الكبير كان عليه أن يقلب الزمن، وأن يغوص فيه عميقا، ويذهب إلى مكان فريق العمل الذي كان قد توصل إلى نظام وجهاز يقلبان النظام الكوني ويتسببان في ما وقع من كارثة، كان عليه أن يعيش نوبات إغماء متلاحقة، هي ليست إلا غوصا في الماضي.

تتشابك خطوط السرد ما بين ماض وحاضر ومحورها كولين، ويعمّق من ذلك البناء السردي المميز التسارع في الأحداث والانتقالات المتلاحقة، فلا تكاد دقيقة أو بضع دقائق تمرّ إلا ويعقبها تحوّل في المسار الزمني.

هنا سوف يتم تحشيد حبكات ثانوية زادت من الإيقاع الفيلمي تسارعا، كما ساهمت في تمرير من عشرات اللقطات التي هي نوع من الخدع البصرية وعمليات الإيهام البصري التي حفل بها الفيلم.

ومع وسيلة التداعي للماضي (فلاش باك) سوف لن نتوصل إلى الكثير من المعلومات أكثر من تلك التي حصلنا عليها من بضعة مشاهد، وإلا ما الفائدة من تكرار العديد منها ما لم تسعف المشاهد بمعلومات إضافية، وتدفع بالدراما الفيلمية نحو التصعيد؟

لا شك أن فريقا متماسكا سواء على صعيد التمثيل أو العمليات الفنية ساهم في تقديم فيلم متماسك وناجح لدى الجمهور، لكنّه في نفس الوقت لم يخلُ من إسراف ومبالغة في مقاربة قضية الانتقال عبر الزمن، والتي تشبه إلى حد ما ذلك الانتقال المبهر في فيلمي “الحلقي” و”القضاء والقدر”، اللذين قدّما ببراعة إشكالية الانتقال عبر الأزمنة المختلفة على أساس النمو المتصاعد في الأحداث الذي يدفع إلى انتقالات متلاحقة لا تخلو من تشويق.

في المقابل، لم يقدم العبث بالعنصر الزمني في فيلم “كارثة الأرض” نتائج مقنعة، لتأتي النهاية السعيدة فجأة، مختصرة كل المشكلات التي حلت بالأرض في جهاز صغير يتم العثور عليه مخبأ في خزانة، وهو الكفيل لوحده بإرجاع الأرض إلى مدارها الطبيعي، بعد أن تحطم فيها كل شيء تقريبا.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى