المغربية فاطمة الزهراء صدري تحاكي القضايا الاجتماعية تشكيليا

محمد البندوري

تشتغل الفنانة التشكيلية فاطمة الزهراء صدري وفق مقومات إنسانية تجسدها لاعتبارات نفسية وواقعية وجمالية تغذي بها المنجز التشكيلي في عمقه بصياغات شخوصية أحيانا وتعبيرية أحيانا أخرى، وتسخر لذلك مجالا لونيا متماشيا مع قدسية المواضيع التي تنبع من داخل الفنانة فاطمة الزهراء، التي تحاكي المعاناة والقضايا الاجتماعية، فتخضعها لعلائق تجاورية مع وحدة البناء والشكل والرؤية وإبراز المادة الحسية في شكل فني رائق ومعبر بشكل صريح. لأن سمة الوضوح بادية في أعمالها، وهي تخدمها تشكيليا وفق تصوراتها الفنية للواقع، وتطبقها بشكل قيمي وإنساني، وتضفي عليها نبرات إيقاعية تنسجم مع مختلف الكتل والألوان، لتصنع علاقات متوالفة بينها وبين الواقع، بل بينها وبين واقع الألم أحيانا كثيرة، فمختلف الأساليب التحاورية التي تتموقع بين هموم الواقع والمادة التشكيلية هي في معظمها أدوات تحولية تفصح عن الأشكال التعبيرية الداخلية بنوع من الهدوء أحيانا، كما هو في منجزاتها التي تخص الطبيعة الصامتة، أو في منجزاتها الشخوصية التي تعج بالحركة أحيانا أخرى، فالصمت لديها تعبير عن واقع أليم، والحركة تصب في الاتجاه نفسه، وهي رمزية ثنائية تكتنف أعمالها. وتلعب الاستعمالات اللونية دورا محوريا في تشكيل مجموعة من الشخوصات التوهجية التي تبعث الحركة وتوقظ المشاعر النائمة، كونها تعد بمثابة رسائل قوية للقارئ وفق مشاهد رمزية قوامها لغة بصرية مليئة بالمضامين ومشبعة بالحكم والدلالات.
إنه أسلوب مليء بالمؤثرات التعبيرية والتشكيلية تضعه فاطمة الزهراء على ملمس رؤيوي يستنجد القارئ ويحيله على واقع منسي، غالبا ما تستجليه وفق مقومات فنية، ثم تربطه بمادة حوارية جادة، وبأشكال وألوان ذات قيمة جمالية تزيد المادة الإبداعية قدرة تعبيرية وإنتاجية متواصلة، وتشكل فيها التقنيات الهائلة ربطا جوهريا لتحويل المشاهد الاجتماعية إلى رؤية بصرية حوارية قوية المعالم التعبيرية، تفصح عن أبعادها القيمية والفلسفية، وتتجلى بخصوصياتها الثقافية المتفاعلة مع مختلف المفردات التشكيلية المعاصرة.
إن عمق المادة التشكيلية لدى فاطمة ينبثق أساسا من المجال التعبيري لديها، وهي توظف نسيجها المعرفي والثقافي وفق انبعاثات اجتماعية وواقعية، تفصح عنها أشكال الشخوصات التعبيرية والمادة اللونية المستعملة، ولعل الحركة تُظهر بجلاء الروح القيمية التي تتوفر عليها المبدعة، والتي تسخرها في بعث القيم الجمالية والتعبيرية التي تدل على العمق الانساني في التشكيل وفي الفن عموما. إن المجال الشخوصي التعبيري المعاصر يمنح القارئ أو الناقد مشاهد بسيطة في الرؤية لكنها عميقة في المضمون وقوية في الانطباع، لذلك تسخر الفنانة التشكيلية فاطمة الزهراء صدري مجموعة من الكتل لتحريك الانطباع وتلفت النظر إلى الواقع بحس إنساني، ينفذ تأثيره إلى البصر بتأثيرات لونية وحركية تحمل في طيها مقصديات تتغيى التغيير إلى الأحسن. ولعل هذا المسلك التحولي في الفن، هو ما جعل أسلوب الفنانة التشكيلية الرائقة فاطمة الزهراء صدري يميل إلى التبسيط وتقديم الواقع بشكل فني مباشر، إنها تجربة رامت المضامين المشحونة بالتعابير الحوارية المستمدة من الواقع، بوضوح يعكس بشكل جلي الروح التواقة إلى التغيير، ويعكس نوعا من الثقافة التشكيلية الرصينة للمبدعة، ويبين أيضا رؤاها الفنية وإدراكاتها الحسية التي تحرك بها مشاعر القراء، وتسخر لها طرائق فنية وأسلوبا فنيا شفافا وساحرا، تقاربه بالمادة التشكيلية الصرفة، مما يجعل إبداعاتها مثقلة بالإيحاءات والإشارات والمغازي والدلالات القوية.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى