عبلة جابر: قصيدة النثر نخبوية تضيف للشعر آفاقا جديدة للحداثة

محمد الحمامصي
تملك الشاعرة والروائية الفلسطينية عبلة غسان جابر بمدينة الخليل – التي تنافس على لقب “أمير الشعراء” المسابقة والبرنامج الذي تنتجه لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية في أبوظبي للموسم السابع على التوالي – آفاقا شعرية تجمع بين أشكال القصيدة، فهي تكتب القصيدة الكلاسيكية وقصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، وتعرف قدر ومكانة وقيمة ما قدمته كل قصيدة وما تقدمه الآن من تجارب، وقد حصلت على العديد من الجوائز والألقاب من مصر والمغرب والامارات.

لقبها الناقد د. صلاح فضل بـ “عنترة الشعر الحداثي”، هذا فضلا عن كتابتها للرواية، ولها رواية منشورة بعنوان “اندثار”، وأكثر من رواية قيد النشر منها “سلام … بتويقت الحرب”، و”مقصلة الفراغ”.

قالت في نصها “مرايا الفراغ” حول أيقونة الصبر والجمال، المغنية الفلسطينية ريم بنّا في نضالها الممتد من البلد حتى الجسد:

حبلى أنا

حبلى بآهاتِ البلادِ

بزعترِ الأشواقِ ينبتُ في ضلوع الخائفاتِ خرائطاً

مدناً لأحلام الصغارِ لرعشةِ الناي الأخيرةِ

وانكسارات الوترْ

وبوجهِ مريمَ صوتِها: هل كان ذنباً أن تغشّاني القدرْ..؟!

وعبلة التي أهلها قرار لجنة تحكيم “أمير الشعراء” إلى الحلقة الثالثة، من مواليد الخليل، حصلت على بكالوريس صيدلة من جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، ودرجة الماجستير في التكنولوجيا الحيوية من جامعة بيت لحم، قالت “سكنني الايقاع منذ صغري وذلك لأن جدي لوالدتي كان شاعرا، وكانت طريقة إلقائه المميزة تخلب عقلي، لأجد نفسي متورطة بالايقاع لأبدأ والوالدة رحلت الأناشيدة المدرسية لنؤلفها ونغنيها معا.

وحين كنتُ في الصف الرابع الإبتدائي بدأت أعتمد على نفسي في الكتابة لأكتب أول قصيدةٍ وكانت تحاكي تمزق الأمة وضياعها. وكنتُ أطلع جدي على مشواري الأدبي وكان يقدم لي نصائحَ وتوجيهات. وكان مؤمنا بموهبتي حتى أنه كان يقول لي إنني يوما ما سأكون مثل فدوى طوقان، وربما أفضل!

بعد ذلك وجدتني أغامر بالتجريب في قصيدة التفعيلة والتي وجدت بها مساحات أوسع للتعبير والإبداع والانسيابية. وحتى هذه اللحظة أعتبر نفسي لازلت في بداية البداية، فالشعر مشوار طويل يبدأ ولا ينتهي ومن قال إنه وصل فقد مات وانتهى. كلنا لازلنا نتعلم في مختبر اللغة والتجربة الشعورية الوجدانية.

أجدني الآن قريبة من لغة المتصوفة وتجاربهم التي لازلت أحاول النهل منها والعبور من خلالها إليّ!

ولفتت عبلة إلى أنها تأثرت بجدها، وتأثرت بشعراء المهجر جميعهم وأكثر من تأثرت به إيليا أبو ماضي، بعدها وجدتني أتورط بحب بدر شاكر السياب هذا الحب الذي لا شفاء منه، ثم أمل دنقل ولن أنسى محمود درويش الذي لازلت أتدثر بجلبابه الواسع بين الحين والآخر، وقبلهم جميعا الحمداني في رومياته. أما الآن فأجدني أميل للتجارب الصوفية متمثلةً بالنفري والسهروردي والحلاج.

وأكدت أن الرؤية التي تنطلق منها قصيدتها هو “الانسان” وقالت “هو الرؤية الأهم الانتصار له ولأوجاعه الصغيرة والكبيرة منها. لأحلامه وخيباته. يهمني أن أوصل صوت الأنثى في قصيدتي؛ أوجاعها، أحلامها وخساراتها. أحاول التجديد وابتكار لغتي الخاصة لكنها لا تزال محض محاولات أنجح حينا وأفشل في أحيانٍ اخرى. فالشعر روح تجربة. وأؤمن جدا أن الشعر إلهام في لحظة نشوة وجودية ما تنساب الكلمات شعرا.

وقالت عبلة إن مسابقة وبرنامج “أمير الشعراء” يخدم الشعر والشعراء معا، ولو انه اكتفى بأسبوع المقابلات حيث يلتقي شعراء المعمورة من أقصى المحيط إلى الخليج لمدة سبعة أيام لوفى الشعر حقه لما يحدث في هذا الأسبوع من سهرات أدبية وتبادل معارف وتجارب وقصائد ورؤى نقدية بين الشعراء.

برنامج أمير الشعراء هو بمثابة طوق النجاة الذي يحمي الشعر وتحديدا القصيدة العمودية من الاندثار. هو البرنامج الذي ينتظره الشعراء لمدة عامين ومحبي الشعر وجمهوره”.

وأشارت علبة إلى أن “القصيدة الكلاسيكية لا تزال قادرة على مواكبة العصر لاسيما ما يعرف بالنيوكلاسيك القصيدة الحديثة والتي من أبرز مدارسها المدرسة العراقية. لا تزال قادرة على الإدهاش والإمتاع بقدر تمكن الشاعر من الشعر والثقافة والمعرفة”.

وأضافت أن التفاعلات القائمة بين أشكال القصيدة من عمودية وتفعيلية ونثرية هي تطورات طبيعية. فأنا كباحثة في مجال التكنولوجية الحيوية أؤمن بالتطور لأنه سنة الكون. والشعر مثله مثل أي شيء لا بد أن يتطور في اتجاهات عدة على صعيد الشكل الخارجي أو البنية الداخلية.

العمودي هو الأساس الإيقاعي الأول في البنية الموسيقية للشعر العربي، لكن الشعر ليس شكلا خارجيا فحسب فهو مزيج صور وأخيلة وبنى لغوية جديدة وروح شاعرة قبل كل شيء. كي لا تكون القصيدة متكلفة.

وقصيدة التفعيلة برأيي هي الأقدر لأنها تتيح للشاعر مساحات أوسع للرؤى والإبحار وبنفس الوقت تحافظ على الإيقاع الداخلي والخارجي للنص.

القصيدة النثرية هي قصيدة معرفية مكثفة يستمتع بها القارئ أكثر من المستمع لأنها ذات إيقاع داخلي خافت. هي نخبوية من جانب آخر. ولكنها تضيف للشعر الكثير من الصور والاخيلة وآفاق جديدة للحداثة وتداخل الاصوات وبرأيي لا يكتبها الا شاعر تجاوز المرحلتين العمودي والتفعيلة، واختزل إيقاعا داخليا في روحه مثل الراحل رياض صالح الحسين، والذي كان فاقدا للسمع ومع هذا كتب نصوص قصائد نثرية تتميز بإيقاعها الداخلي الساحر.

وأكدت عبلة أنها تنتمي لبلاد أنجبت محمود درويش والذي نعتبره أيقونة من الصعب تجاوزها. لدينا أصوات شبابية سيكون لها شأن في المستقبل القريب. ومن الجميل أن يكون وزير ثقافتنا شاعرا د. إيهاب بسيسو، فهذا يُحتم عليه دعم الشعراء وهذا ما يفعله من احتفاء بتجاربهم وأعمالهم والتقديم لها. فلسطين ولّادة كانت ولازالت.

ورأت نحن نعيش في أزمة حقيقية ليس على صعيد الأدب فحسب بل الحياة ومهمة الشعر الآن إعادة بناء الإنسان وروحه التي أتلفتها الحروب. مهمة صعبة اعادة ضخ دماء الإنسانية والمحبة في زمن شديد التوتر على جميع الاتجاهات فمنذ 2011 والعالم العربي “يأخذ درسا في التخريب”.

أما الآن فأقول عليه أن يأخذ درسا في المحبة ولن يكون إلا شعرا. لن ننسى أن الشعر له دور كبير في بنية الإنسان النفسية ولولا أهمية الشعراء لما أفرد الله سورة من سور القرآن بعنوان الشعراء.

وأشارت عبلة إلى أن هناك حركة نقدية خجول تحتاج الى مزيد من الدعم لتواكب التطور السريع في الشعرية العربية. واختتمت عبلة الحوار بشكر دولة الامارات لدعمها الحركة النقدية برصدها عددا من الجوائز في جائزة الشارقة للابداع العربي والتي أفرزت عن أسماء شبابية مهمة في حركة النقد. وكذلك من خلال جائزة الشيخ زايد للكتاب وغيرها الكثير.

كما لا ننسى دور أكاديمية الشعر في تطور الحركة النقدية وكذلك برنامج أمير الشعراء.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى