هوية المخرج والفن الخالص في أفلام متنوعة

مبارك حسني

لا مراء في أن انعقاد المهرجان الوطني للسينما المغربية بشكل منتظم مرة في كل عام، وتحديداً منذ بداية ثمانينات القرن الماضي، يعد مكسباً كبيراً ومهماً لهذه السينما، على رغم الكثير مما يقال من مؤاخذات ويكتب من نقد مرده في الغالب لاعتبارات ليست فنية ولا ثقافية، فوجود لقاء دوري دليل على وجود سينما فعلية، وبرهان على إنتاج مداوم للأفلام، وهو الأمر الذي يشكل علامة صحة فنية ورسوخ تقليد ثقافي يقل وجوده في العديد من الدول المشابهة في جنوب الكرة الأرضية. أما عربياً، فالمهرجان مجال لعرض أعمال تجد صداها ليس في البلد وحده، بل في محيط جغرافي له الكثير من المشترك الحضاري والتاريخي والمجتمعي والثقافي. هو إنتاج يدخل في أرشيف رمزي سيكون له أثره في ما بعد. ألم تشكل السينماتوغرافيا المصرية والأفلام السورية والتونسية على سبيل المثال معيناً اغترف منه عشاق السينما بالمغرب لزمن قبل أن يحققوا ذواتهم سينمائياً؟
قد يبدو أن كلامنا هذا يحمل محمل نغمة الأمل والتمني أكثر مما هو محمَّل بمرجع مادي ذي واقع فعلي. لكننا لا نرمي إلى ذلك، بما أن الإنتاج المغربي المتراكم سنة بعد أخرى يثير التساؤلات في كل مرة، وهي تساؤلات تمتاز بالتكرار الملحاح والإيجابي، كما تجاورها أخرى جديدة. وهذا ما نلاحظه من خلال ما بات مؤكداً من أن انعقاد الدورة الثامنة عشرة تأخر إلى الأسبوع الأول من شهر مارس (آذار) وتحديداً بين الثالث والحادي عشر منه.

مسألة انتقاء أفلام المسابقة
السؤال الجديد/ القديم الذي يعود دوماً، يتناول كيفية اختيار الأفلام الطويلة المقررة للتنافس على إحدى جوائز المهرجان. ضرورة الاختيار فرضت ذاتها بقوة الواقع الفيلمي، فلم يعد مقبولاً السماح لكل ما أُنتج خلال السنة أن يخضع للمساهمة في السباق حول الجوائز.
لقد لوحظ في الدورات السابقة أن العديد من الأعمال كانت دون المستوى الذي يجب توافره، حتى بالنسبة إلى الأفلام التي حصلت على الدعم المادي أو التسبيق على المداخيل، الشيء الذي يقلل من مستوى المهرجان كواجهة ثقافية كبيرة تتيح معاينة مدى ما وصله البلد في المجال الرمزي، ويثير الكثير من اللغط والاستنكار.
لقد تم تداول مسألة ضرورة الغربلة حتى يقدم الجيد فقط. لكن الكيفية لم يتم الاتفاق عليها. ويبدو أنها ستخضع للتجريب كما حصل من قبل لكيفية تقديم الدعم الذي تم تغيير بنود قانونه مراراً حتى استوى على الصيغة الحالية المسماة بالتسبيق على المداخيل.
وهكذا، تكونت لجنة اختيار متوافق عليها إجمالاً من طرف الهيئات المهنية العاملة في الميدان السينمائي والنقدي، كلّفها المركز السينمائي المغربي بانتقاء بين أثني عشر إلى خمسة عشر فيلماً مطولاً من إجمالي خمسة وعشرين شريطاً أنتجت خلال العام المنصرم. النتيجة النهائية تم الإعلان عنها إعلامياً، لكنها بدل أن تمر مرور الكرام، أثارت زوبعة كلامية كبيرة، أبرزها تناول عدم إقصاء الشريط الجميل «ميموزا» لمخرجه الإسباني أوليفار لاكس بدعوى جنسيته غير المغربية، علماً أن المخرج مقيم في طنجة منذ سنوات، وبتطبيق حرفي للقانون المنظم للمشاركة في المهرجان. لكن من جهة ثانية، الفيلم صوِّر بالمغرب وحكايته مغربية، وشخوص أدواره مغاربة، وحصل على الدعم، ومنتجته المغربية لم تتردد في كتابة رسائل غاضبة لكل من يهمه الأمر، فحدث انقسام كبير بين مؤيد للقرار ومستنكر له. نقاش جانبٌ منه قانوني وجانب آخر فني، بين المنتصر للفيلم المغربي إخراجاً وأحقيته دون غيره بالتنافس على الجوائز، والفيلم المغربي إنتاجاً وموضوعاً بغضّ النظر عن هوية مخرجه. والحق أن هناك سوابق في المجال حول الانتماء المغربي لفيلم ما. ألم ينل المغرب السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي سنة 1952 من خلال الفيلم التحفة «عطيل» للعبقري أورسون ويلز. لكن هذا مثال فردي واختيار شخصي للمخرج، تقديراً منه للمغرب ومدينة الصويرة حيث صور جزء من الشريط.

أسئلة الهوية والفن
في الأحوال كافة، من الواضح أن الأمر كشف عن نقاش صحي وجيد، بما أنه تناول أسئلة قوية تتعلق بالهوية والفن والاستفادة من الدعم والحضور الفرنكوفوني وبأحقية المخرج المغربي في سينماه بكل عناصرها والعلاقة ما بين الخضوع لمتطلبات الفن الخالص وبين الوفاء للمنتج الوطني وتحصينه من بعض صيادي المنح كما يسمون والمنافسة الشرسة. «ميموزا» فيلم جيد حاز جائزة النقاد في مهرجان كان الأخير، وقوته الفنية عقدت الطرح كثيراً وفي الوقت ذاته جعلته يتشعب ويضع تحت الأضواء الكثير مما كان خفياً.
مهما يكن من أمر، في النهاية عرفت الخريطة المهرجانية -من جهة المخرجين- التنوع المعهود ذاته بين الأسماء الجديدة والأسماء المعروفة. الدورة تظهر عودة الرواد، المخرج أحمد المعنوني بفيلم «يد فاطمة» وحميد بناني بـ «ليالي جهنم». وتبدي تردد مخرجين مكرسين فنياً هما حكيم بلعباس بفيلم «عرق الشتا» وهشام العسري من خلال شريط «ضربة في الرأس». بقية الأفلام يمكن نعت بعضها بأنها تظل في حكم تأكيد مشوار إخراجي جديد بعد بدايات متوسطة، وهي «البحث عن السلطة المفقودة» لمحمد عهد بنسودة، و «أودور» لأحمد بايدو، و «نوح لا يعرف السباحة» لرشيد الوالي.
وأخيراً توجد أفلام لمخرجين جدد وصلوا حديثاً إلى الساحة السينمائية المغربية، هي «حياة» لرؤوف الصباحي و «نور في الظلام» لخولة أسباب بنعمر، و «المليار» لمحمد راعد المفتاحي، و «الحاجات» لمحمد أشاور، و «بلدي هي بلدي» لعادل عزاب. وتجب إضافة فيلمين وثائقيين هما «سفر خديجة» لطارق الإدريسي و «معجزات القسم» للبنى اليونسي.
والظاهر في نهاية المطاف أن الدورة لن تسلم من القيل والقال، لكنها من دون شك ستكون نسخة أخرى من دورات سالفة مع بعض الجديد.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى