فيلم «لديه بالفعل عيناك» للمخرج لوسيان جان بابتيست: فضح عنصرية المجتمع الفرنسي

حميد عقبي: بول (لوسيان جان بابتيست) وسالي (أيسا مايجا) من ذوي البشرة السوداء يمتلكان منزلاً ومحلا لبيع الورد، بعد زواجهما بسنوات لم يرزقا بأطفال، فيقدمان طلباً بتبني طفل دون تحديد الجنس أو اللون، وبعد إجراءات طويلة ومعقدة يتم تسليمهما طفلاً أشقر أزرق العينين.
وحسب الإجراءات تتابع المشرفة الاجتماعية العائلة الجديدة لمدة ستة أشهر، لحين إلحاق الطفل بالعائلة رسمياً. إلا أن المشرفة ترى خللاً في الأمر، فالطفل الأبيض لن يكون في يد أمينة مع هذه العائلة السوداء. من ناحية أخرى نجد والد ووالدة سالي/الجد والجدة لم يقتنعا بهذا الطفل، كما أن الآخرين يظنون دوماً أن سالي هي مُربية الطفل وليست أمه، حتى يصل الأمر إلى انتزاع الطفل منها بالقوة، بدعوى وجود خطورة على حياته، تحت سقف هذه العائلة التي لا ذنب لها سوى بشرتها السوداء وأصولها الأفريقية.

ملاك صغير يفضح قبح الواقع

في كل عام يتم تبني مئات الأطفال من قِبل عائلات فرنسية، وعادة ما يكون الأطفال سود البشرة، كما أن هناك جمعيات تنشط لجلب بعضهم من بلدان أفريقية فقيرة، فطفل أسود في حضن عائلة بيضاء قد يثير بعض النظرات، ولكن كثرة حالات التبني جعلت الأمر مقبولا إلى حدٍ كبير، وبخلاف كون ملف التبني من الملفات الشائكة، ولكن طفلا أبيض تتبناه عائلة سوداء يثير الاستغراب، وهناك من لا يقبل ويراه غير منطقي. هنا يتجه الفيلم مباشرة لقياس السلوكيات العنصرية في المجتمع الفرنسي. )بنجاما) هذا الرضيع الصغير الأبيض يتحول إلى ملاك زائر ليكشف قبح وعقم تفكير وروح بعض الناس، نرى معارضة الجدة في قبول حفيدها وكذلك الجد يرى تبني طفل أبيض يخالف المنطق، وهنا تذكره ابنته بقدومه إلى فرنسا وهو لا يملك أي شيء، فهل كانت مغامرته منطقية؟ كذلك تتحول المشرفة الاجتماعية إلى محقق وتبحث عن أي ثغرة وتشكك في قدرة بول وسالي ولا تثق بما يقولانه، لو أن الطفل ذو بشرة سوداء لما حدث كل هذا.

ومن خلال تفاصيل درامية كاشفة، نجد السلوكيات غير الحضارية والمزعجة، التي يعيشها المجتمع الفرنسي.. كمشهد حضور سالي إلى العيادة الصحية لتطعيم الصبي، فالطبيبة تسألها عن أم الطفل ولماذا لم تحضر، فترد بأنها هي الأم، هنا ترتبك الطبيبة وتبدو مستغربة ومفزوعة، كذلك في الحديقة العامة عندما تلتقي سالي بامرأة سوداء ويكون رد فعلها قاسيا عند علمها أن سالي أم الطفل الأبيض ــ عنصرية مضادة ــ ويحدث موقف كهذا في المقهى، فالناس تنظر إليها كمربية أو خادمة، تكاد سالي تصاب بالإحباط من واقعها، لكن الطفل يبدو أكثر فهماً ويحسُّ بوالديه، هــنا تنمو علاقة حب تفوق علاقة النسب والدم، وعندما تأخذ الدولة الطفل يمتنع عن الأكل وتتدهور حالته الصحية، هنا تستيقظ بعض الضمائر الحية لرد الطفل إلى حضن والديه.

القالب الكوميدي

من ناحيتها ترى الممثلة الفرنسية السنغالية «أيسا مايجا» التي قامت بدور الأم (سالي) أن رسالة الفيلم وصلت إلى الناس في هذا القالب الكوميدي، وهناك قضايا وأفكار كبيرة تم تمريرها بأسلوب بسيط وعميق، فالكوميديا لم تطمس أو تهمش الحالة الأساسية للفيلم. الكوميديا هي التي تجعل المُشاهد يتفاعل بعقله وإحساسه معاً. فما يحدث في الحقيقة من مشكلات يفوق المنطق والحِس العقلاني.

مواجهة الأفكار الخاطئة

وفي حديث للمخرج لوسيان جان بابتيست، الذي جسد شخصية (بول) في الفيلم شرح أنه يريد تشغيل الفكر والعقل في معادلات أفلامه، بزج عنصر أسود في محيط البيض، أو كما يحدث في هذا الفيلم حيث الطفل الأبيض في حضن أم سوداء. المثير للدهشة تفاخر البعض بلون بشرته والشعور لدى البعض بأنه مميز بشكله الخارجي، وهذا هو الغباء بعينه.
وأوضح أن أعماله تحمل قصصاً من الواقع وليس للتعبير عن فئة السود أو فئة اجتماعية محددة، فليست هناك صراعات طبقية أو عرقية، هناك وجهات نظر خاطئة، بحاجة لمناقشتها بهدوء دون تعصب أو انفعالات غاضبة، وهذا الفيلم يتجاوز قضية التبني ليقول الكثير عن مجتمعنا ونوعيات التفكير، وهنا السينما تفتح أبواب النقاش حول قضايا يراها البعض شائكــــــة ويتغافل عنها البعض، لتظل مهملة وغامضة والتطرق لهذه المواضيع يخرجها من نفق نقاشات السياسيين أو العنصريين.

ليس مجرد فيلم

كما كشف بابتيست أن الممثل صاحب البشرة السوداء يواجه صعوبات كثيرة بسبب قلة الأدوار المعروضة وضعفها أحياناً، فالخيال السينمائي الفرنسي مصاب بحالة من الخمول، فرغم وجود ما يقرب من ثلاثة ملايين أفريقي في فرنسا، ووجود شخص أسود أمر مألوف في أي مكان، مع ذلك يظل وجود ممثل أسود متواضعا في السينمائية الفرنسية.
الفن السينمائي له قدراته المدهشة وهو سلاح فعال ويعتبره المخرج حصانه القوي لخوض معارك ضد التوجهات العنصرية، وهو يتذكر قدومه إلى فرنسا ولديه اليوم أطفال ذوو بشرة مختلطة، وتنتج تجربته المهمة في هذا الفيلم جدلا حول الاختلافات في الشكل واللون والثقافة وطرق التفكير القاصرة، لتظل المرجعية الأساسية هي إنسانيتنا التي يجب ألا ننساها أو نفرط بها.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى