الوثائقي «هل يصنع القتلة الدواء؟» لمخرجته إيمان بن حسين: أطفال تونس فئران تجارب للمختبرات الإسرائيلية والأمريكية

عبد الله الحيمر

«انطلاقا من بضع مئات دولارات استطعنا شراء أطفال من الجنوب التونسي». (تصريح للعقيد في الجيش الأمريكي آلان ماغيل في 6 مارس/آذار 2005). رصدت المخرجة التونسية إيمان بن حسين عبر فيلمها «هل يصنع القتلة الدواء» القناع غير الحضاري وغير الإنساني والمتوحش الذي تعرض له أهالي (سيدي بو زيد) ــ إحدى قرى الجنوب التونسي ــ من طرف وزارة الدفاع الأمريكية بالتعاون مع مختبر أدوية إسرائيلي وبين معهد باستور في تونس، الذي يعمل تحت إشراف وزارة الصحة التونسية. قامت بن حسين بتعرية هذا الثالوث وجريمته، وانتصرت لقيم المواطنة الحقيقية بإيمانها بقضية هؤلاء الأطفال التونسيين. حول حكاية هذا الوثائقي المهم كان معها هذا الحوار..
■ «هل يصنع القتلة الدواء» هل هو إجابة عن سؤال استقصائي وثائقي، أم كشف عن مؤامرة يتعرض لها بلد عربي من طرف مافيا الدواء الأمريكية والإسرائيلية؟
□ منطقيا إذا تقابلت إسرائيل وأمريكا في عملية ما، من المستحيل أن يكون الأمر مصلحتنا، إذن لا يمكننا الحديث هنا إلا عن مؤامرة للأسف، الطرف الثالث فيها بلد عربي تآمر ضد شعبه. فعلا كانت الانطلاقة من خلال تصريح آلان ماغيل العقيد في البنتاغون لمجلة «ستارز أند ستاريبز» كان غاية في الاستفزاز، ما دفعني وفريق عملي للغوص والتعمق في تفاصيل الحكاية التي أثمرت فيلم «هل يصنع القتلة الدواء». هي فعلا حقيقة صادمة لكن هذا هو الواقع من دون تجميل أو تزييف، الفيلم يحتوي على وثائق واجهنا بها الأطراف المتورطة، هذه الوثائق أذهلتهم، فلم يصمدوا فاعترفوا بخرق القانون والقيام بتجارب لصالح الجيش الأمريكي بصنع إسرائيلي، على أطفال قصّر في منطقة مهمشة في تونس. هذه الحقيقة المؤلمة للأسف لم يتقبلها أعداء الحقيقة، وحاولوا توجيهها بكل قواهم وما يحملون من حقد، ولكن هيهات فالشعب التونسي أذكى من أن يخدعه كذب ونفاق هؤلاء الخونة.
■ كيف وظفتِ في فيلمك الوثائق المكتوبة والشهادات الحية للضحايا ورجال القانون والحقوقيين لفضح مافيا الدواء الإسرائيلية والأمريكية؟
□ هو ليس عملا فرديا، كنا فريقا كاملا اجتهدنا وكرسنا جميع جهودنا ووقتنا للوصول إلى الحقيقة ورفع الغطاء عن هذه المؤامرة. ساعدنا في ذلك فريق من المحامين الذين كنا نستشيرهم في الجانب القانوني، والفضل لفريق عملي، فبدونهم ما كنت توصلت لإخراج هذا الفيلم لكشف حقيقة هؤلاء الخونة، واستغلالهم لأطفال ذنبهم الوحيد الفقر والحاجة، ما جعلهم ضحية مؤامرتهم البشعة.
■ ما هي القرائن التي يقدمها الفيلم عن تورط البنتاغون ومعهد باستور ومختبر الأدوية الإسرائيلي حول مؤامرة استغلال مواطني الجنوب التونسي؟
□ الاعتراف خير دليل، وهل هناك حقيقة أكبر من اعترافاتهم. هم اعترفوا في الفيلم أنهم بالفعل ارتكبوا الأخطاء، وحتى مَن تبرأ وأنكر في البداية، جئنا بالوثائق والصور التي تثبت عكس كلامهم، الحقيقة كانت واضحة وضوح الشمس في الفيلم، ومَن لم يشاهدها أو عمد ألا يشاهدها فهو أعمى البصيرة والضمير. وكان حرصي شديدا بألا أترك أي ثغرة لذلك. وبعد إنجاز الفيلم حاولوا منعه من العرض، وإغرائي وتهديدي وفشلوا بالطبع، فلم يبق لديهم سوى حل وحيد وهو شن حملة إعلامية ممنهجة، فسيطروا على أغلب البرامج لتزييف الحقائق ومغالطة الناس. لم يتحدث أي منهم عن محتوى الفيلم، بل جاء تركيزهم على تفاهات من قبيل لماذا قناة «الجزيرة» هي التي قامت بإنتاج هذا الفيلم، أو لماذا هذا اليوم بالذات قرروا عرضه، في حين أنهم يعلمون جيداً أنه في العرف الإعلامي أن عرض فيلم يجب أن يرتبط بحدث ما.
■ كيف تردين على معهد باستور الحكومي بأنك تنفذين أجندة خفية لتشويه سمعة المعهد بفيلم استقصائي تحريضي؟
□ هم ﻻ يحتاجون إلى ردي، لأنهم في داخلهم على أشد الاقتناع بأنهم متورطون إلى حد النخاع، ويدركون جيداً أنني على صواب ولكن ليست لديهم الجرأة لمواجهة الحقائق التي جاءت في الفيلم، إضافة إلى أن حججهم ضعيفة إن لم تكن معدومة، فالأكيد أنهم سيتجهون إلى هذا الكلام وهو أنني أنفذ أجندة خفية لتشويه سمعة المعهد الذي هو ملك للشعب التونسي وليس ملكهم، وإن كان كلامهم صحيحا لماذا لم يشتكوني إلى القضاء ويدخلوني السجن لأن ما يرددونه تهمة يعاقب عليها القانون؟َ لكنهم أذكى بكثير من أن يفتحوا أبواب جهنم على أنفسهم، واكتفوا بتقديم المغالطات وتزوير الحقائق في بعض وسائل الإعلام التي ساعدتهم في ذلك ثم أغلق الموضوع. ولعلمك القضاء في تونس كان منصفا في هذه الجريمة، فالمحكمة الابتدائية في تونس أصدرت قرارها العاجل في مناسبتين 2011 و2012 بإيقاف هذه التجارب، ولكنهم تجاهلوا القرار وواصلوا تجاربهم التي بدأت في عام 2002 وانتهت في 2014. الشيء نفسه بالنسبة لدائرة المحاسبات، التي ذكرت في تقريرها السنوي كل هذه التجاوزات التي قام بها معهد باستور في هذه التجربة، وأشارت إلى شبهة فساد مالي. ولعاقل أن يسأل إذا كنت أنا أنفذ أجندات خفية، ما مصلحة المحكمة الابتدائية ودائرة المحاسبات في تشويه سمعة معهد باستور، الذي أعود وأقول إنه منارة علمية نفتخر بها في تونس، وهؤلاء لا يمتون إليه بصلة ولا يمثلونه.
■ هل تعتبرين خطابك في الفيلم يشير إلى جريمة ضد الإنسانية أم جريمة دولة في الأساس؟
□ هذا التصنيف اتفق عليه جميع المحامين الموجودين في الفيلم، سواء من تونس أو من بلدان أجنبية، تاريخ أمريكا لا يخلو من الجرائم ضد الإنسانية من هيروشيما إلى غواتيمالا وفيتنام وصولا إلى تاسكيجي في ألباما، الشيء نفسه بالنسبة لإسرائيل وهي أشهر من نار على علم في ذلك، وأكبر دليل على ذلك أنهما لا يصادقان على المعاهدات والمواثيق التي تجرم الجرائم ضد الإنسانية، مثل معاهدة روما.
ﻻ يمكنني الحديث في الشأن القانوني تاركة ذلك لأهل الاختصاص، لكنني كمواطنة تحب وطنها وتخاف على شعبها يمكنني الجزم بأن كل مؤسسة حكومية لا تحترم سيادة بلادها وتخرق قوانينها وتستغل شعبها الذي من المفترض عليها حمايته والمحافظة على سلامته، فهي بدون أدنى شك تستحق أقسى العقاب حتى تكون عبرة لغيرها.
■ كيف ستواجهين تبعات العرض الأول للفيلم في تونس، في ظل لغة التهديد والملاحقة القانونية للمؤسسات المتورطة في القضية؟
□ لم نحدد عرضه في تونس في الوقت الحالي، الفيلم موجود على اليوتيوب لكل من يرغب في مشاهدته. أنا كمخرجة ضميري مستريح، سلطت الضوء على موضوع رفضت قنوات تونسية الخوض في إنتاجه، وهذه إجابة لمن سأل لماذا «الجزيرة» هي القناة الوحيدة التي دعمت وأنتجت هذا الموضوع. لا أدعي البطولة لكني واجهت بالحقائق والأدلة هيئات تهابها دول، وللتاريخ أن يذكر البقية فالظلم والشر يمكن أن يربحا معركة، لكنهما أبداً لن ينتصرا في حرب. ومهما طال الزمان أو قصر فالحقيقة ستظهر يوما ما. صحيح أن ما جاء في الفيلم صادم جداً، لكن للأسف هذه حقيقتنا التي يرفض تقبلها الجميع. نحن كشعب عربي يمكن أن نقوم بأي شيء في سبيل إرضاء أمريكا وإسرائيل علينا، وما كشفه الفيلم قطرة من بحر، وما خفي كان أعظم.
■ كيف ترين دور الفيلم الوثائقي الاستقصائي في عالمنا العربي؟
□ للأسف العالم العربي مازال بعيداً جداً عن الأفلام الاستقصائية، لو كان فيلمي «هل يصنع القتلة الدواء؟» قُدّم في أي بلد أجنبي لقامت الدنيا ولم تقعد، ولكن هنا في تونس لا ردود أفعال، باستثناء جلسة الاستماع التي عقدها البرلمان لمدير معهد باستور، والتي ﻻ أعرف حتى ما جاء فيها.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى