صدرت له مؤخراً مجموعة «ناس شارع المطاعم»: اليمني وجدي الأهدل: في القصة القصيرة لا مجال لذر الرماد في العيون

أحمد الأغبري

بعد 16 سنة منذ صدور مجموعته القصصية الرابعة «حرب لم يعلم بها أحد»، صدر حديثاً للروائي اليمني وجدي الأهدل (1973) كتاب قصصي بعنوان» ناس شاعر المطاعم»، عن مؤسسة أروقة للنشر في القاهرة مُتضمناً في (120) صفحة من القطع المتوسط (12) قصة جاءت جميع شخصياتها من شارع المطاعم في صنعاء.
يُعدّ هذا الكِتاب أول إصدار أدبي يتحدث عن شارع المطاعم؛ وهو الشارع الذي بات منذ سنوات مقصداً يومياً لكثير من الناس من شرائح مختلفة، وفي مقدمتهم الكُتّاب. وكانت «القدس العربي» أول صحيفة كشفت ما آل إليه هذا الشارع من حالة ثقافية خاصة، من خلال تحقيق نشرته في كانون الأول/ ديسمبر 2016.

تخييب التوقعات

لا يتوقف الأهدل عن التجريب والبحث عن إمكانات ووسائل جديدة تفتح للكتابة مناطق جديدة يتجدد معها حضوره؛ ولهذا نجده كَتبَ ويكتبْ في القصة والرواية والمسرح وغيرها من أشكال السرود، وحتى في داخل النص السردي نفسه نجده يُكرّس التجديد والتنوع؛ حتى أنه يأتي مُختلفاً ومُفاجئاً في كل إصدار. لقد فاجأ (وجدي) بهذا الكتاب الصادر مؤخراً، الكثيرين الذي يتوقعون منه كروائي أن ينشر رواية، لاسيما وقد مضى على صدور روايته الأخيرة خمس سنوات، وفي ظل ما بات للرواية من أهمية ونجاح مضمون، يوضح: «ربما أن تخييب هذه التوقعات هو ما كنتُ أبحثُ عنه، وهي مناسبة للقول إن الفن يمكن أن يوجد في القصة القصيرة كما في الرواية، وإن القصة القصيرة المُحكمة الصنع لها متعتها الخاصة التي لا تُضاهى». وحتى عندما يُقارن الأهدل بين كتابة القصة القصيرة وكتابة الرواية فإنه يرى أن كتابة القصة القصيرة هي تجربة أصعب «يثير سخطي ما أراه من ازدراء لفن القصة القصيرة، مع العلم أن الضالعين في فن الكتابة يدركون أن كتابة قصة قصيرة واحدة ناجحة أصعب من كتابة رواية، مثلاً فإن للكاتب المتوسط، عندما يكتب رواية، مساحة شاسعة للتغطية على عيوب الأسلوب، بحيث يتوه القارئ وينسى الثغرات، لكن عند كتابة قصة قصيرة لا مجال لذر الرماد في العيون، فهي إما جيدة أو رديئة. وعندما نُقارن بين عدد كتاب الرواية وعدد كتاب القصة، في العالم، سوف نجد أن كتاب القصة القصيرة الممتازين هُم أقلية».

المكان والتعبئة

انطلاقاً مما سبق فإن صدور الكتاب القصصي الأخير لوجدي الأهدل لم يكن طفرة سيعود بعدها الكاتب إلى سابق عهده في علاقته بالقصة القصيرة، وإنما يمثل نتاجاً لوعي جديد ومُفتتحاً لمسار تحول وتطور نوعي في علاقته بالكتابة عموماً، وفي رؤيته للقصة القصيرة خصوصاً، وهو ما سنقرأه مُكرّساً في إصداراته المقبلة، ففيما اشتغل في كتابه هذا على القص الواقعي من خلال (المكان) كقيمة إنسانية وثقافية؛ ففي كتابه التالي اشتغل، ولأول مرة، على قصص تنتمي لـ(أدب الرعب)، مؤكداً بذلك اتساع الرؤية وعمقها «بالنسبة للكتاب القصصي المقبل الذي آمل أن يُطبع في عامنا هذا فهو بعنوان «التعبئة»، وهو عن الطغاة الذين حكموا عدداً من دول العالم في القرن الماضي». ويُرجع الكاتب انقطاعه الطويل عن الإصدار القصصي إلى «التفكير في الخروج من فكرة المجموعة القصصية إلى فكرة الكتاب القصصي»، أي أنني في السابق كنت أجمع القصص وأضمها بين دفتي كتاب، ولم يكن يخطر ببالي وضع خطة مسبقة، أو وجود خيط ناظم تنتظم حوله القصص. وقد أفادني هذا التوقف، لوضع خطة سردية لكتبي القصصية المقبلة، بحيث تكون قصص كل كتاب مترابطة ببعضها، وتنتمي لنوع معين من فن القصة القصيرة».

المهدي المنتظر

ويتألف كتاب «ناس شارع المطاعم» من قصص قصيرة «يجمع بينها رابط مشترك هو هذا المكان (شارع المطاعم)، وأيضاً جميع الشخصيات أتت من هذا الموقع الجغرافي، وتحولت إلى قصص واقعية. مثلاً كتبت قصة قصيرة عن المهدي المنتظر، قد يبدو الأمر للوهلة الأولى تجديفاً، ولكن المسألة ببساطة أنه في يوم من الأيام جاء إلى هذا الشارع العجيب رجل لا يقلّ عجباً، وأعلن أنه المهدي المنتظر، هذه النماذج البشرية التي أحببتها هي التي كتبتُ عنها». وعلى الرغم من بهجته بصدور هذا الكتاب إلا أن وجدي مازال يشعر بالحزن «لأن هناك عشرات القصاصات التي كانت تنتظر الفرصة والوقت لتنمو إلى قصص في هذا الشارع… وهو ما يحتاج معه هذا المكان إلى اشتغالات متعــددة ومكثفة من الكُتّاب والأدباء. ولكي نفي هذا الشارع حقه، فنحن بحاجة إلى أجيال من المؤلفين يرصدون هذا التنوع والجمال وخفة الروح».
ينتمي وجدي الأهدل إلى ما يعرف في اليمن بجيل أدباء تسعينيات القرن الماضي. صدرت أولى مجاميعه القصصية « زهرة العابر» عام 1997، تلتها مجموعة «صورة البطال» عام 1998، ومن ثم «رطانة الزمن المقماق» 1998، و«حرب لم يسمع بها أحد» 2001. وصدرت أولى رواياته « قوارب جبلية» عام 2002، التي أثارت جدلاً اضطره لمغادرة البلاد، وبعد عودته أصدر روايته الثانية «حمار بين الأغاني» عام 2004، تلتها روايته الرابعة «فيلسوف الكرنتينة» عام 2007، وروايته الرابعة «أرض بلا سماء» عام 2012. وكان قد أصدر «الأغنية المسحورة» سيناريو فيلم سينمائي 2006 و«السقوط من شُرفة العالم» مسرحية 2007 و«الشاعر» سيناريو فيلم سينمائي قصير 2012.
تُرجمت بعض كتبه إلى الإنكليزية ووصلت إحدى رواياته إلى منافسات القائمة القصيرة لجائزة الرواية العربية (البوكر).

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى