‘ستاتيكو’ عبثية الحياة والموت في قصيدة مسرحية

يستعرض العرض المسرحي السوري “ستاتيكو” الذي قدمت عروضه بمسرح القباني بالعاصمة السورية دمشق، قصة الشاب “حكم” الذي قرر الانتحار، لرفضه الذهنية التي يعيش بها الناس منذ الآلاف من السنين، وهم يتبادلون الكره والظلم وحتى القتل.

ينفرد حكم بنفسه في غرفته البائسة التي تتوسطها صورة للوحة “غارنيكا” للفنان الإسباني بابلو بيكاسو ومكتبة صغيرة، يجهز طقوسه بعناية شديدة، ويبدأ بتسجيل شريط صوتي يبين فيه سبب انتحاره الصاخب، ولكن القدر يتدخل فجأة، إذ تلجأ إلى بيته شابة تغير مجرى الأحداث، وتضعه في حالة مكاشفة مع نفسه، هل هو صادق في نيته الانتحار، أم أنه مجرد شخص يريد إثارة المزيد من الفوضى والأحداث حول نفسه؟

وقدمت مسرحية “ستاتيكو” التي كتبها شادي دويعر للجمهور السوري ملامح إنسانية شديدة التباين، في صراعات عميقة بين الرغبة في الحياة والرغبة في الموت، حين العجز عن صنع فعل ما، في طريق إيقاف حجم الجرائم الإنسانية الكبرى التي تحدث في زمننا.
ويقول جمال شقير مخرج المسرحية “إذا كان هناك سبب للموت، فهناك أسباب عديدة للحياة”، لينسج المخرج السوري من خلال هذه المقولة خيوط عرضه المسرحي الذي قدم فيه نموذجا مسرحيا بسيطا وعميقا، والذي تعامل فيه مع ثلاثة ممثلين فحسب، وهم الشاب حكم (كفاح الخوص) والشابة أمل (نوار يوسف) والجار (محمد حمادة)، مستعرضا شخوص مسرحيته بتواترات درامية متصاعدة، لتدخل المشاهد في مجموعة أفكار صاخبة عن الحياة والموت والصراع الأزلي بينهما.

والطريف في العرض أن مخرجه استخدم بطريقة مختلفة الحالة الموسيقية الصوتية، حيث قدم أغنية “كل ده كان ليه” للموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب، من خلال وجودها كعنصر استهلالي صوتي في فضاء المسرح قبل بدء العرض وبعده بدقائق، علاوة على استخدامه الجيد لمقطوعات من الجاز على آلة الدرامز، التي أتت حية ومباشرة بأداء من عازف الدرامز الفنان سيمون مريش، مما يجعل من المعزوفات شخصية محورية في العمل لا تقل أهميتها عما جسده الممثلون الثلاثة، ربما كي تعلن بداية الحكاية وذروتها ونهايتها.

وتحاول “ستاتيكو” الدخول إلى أزمة الإنسان المعاصر من خلال تشريح مأزقه الأخلاقي مع الوجود والعالم، وذلك عبر سخرية لاذعة اعتمدت أداء حارا مال في جوانب منه إلى المبالغة في تصوير الواقع بظاهر كوميدي ساخر وباطن مأساوي، جعل من قصة حكم مثالا عن خيبة أمل جماعية لا تلبث أن تتفشى في عمق النفس البشرية، تاركة ندوبها وطفحها على المجتمع بأكمله.

وجمال شقير الذي عرفته الساحة الفنية السورية ممثلا مسرحيا وتلفزيونيا، لينتقل في “ستاتيكو” إلى الإخراج المسرحي، يقول “كنت أراقب كأي مواطن سوري ما يجري في وطننا، وكيف يظهر مصير هؤلاء الأشخاص الذين يتعرضون للظلم، في نشرات الأخبار والعديد من البرامج، بشكل مباشر وفج، فأردت أن أستحضر نموذجا ما يحكي عن هؤلاء بطريقة غير مباشرة، وأسقط فيه أن ما يجري في سوريا الآن ليس إلا حروب دول كبرى، يدفع ثمنها البسطاء”.

يذكر أن لجمال شقير مشاركات فنية كثيرة في مجال التلفزيون خصوصا، فقد شارك في العديد من الأعمال المعاصرة والتاريخية، كان من أهمها “بانتظار الياسمين” الذي وصل إلى القائمة النهائية لجائزة “الإيمي وورد”، كما شارك في الفيلم السينمائي “الأب”.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى