فاروق حسن: الحركة التشكيلية العراقية هي الأهم في الوطن العربي

محمد الحمامصي
شهدت مرحلة الستينيات أولى مراحل تجربة الفنان التشكيلي العراقي فاروق حسن التي تواصل العطاء حتى الآن، والتي بدأها مقلدا الطبيعة واستنساخ لوحات لمشاهير الفنانين العالميين، ولتعميق أدواته الفنية التحق بمعهد الفنون الجميلة في بغداد عام 1958 ليصبح تحت رعاية كبار أساتذة الفن العراقي وقتئذ الفنانون: فائق حسن، اسماعيل الشيخلي، عطا صبري، خالد الرحال، عبدالرحمن الكيلاني، نزيهة سليم، وفرج عبو.

وقد أثرى هذه التجربة كونه عمل عقب تخرجه مشرفا فنيا بإحدى مدارس البصرة، حيث حاول تغيير منهاج التعليم الفني وإرسائه على أسس تربوية وعملية حديثة، وخاصة للمدارس الابتدائية، وخلال هذه الفترة أقام مع مجموعة من الفنانين البصريين عدة معارض فنية في البصرة وبغداد والكويت، كان معظم الفنانين يميلون لأسلوب الرسم الواقع التعبيري.

توجه فاروق في هذه المرحلة من الستينيات لرسم القصص العربية الشعبية كألف ليلة وليلة، سيف بن ذي يزن، الزير سالم، كليلة ودمنة، وغيرها. ونفذ رسم مجموعة لوحات لقصائد مشاهير الشعراء العرب القدامى، لا يزال يحتفظ بها في أرشيفه.

يقول “اعتمدت على أسلوب الفن الإسلامي كملهم لي، وأفادني ذلك في التعرف على جمالية هذا الفن وما تميز به من بساطة وتلقائية وحساسية لونية فائقة. تم تنفيذ هذه المجموعات بألوان البوستر على الورق وبأحجام صغيرة. وكان للمواضيع الاجتماعية والشعبية جانب كبير في بدايات أعمالي الفنية، نفذتها بأسلوب التعبيرية التجريدية، وبالألوان الزيتية على القماش، وكان ذلك خلال فترة الستينيات”.

وفي مرحلة السبعينيات بدأ الفنان فاروق حسن في استخدام مواد وخامات مثل الخشب والمعدن والأسلاك وغيرها، للتعبير عن مواضيع واقعية وتراثية، بأسلوب الحفر والنحت والحرق، وتلوينها بألوان الزيت أو الآكرليك، ويضيف “كطموح للدراسة وزيادة المعرفة غادرت البصرة عام 1976 للالتحاق بأكاديمية الفنون الجميلة في روما بإيطاليا وأكملت دراستي في 1980”.

ويلفت فاروق حسن أن تناول مواضيع ذات صلة بالمجتمع والتراث أو الفكر الإنساني والوجودي، هو منهجه الفني وأدائه في تنفيذ أعماله الفنية وبخاصة الأحجام الكبيرة، حيث يقوم بتحضير دراسة مصغرة لها “اسكيتشات” لتكون الأساس الذي ينطلق منه. ويوضح “في تناولي لموضوع معين أقوم بإحاطته واستيعابه من جوانبه الفنية والفكرية والتعبيرية، ثم صياغته في قالب فني جمالي. ويغلب دائما الجانب الفني والتقني ليصبح الموضوع ثانويا، وأهم المواضيع التي تناولتها خلال ممارستي الفنية موضوع “القدر” عام 1980 وقد قدمته كأطروحة للتخرج من أكاديمية الفنون في روما، وحصلت على أعلى درجة، وقد كنت كمن يتنبأ منه بالحرب العراقية الإيرانية قبل حدوثها”.

ويشير “في أعوام الثمانينيات والتسعينيات كان موضوع “تراثيات شرقية أثيرا على نفسي لما له من صلة بالتراث العربي والإسلامي، كان الاهتمام فيه منصبا على جماليات الأشكال النسائية والألوان، مع الأخذ بالأسلوب التعبيري التجريدي.

وتناولت بعد عام 2003 موضوع يخص التراث العراقي القديم وهو الأساطير السومرية والبابلية وكان بعنوان “أساطير عراقية”، ثم موضوع “طفولة لم تكتمل” للتعبير عن المآسي والأحداث الدامية التي جرت للعراق بعد عام 2003 وبعد عام 2014 ودخول الإرهاب لشمال الوطن وما قام به من سبي وقتل واغتصاب للنساء العراقيات، عبرت عن تلك المأساة بتنفيذ 30 لوحة بأحجام كبيرة، وبعنوان “نساء في أقفاص من زجاج” وأنا الآن بصدد إكمال مجموعة لوحات تحت عنوان “نساء ومرايا”.

إن المواضيع التي تخص المرأة والتي لها أثر ومسار كبير في أعمالي الفنية، امتدت من نهاية الثمانينيات من القرن الماضي حتى الوقت الحاضر وهي تمثل رمزا للخصب والحب والجمال وأصلا للوجود”.

ويعترف فاروق حسن بأن للكمبيوتر تأثيرا كبيرا في أعماله الفنية الحديثة وخاصة عند التحضير لها كاسكيتشات لونا وتقنية، لكن تبقى خبرتي وتجربتي هي الأساس في إنتاجي الفني.

ويضيف “تتنوع ذائقتي وأدائي الفني تبعا لاختياري للموضوع الذي له تميزه وخصوصيته في تكوين اللوحة وأبعادها التقنية واللونية، مع احتفاظي بأسلوبي في الأداء الفني بأن يكون للون أولويته، إضافة إلى استخدام المواد والخامات المختلفة لإغناء سطح اللوحة بملمس التضاد الناعم والخشن وجعلها أكثر ديناميكية وتعبيرية”.

ويؤكد فاروق حسن أنه من المعروف أن أغلب الفنانين الكبار تأثروا أو قلدوا غيرهم من الفنانين وفي جميع العصور، ومن ثم من البديهي أني تأثرت بأساتذتي في سني دراستي الأولى وأخص بالذكر الفنان الكبير فائق حسن الذي أفادني كثيرا في الإحساس اللوني وتقنيته، وكنت أميل للأسلوب التكعيبي التجريدي، بعد ذلك حاولت تجريب واستخدام الخامات المختلفة في تنفيذ أعمالي ـ كان ذلك في فترة السبعينيات ـ وهو أسلوب سبقني إليه الفنان العراقي الكبير محمد مهر الدين متأثرا بالفنان الأسباني “تابيز”.

كما كان هذا الأسلوب سائدا في الفترة بعد الحرب العالمية عن الحركة الدادائية في أوروبا، والتي كانت تعبر عن احتجاجها على الحرب، والحضارة الحديثة التي دمرت دمرت الفن والإنسان.

وحول أسلوبه في الوقت الحاضر يقول “يميل إلى المدرسة التعبيرية التجريدية، التي هي سائدة في الآن. واعتبر المرأة محور الوجود فهي أصلا رمزا للخصب والحب والجمال، كما أنها أضحت رمزا للاضطهاد والتعسف”.

ويرى فاروق حسن أن الحركة التشكيلية العراقية تعتبر من أهم الحركات الفنية في الوطن العربي، لما لها من تاريخ وأصالة في ما ضمت من نخب فنية ممتازة وصلت إلى العالمية، وما حوته من إبداعات وأعمال تضاهي أعمال كبار الفنانين في العالم. كما كان لهذه الحركة تأثير كبير على معظم حركات الفن التشكيلي في الوطن العربي وخصوصا الأقطار المجاورة للعراق.

وزخرت الحركة بأسماء بارزة في مجالات التشكيل كافة، أمثال الفنان الراحل جواد سليم صاحب النصب المشهور والذي أصبح رمزا لبغداد، والفنان الراحل فائق حسن وحافظ الدروبي وإسماعيل الشيخلي وغيرهم من الرواد، كما أبدع الفنان محمد مهر الدين في حركة التشكيل الحديثة. وظهرت جماعات فنية كثيرة في فترة الستينيات والسبعينيات ملأت الساحة الفنية بالنشاط والحيوية والتنافس الحر.

أما الآن فتعيش هذه الحركة “شبه خريف” بسبب ما جرى من أعمال نهب وسلب للمتحف الوطني في عام 2003 وموت وغياب الكثير من الفنانين البارزين إضافة إلى مغادرة الكثيرين منهم أرض الوطن والعيش بالغربة. وقد يعيد الأمل ظهور بعض الفنانين الشباب وحماسهم لإعادة هذه الحركة لأول عهدها، وخاصة بتشجيع ورعاية مؤسسات فنية كجمعية التشكيليين العراقيين، وبعض مؤسسات المجتمع المدني وإدارات قاعات العرض الخاصة.

ويلفت إلى أن المشكلات التي تعاني منها الحركة التشكيلية العراقية كثيرة ومعقدة، ويقول “منها ما يخص الفنان وفهمه وإدراكه في اعتماده على رعاية الدولة ـ وهذا ما دأبت الجماعات وبعض الفنانين عليه منذ فترة الستينيات حتى عام 2003 فقد كان بعض الفنانين يعتمد على المؤسسة الإدارية الفنية للدولة، في الحصول على بعض المكاسب والامتيازات، مبعدا غيره من الحصول على هذه المكاسب. كان ذلك لأسباب كثيرة منها شخصية أو انتماء حزبي أو عقائدي. وبعد 2003 رفعت الدولة يدها عن هذا الدعم فوجد الكثير من هؤلاء الفنانين ضياعهم. لكن بظهور قاعات العرض ـ بإدارات خاصة ـ سنحت الفرصة لكثير من الفنانين الجيدين ـ والذين لم تكن لديهم فرصة الانتشار والظهور ـ من عرض أعمالهم وانتشارهم. وأعتقد أن الفن يزدهر باستقرار البلدان أمنيا واقتصاديا، وبرعاية مؤسسات المجتمع المدني دون النظر لعقيدة الفنان أو فكره أو مذهبه، ودون تدخل الدولة في الشئون الفنية والثقافية، فعلاقة الفن والفنان أكثر صدقا وارتباطا بالمجتمع”.

وبالنهاية يؤكد فاروق حسن أنه في حركة دائمة لا أقف عند موضوع معين، أتمرد دوما على نفسي، وأرفض أن أكون أسيرا للأسلوب الذي يجعلني مقيدا لنمط واحد. لا أقبل أن أرى لوحة رسمتها في الستينيات من القرن الماضي تشبه لوحتي عام 2017. وأحاول أن أكون عالميا بأداء عراقي وعربي.

يذكر أن فاروق حسن فاروق حسن من مواليد البصرة 1939 أقام أكثر من 20 معرضا شخصيا وساهم في معظم المعارض الفنية العراقية والعربية، وقد اقتنيت العديد من أعماله في المتحف الوطني العراقي ومن مجاميع فنية خاصة وعالمية، كما أن له أعمالا كثيرا في تصميم الأزياء والديكورات المسرحية.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى