الساحة الثقافية والفنية المغربية تودع جمال الدين الدخيسي

الطاهر الطويل

شاءت الصدف المؤلمة أن يكون رحيل الفنان المغربي جمال الدين الدخيسي يوم ذكرى مولده التي حلت أمس (الجمعة). لقد رحل وهو يحمل صورا جميلة عن حفلين للاحتفاء به وللتخفيف من وطأة المعاناة مع المرض، الأول أقيم خلال الدورة الثامنة عشرة للمهرجان الوطني للمسرح في مدينة تطوان أوائل كانون الأول/ ديسمبر المنصرم، والاحتفاء الثاني جرى في مدينة طنجة خلال المهرجان الوطني للفيلم قبل عشرين يوما، وفي ذلك اعتراف بإسهاماته البارزة في المجالين المسرحي والسينمائي.
وأصدر الائتلاف المغربي للملكية الفكرية بلاغ نعي أشار فيه إلى أن الراحل خلّف وراءه رصيدا فكريا وفنيا وإنسانيا متفردا في السياق والمضمون، وهو رصيد مشرق ومشرف بصم تجربة الرجل لما يفوق 30 سنة من البذل والالتزام والعطاء. فقد انطلق مساره كرجل مسرح بامتياز تعلما ثم تفوقا وتطبيقا في مجال التدريس والتلقين لأجيال من المبدعين في فنون العرض في المغرب. كما تميزت تجربته الفنية بالتوفيق السلس وباقتدار بين الفكر والتلقين والتطبيق والممارسة الإبداعية، وهكذا فقد تقمص أدوارا مختلفة في عدة أفلام سينمائية وتلفزيونية، من بينها فيلم «يما» لرشيد الوالي، و»الوشاح الأحمر» لمحمد اليونسي، و»أوركسترا منتصف الليل» لجيروم كوهن أوليفر، و»حياة بريئة» لمراد الخوضي، و»الذئاب لا تنام» لهشام الجباري.
وأضاف بلاغ «الائتلاف» أن «تجربة الراحل جمال الدين الدخيسي وما راكمه من أعمال ومنجزات في القطاع الثقافي والفني عموما وفنون العرض على وجه التحديد، تعدّ مفخرة لجيل بأكمله من المبدعين الملتزمين بأهمية الثقافة والفن في تحقيق النهضة والتنمية المجتمعيتين. إن تجربة جمال الدين الدخيسي، الجامعي والمسرحي والممثل، تجعل منه اليوم وغدا أنموذجا يحتذى، لكونه يعتبر أحد الأعمدة والأساتذة المؤسسين للمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، كما سهر على إدارة وتدبير دفة المسرح الوطني محمد الخامس لسنوات بكل جد وعزم والتزام، وهو أيضا، وجه من وجوه السينما والدراما المغربية بميزة «الفنان المثقف الملتزم» حيث أعطى كل رحمة الله عليه، كل ما يملك من فكر وعلم وطاقات إنسانية رفيعة في سبيل تكوين وتأطير فنانين ومبدعين أضحوا اليوم نجوما وأسماء لامعة في المشهد الثقافي والفني في المغرب».
وتابع البلاغ: «لقد غادرنا الأستاذ المسرحي المقتدر جمال الدخيسي في هدوء تاركا وراءه رصيدا قيما من المنجزات، نأمل أن تكون تجربته وريبتواره الفني المفعم بالجماليات والإنسانيات مثالا يقتدى من لدن الأجيال الجديدة من المثقفين والمبدعين، متمثلين في تجربة الراحل، كل معاني الإنسانية والبذل والالتزام، تجربة فنية واعية بذاتها وبسياقاتها وبعمق وعبقرية الشخصية المغربية المنتجة للقيم الرفيعة».
واعتبرت فرقة «مسرح البيضاء» في بلاغها رحيل المبدع الدخيسي «خسارة للمجال الثقافي والإبداعي لرجل استثنائي تخرج على يديه عشرات الممثلين والمخرجين، فضلا عن دوره المتميز والتاريخي في التنظير للممارسة الفنية والمسرحية».
وامتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بتدوينات تشيد بخصال الفنان الراحل وبتجربته الفنية، حيث كتب مسعود بوحسين، رئيس النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية، ما يلي: «سنفتقدك كثيرا… سنفتقد إصرارك، سنفتقد عزمك، سنفتقد صرامتك التي كنا نشعر «بوخزها» حتى ونحن كبارا إن أسأنا التقدير… أرقد في سلام يا شيخنا فستبقى دائما حاضرا في الذهن والوجدان».
وكتب سعيد باهادي: «فقدنا صباح اليوم ببالغ الحزن الأستاذ جمال الدين الدخيسي الذي علمنا فن وعلم التشخيص في المسرح. رجل فنان، رجل التحليل المنطقي للموقف الدرامي. تعلمنا من هذا الأستاذ الشامخ، الرجل المدرسة، مربي الأجيال، الرجل الذين قاد النهضة في الميدان المسرحي بمدرسته التطبيقية. علمنا كيف نفهم أنفسنا والآخرين من حولنا. علمنا فهم الحياة. فقدناه، لكن أثره سيبقى لنغرف منه المزيد من المعاني ونستخلص منه الدروس. فقدنا ستانسلافسكي المسرح المغربي. مهما قلنا لن نفيه حقه. ندعو له بالرحمة والمغفرة».
ومما جاء في تدوينة عبد الجبار خمران: «ستتذكر الأجيال إنسانا ومبدعا ومربيا وواحدا من المؤسسين للأسئلة المسرحية الحقيقية في الدرس المسرحي المغربي لفعل التمثيل على منصة الركح والروح».
وكتب محمد بنلحسن: «لقد كان لي شرف المثول أمامه في لجنة الامتحانات ذات صيف في 1990 في الرباط خلال مباراة الدخول للمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي؛ الذي فكرت في ولوجه، وقد قام بامتحاننا في مادة المسرح. وحين علم أنني الوحيد القادم من وجدة، وكانت معي لطيفة أحرار ونورة الصقلي، طلب مني أن أرتجل دور أبرز منشطي الحلقة الشعبية في ساحة سيدي عبد الوهاب في وجدة، وكان صارما، على الرغم من كونه من المنطقة الشرقية».

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى