لا يهم شكل القصيدة ما يهم إن كانت شعرا أو لا

محمد الحمامصي

بدأ الشاعر الموريتاني شيخنا عمر حيدار أحد الشعراء العشرين الذين يتنافسون على لقب “أمير الشعراء” المسابقة والبرنامج الذي تنتجه لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية في أبوظبي، مشواره الأدبي بكتابة الشعر العمودي في العام 2003، حيث كانت أولى محاولاته الشعرية في إحدى “المحاظر” الموريتانية وهي مؤسسات تعليمية مفتوحة تنشر المعارف العربية والإسلامية بمختلف فنونها في ربوع الصحراء الموريتانية.

وقد لقي التجاوب والتشجيع من الشعراء والنقاد الموريتانيين الذين رأوا فيه موهبة شعرية أصيلة تستحق الرعاية والاهتمام والتشجيع، ومنذ ذلك الوقت واصل شيخنا عمر كتابة القصيدة، فكتب قصيدة التفعيلة والقصيدة العمودية ليتمكن من أدواته الشعرية ويصدر خلال تلك الفترة ديوانين هما “تراتيل في مأتم الصمت” و”دموع الضحك”. الأمر الذي أهله لأن يجتاز كافة اختبارات وتحديات مسابقة أمير الشعراء ليكون أحد المنافسين على اللقب.
مهددة بالانقراض
يحكي شيخنا عمر عن تجربته مع الكتابة الشعرية فيقول “حظيت تجربتي منذ البداية وحتى الآن بإشادات من نقاد وشعراء موريتانيين وعرب كان لهم الفضل في الدفع بها من خلال التشجيع والعناية. وقد كتبت العشرات من القصائد التي تحدثت في معظمها عن الحب والمرأة”.

ويلفت شيخنا عمر إلى أنه حظي بعضوية اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين وشارك في عدة مهرجانات أدبية ومسابقات شعرية، ويقول “الآن أشارك في برنامج ‘أمير الشعراء‘ وهو مسابقة فكرتها رائدة انتشلت الشعر العربي من وحل النسيان. ومن خلال الأساتذة النقاد الذين يمثلون مدارس نقدية مختلفة أصبح هذا البرنامج محطة عبور لكل شاعر يريد الارتقاء بتجربته، من خلال بقعة الضوء التي يمنحها للشعر والشاعر”.

ويؤكد شيخنا عمر على أنه عمل على أن يكون شعره حاملا لرسالة الإنسان العربي وقضاياه وأن يكون ملامسا للواقع ومعبرا عن وجدانه بصورة حية يتجلى فيها كشاعر يعشق الجمال ويقدسه. ويكشف الشاعر أنه في تجربته ينطلق في عوالمه التخييلية متكئا على الجرح العربي الذي يفرض عليه نفسه كلما أراد أن يفكر بغيره، ويكتب بصدق عن مشاعر الإنسان الذي بداخله، والذي يتقمص كل تجليات البشر في صدق مع الذات.

ويشير شيخنا عمر إلى أن القصيدة الكلاسيكية مهددة بالانقراض إذا لم تنح منحى جديدا صوب الحداثة، ويخاف عليها من دلالها الذي أبقاها في تغنج أمام المعجبين بها. ويرى من جانب آخر أن الوضع الراهن للقصيدة العربية موغل في التناقض؛ ما بين من يغرقونها في فوضى الحداثة ليبعدوها عن الذائقة وبين من يرهنونها للمباشرة المخلة ليعيدوها ألف عام إلى الوراء. والشعر، في رأيه، يبقى شعرا بغض النظر عن شكله الفني.

الشعراء والنقاد

الشاعرة السورية مرام دريد النسر ولدت على ضفاف نهر الفرات في مدينة صغيرة تعرف باسم الثورة التابعة لمحافظة الرقة عام 1994، تنافس بدورها على لقب مسابقة وبرنامج “أمير الشعراء” في موسمه السابع، وقد كان لبيئتها الغنّاء أثر كبير في نفسها دفعها إلى السعي وراء الجمال، حيث كانت تمضي ساعات طويلة في قراءة الأدب العربي والعالمي، وكانت منحازة في البداية إلى الرواية ثم توجهت إلى القصة إلى أن أخذها الشعر بعيدا وطار بها إلى العالم الذي تشتهيه.

تكشف النسر، التي تتابع تخصصها في كلية الطب البشري، عن أبرز التجارب الشعرية التي تأثرت بها، مؤكدة “أحب قراءة الشعر الجاهلي وأعجب من جزالة الألفاظ ومتانة التراكيب، بعد ذلك انتقلت إلى العصر العباسي والأموي والحديث وتعلمت من كل عصر شيئا جديدا. ولعل أكثر من تأثرت به في العصر الحديث كان الشاعر فاروق جويدة إضافة إلى آخرين استطاعوا أن يوظفوا الكلمات خير توظيفا في خدمة الشعر وبناء القصيدة مثل نزار قباني وبدر شاكر السياب ونازك الملائكة والقائمة تطول”.

وتؤكد النسر أنه لا بد لكل شاعر من فكرة حتى يبني عليها نصه، “لكن كثيرا ما أشرع في الكتابة من دون أن أعلم على أي بر سأرسو وإلى أين ستمضي بي الأخيلة، لكن سرعان ما أعود إلى حالة الوعي وأحاول أن أفهم النص قبل أن أضعه في متناول الناس لأني حريصة على الدفاع عن كل حرف يصدر مني”.

ورأت أن مسابقة بحجم “أمير الشعراء” “تشكل نقلة نوعية لأي شاعر يبحث عن الوصول إلى أكبر عدد ممكن من محبي الشعر كيف لا وهي تضع تجربته أمام الناس جميعا ليتمعنوا ويحكموا عليه هو وزملاءه من باقي الأقطار، هي مسابقة لتسليط الضوء على الشاعر ليأخذ مكانه الذي يستحقه ولتثبت للعالم أجمع أننا كعرب لا نزال نحتفي بالشعر ونعده رمزا لحضارتنا ووجودنا”.
وأكدت النسر أن القصيدة الكلاسيكية لا تزال محافظة على ألقها وحضورها برغم ما تتعرض له من انتقادات وهجوم لاذع من جماعة الحداثة كما يحبوا أن يطلقوا على أنفسهم.. وقالت “لكن بمنظوري هذا الشكل هو الشكل الزاخر بأصالة الشعر لن يقوى أحد على إنكاره، ربما قد تتطور أساليب جديدة في الصياغة الشعرية وهي قابلة للمناقشة والقبول لا سيما وأننا منفتحون على كل جديد، أما أن نلغي فنا يمتد سنوات وسنوات في عمق التاريخ وسجل روائع ليس لأحد أن ينكرها فهذا ما لا يقبله عقل أبدا”.

وتشير إلى أن الشعر في الآونة الأخيرة شهد حركات كبيرة وحاسمة لا سيما مع انطلاق حركة التفعيلة والنثر، وقالت “برأيي هذا التنوع يكسب الشعر غنى ويزيد من جمهوره، هناك مثل يقول ‘لولا تعدد الأذواق لما نفدت البضائع’، كذلك هو الحال في الشعر فليس كل الناس منحازين إلى قصيدة العمود كما أن التفعيلة أثبتت قدرتها على مواكبة العمود والتفوق عليه في بعض الأماكن”.

وترى النسر أن الشعر العربي بل والأدب العربي على وجه العموم في أزمة، وتضيف “نحن نمر بأزمة قراءة، فالشعب لا يقرأ وقليلا ما تجد أناسا ملتفتين إلى مواكبة مسيرة الشعر والشعراء ربما هموم أوطاننا حملتنا أعباء كثيرة نسينا من قسوتها الالتفات إلى شؤون الحياة الأخرى وجمالياتها، لكن نحن الشعراء نحاول ما استطعنا أن نرسم وطننا المشتهى بحبرنا الذي يخالط دماءنا في كل قصيدة نريقها على الورق”.

وتلفت النسر إلى أن حركة النقد لا تواكب حركة الشعر، وتقول “للأسف تحول أغلب الناقدين إلى أناس مأجورين يثنون على فلان وفلان لاعتبارات لا تمت لعلم النقد بصلة، ربما كانت اعتبارات شخصية أو مادية، لكن الكثير من الشعراء الموهوبين لم ينالوا القسط الوافي من الدراسات النقدية وظلوا مغيبين عن عيون الناس لأن أحدا لم يلق لهم بالا ولم يعطهم الفرصة ليعبروا عن مكنوناتهم. على كل حال لا يزال الأمل معقودا على شعرائنا النجباء وناقدينا الموضوعيين للارتقاء بالأدب وإحيائه من جديد”.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى