«البائع» للإيراني أصغر فرهادي: المخرج المغضوب عليه من النظامين الإيراني والأمريكي

عبد الواحد مفتاح: كما كان متوقعاً فاز الفيلم الإيراني «البائع» لمخرجه» أصغر فرهادي بأوسكار أفضل فيلم أجنبي، فبعد النجاح الذي حققه، سواء على مستوى شباك التذاكر، أو تقييم النقاد، أو حتى إعلاميا، من خلال الضجة الكبيرة التي أحدثها الفيلم داخل إيران، رغم تحايل فرهادي ووصوله إلى صيغة توافقية لا تتصادم كثيراً ومقص رقابة الفقيه هناك.

موقف فرهادي ورفاقه

أما الحدث الرئيسي، الذي عرفه حفل الأوسكار الأخير، الذي أقيم على مسرح «دولبي» في هوليوود، من طرف أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة (AMPAS) فهو مقاطعة مخرج الفيلم وعدد من طاقم الإنتاج الحفل، على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمنع مواطني بعض الدول من دخول الولايات المتحدة، حيث اكتفى بإرسال بيان أوضح فيه أنه لم يحضر تضامنا مع الأشخاص الذين لم يحترمهم قرار ترامب، الذي وقف القضاء الأمريكي حائلاً دون تنفيذه. وجاء في البيان الذي تلته نِيابة عن فرهادي المهندسة الأمريكية الإيرانية الأصل، ورائدة الفضاء (أنوشه أنصاري) .. «تقسيم العالم إلى الولايات المتحدة وأعداء الولايات المتحدة، يوّلد الخوف، وهو تبرير خادع للحرب والعدوان». ليضيف البيان أن «هذه الحروب تحول دون قيام الديمقراطية وحقوق الإنسان في دول كانت ضحية عدوان. يمكن لصناع الأفلام أن يحولوا كاميراتهم لتصوير مزايا إنسانية مشتركة، وكسر الأفكار النمطية حول جنسيات وديانات مختلفة، وهم يقيمون التعاطف بيننا وبين الآخرين، وهو تعاطف نحتاجه اليوم أكثر من أي وقت مضى.

لندن تحتفل ببائع فرهادي

وقد كانت صحيفة «الغارديان» البريطانية قد أعلنت أن مجموعة من السينمائيين البريطانيين سيقومون بعرض فيلم «البائع» في الساحة المقابلة لمبنى السفارة الأمريكية، وسط العاصمة لندن، احتجاجاً على قرار ترامب منع مواطني7 دول من بينها إيران دخول الولايات المتحدة. وتم عرض الفيلم بالفعل في ساحة «ترفلغار» بعد ساعات على افتتاح حفل الأوسكار في لوس أنجليس، وقال رئيس بلدية العاصمة البريطانية صديق خان في بيانه: «أنا سعيد باستقبال الناس من كل العاصمة ومن خارجها لمشاركتنا هذا الاحتفال في لندن، التي تشكل مركزاً دولياً للإبداع ومنارة للتعددية». ورغم عدم تمكن فرهادي من حضور هذا العرض، إلا أنه شكر رئيس بلدية لندن وأوساط السينما على هذه المبادرة. هذا الحفل الذي أتى استجابة لطلب نحو50 شخصية سينمائية من العالم، بعرض الفيلم احتجاجاً على قرار ترامب، ما جعل منه تظاهرة عالمية بحق. من ناحية أخرى أعرب وزير الخارجية الإيراني (محمد جواد ظريف)، عن اعتزازه بفوز الفيلم بجائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي، وكتب ظريف في تغريدة له عقب إعلان الجائزة .. «أنا فخور بالأوسكار وبموقف ممثلي وفريق فيلم البائع من منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة … فالإيرانيون يمثلون الثقافة والحضارة منذ ألفي عام».

الموقف الإيراني

وعلى الجانب الآخر نجد الصحافة الإيرانية وقد أثارت زوبعة من الانتقادات للمخرج، لاعتماده منحة من مؤسسة الدوحة لإنتاج الأفلام، كمساهمة في إنتاج الفيلم. كما اعتبر المحللون السياسيون داخل إيران أنها منحة مسيئة، لأن الفيلم يقدم ضمناً انتقادات للنظام الإيراني، فضلا عن كون كل مخرج إيراني ما إن يلمع اسمه في مهرجان حتى يبدأ في استقطابه من لوبيات من أجل توجيهه هجوما شديد اللهجة على بلاده، ما جعل نظام الرقابة في إيران يتشدد ويضيق الخناق أكثر وأكثر على الحركة الإبداعية، إلا أن المثير أن الفيلم رشح من لجنة رسمية داخل إيران لتمثيل البلاد، وهنا يبرز مستوى الحكمة التي تعامل بها المخرج، فمن خلال الحكاية التي قدمها يظــهر أنه يتناول موضوعا سطحيا وجانبــــــيا، إلا أنه عميق في طرحه ويتميز بالاختزال والكثافة، على حد توصيف مجموعة من النقاد، ما جعله يخلق ضجة إعلامية غير مسبوقة وعلى أكثر من مستوى.

البائع

ويحكي فيلم البائع، قصة حياة زوج وزوجة يعملان بالتمثيل، ويشتركان معاً في عرض لمسرحية «وفاة بائع متجول» لـ (أرثر ميلر)، إلا أن العمل والنص المسرحي سيعمق الخلافات بينهما، ما جعل علاقتهما تنهار تحت ضغط الظروف الاجتماعية القاسية داخل إيران، فالزوج سيعمل على الانتقام من شخص تعدى مصادفة على زوجته، بعد انتقالهما لشقة جديدة كانت تسكنها قبلهما امرأة سيئة السمعة، ما يدخلهما في دوامة من الأحداث الدرامية تتصاعد وتتأزم حتى النهاية. يقول فرهادي في حديثه عن الفيلم .. «إن أكبر وأقدم علاقة في تاريخ البشرية هي العلاقة بين زوجين، علاقة الحب بين رجل وامرأة، ولكن رغم كونها علاقة قديمة وكلاسيكية، ما زلنا نشعر بأن الكثير فيها لم يكتشف بعد، لأنه بمجرد اجتماع رجل وامرأة تظهر كل المشكلات والصعاب، وكأن أحداً لم يتعلم الدرس مما حدث في السابق».
عُرض فيلم «البائع» في أكثر من40 دولة حول العالم، وفي300 صالة في فرنسا، كذلك في أكثر من41 صالة عرض في إيران، وبلغت عائداته من شباك التذاكر 1.5 مليون دولار في أقل من أسبوعين، وهي أعلى عائدات في تاريخ السينما الإيرانية، وقد جمع أيضا إيرادات ضخمة من دور العرض، في مختلف أنحاء العالم، حيت حاز في فرنسا وحدها ما يقارب المليوني يورو، و23 مليونا في البرتغال، ونصف المليون في أسبوعه الأول في الولايات المتحدة. وكان قبل هذا قد حصل على جائزتين في الدورة69 من مهرجان «كان» فئة أفضل سيناريو، وأفضل ممثل، وكان المخرج أصغر فرهادي قد فاز بجائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين عن فيلم «انفصال»، الذي حاز الأوسكار بدوره في العام نفسه.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى