المرأة كائن عصي على التدجين

رانيا بخاري
عند بيت قديم عند شط النيل في شارع من دون لافتة جلست في حضرة شاعر يشكل اناثه كما الصلصال، لكنه يبقى وفيا له وكيف لا وهي اطلسه المنسوخ حكاية في حلم غوى يجترح القصيد، فحينا يكتبه وحين يرسمه فهي امراة أغرب مما كان يظن.

إنه شاعرنا أسامة سليمان، له مجموعة شعرية بعنوان صحراء الورقة واجتراح الكتابة، وفي شارع من دون لافتة، يعمل بمؤسسة الجزيرة الصحفية.

سألته: كيف تبزر نطفة القصيدة؟

أجاب: لا حيث ولا آن، هي لحظة جامحة تراودك، وقد تمضي إن لم تتمكن من الإمساك بها، ولا يعني تنزلها المفاجئ أنها إلهام صرف كما يقولون، فهناك عمل مضنٍ ينتظر الشاعر بعد إمساكه بطرف الفكرة.

الحداثة الشعرية حاولت جعل القبح موضوعا للكتابة المدنية.

الحياة بتفاصيلها كافة موضوع للشعر، نحتاج أن نكتب حياتنا بكل ما فيها، ولا أظن أن على القصيدة البحث عن موضوعاتها، في الانتقاء خيانة.

الشعر طائر خرافي يلامس بجناحه سماء الجماليات، وبالآخر الحياة بكل ما فيها، والشعر الذي ينظر إلى الحياة من عل لن يتجاوز زخارفه.

على الرغم مما نقوله عن القمع والذي هو واقع تحاول الحكومات العربية فرضه إلا أن الشعر عصي على ذلك، تذكرني محاولاتهم بلعبة عبثية كنا نلعبها صغاراً عندما كنا نحاول دفن بقعة الضوء المتسللة من بين ظلال الأشجار.

وقد ظل الشعر يدور حول نار المرأة منذ نشوئه، لا يغادرها إلا ليعود إليها، المرأة قصيدة طويلة ظل الشعراء يكتبونها منذ التمتمات الأولى، وليس أدل على ذلك من أن أي شاعر لا بد أن بدأ بقصيدة عاطفية.

الأنثى المشتهاة تنهض بعد كل قصيدة، وتتشكل حلماً وتقول للشاعر: لم تكتبني بعد، لا يمكن لهذه الأنثى أن تتشكل في امرأة بعينها، وتظل حبيسة فيها.

أما الوطن فهو الذي أنكرت ذاكرتنا خارطته، الوجع الذي ملأنا حتى انثال على أطراف الأصابع فلم تعد قادرة على رسمه:

والآنَ أنْكَرْنَا

الخريطةَ

لم تَعُدْ تكفيِ

محاولةٌ

لنرسمها

أعجبني قولك عن “طيبة كالصلصال” عجز الذات الشاعرة عن سبر غور المراة، لأنها قراءة مختلفة. أقول: ربما، ولكن على مستوى آخر أكثر قرباً هي عن امرأة أو المرأة الطيبة والطيعة كالصلصال، وفي كل الأحوال المرأة كائن عصي على التدجين ولو جمالياً.

وعن تكرار مفردة الموت في شعر أسامة سليمان قال: قلت في نص لم أنشره:

يا أيّها الموتُ اختلفنا

إذ وقفنا

متعبين

أنا وانتَ على

هوامش هذه الصفحاتِ

لن تقوى على تلوينها بالنّعي

قد تعبتْ رماحُك من مطاعنةِ الحياةِ

ومن مطاردةِ

الأماني في أعالي الروحِ

وانكسَرَتْ خطاي

تعبتُ من ركضٍ حثيثٍ

في سفوحِ الحلمِ والأملِ الرحيبْ

لا أريد للموت أن يلون صفحاتي بحروفه القاتمة، لذا أقاومه بالركض في براري الأحلام الشاسعة.

لا أدري ما الشعر، ولكن الشعر من أمر ربي.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى