رسائل امرأة عشقت العراق في ‘غيرتروود بيل من أوراقها الشخصية’
يعكس كتاب “غيرتروود بيل من أوراقها الشخصية 1914-1926” لإليزابيث بيرغوين مشاعر امرأة عاشت وعملت في العراق في عشرينيات القرن الماضي، وعشقت ترابه وأجواءه وأهله.
والكتاب صدر مؤخرا عن المؤسسة العربية للدرسات والنشر بمقدمة للروائي الكبير الراحل عبدالرحمن منيف وترجمه وقام بتحريره والتعليق عليه نمير عباس مظفر، ويتضمن 31 رسالة.
وغيرتروود بيل باحثة بريطانية ومستكشفة وعالمة آثار عملت في العراق مستشارة للمندوب السامي البريطاني بيرسي كوكس في عقد العشرينيات من القرن العشرين، وجاءت للعراق في العام 1914، ولعبت دورا بالغ الأهمية في ترتيب أوضاعه بعد نهاية الحرب العالمية الأولى.
وكانت بيل، كما ذكرت الكاتبة والصحفية عزيزة علي في صحيفة الغد الأردنية، بعلاقاتها الواسعة ومعارفها وخبراتها بالعراق أهم عون للمندوب السامي البريطاني في هندسة مستقبل العراق، ويعرفها العراقيون القدماء بلقب الخاتون، بينما يعتبرها البعض جاسوسة بريطانية.
وذكر عبدالرحمن منيف في المقدمة أن اعتماد بيل الرسائل كوسيلة للتعبير اضفى عليها “صفة حميمية”، وجعلها اقرب إلى النفس، ولها صفة الخصوصية التي تجعلها بوحا أو اقرب إلى البوح والأسرار، خاصة وإنها موجهة إلى اقرب الناس إليها، وهم موضع أسرارها والذين يمكن أن يؤتمنوا على أدق القضايا وأكثرها خفاء، وربما خطورة، مما يحولها، في النهاية، إلى وثائق بالغة الأهمية.
وقال ان علاقة بيل بدأت بالمنطقة العربية مع بداية القرن العشرين تقريبا، وتزاملت ولورنس العربي في البحث عن الآثار، وكانت البداية في كركميش، عند مدخل نهر الفرات إلى سورة، وظل الاثنان معا فترة من الزمن، ثم افترقا كل إلى مكان وكل لمهمة.
وأضاف أن بيل أخذت تجوب المنطقة من أقصاها إلى أقصاها بحجة البحث عن الآثار مرة، وبحجة دراسة لهجات البدو مرة، والإلمام بأصول القبائل وبأنسابها، حتى وصلت إلى أعماق الجزيرة العربية في محاولة لاستمالة عدد من شيوخ البدو إلى جانب الحكومة البريطانية وتعبئة عواطف العرب ضد الأتراك، ما أدى إلى احتجازها في حائل من قبل ابن رشيد الذي كان مواليا للأتراك، إلى أن تم الافراج عنها وترحيلها من الجزيرة العربية.
وأشار منيف إلى أن مس بيل اندفعت إلى مغامرات خطرة، ودفعت ثمنها، ولم تهدأ ولم تتوقف عن التجوال والإقامة لفترات غير قصيرة في بلدان المنطقة، مما ساعدها أكثر من قبل على إتقان العربية، وإلى التعرف على كثيرين ممن يعملون في الحقل العام، إضافة إلى الإلمام أكثر بتفاصيل المنطقة ومشاكلها، إلى أن انتدبت للعمل في العراق أثناء الحرب العالمية الأولى، وكان من حسن حظها ان تعمل مع واحد من ابرز صانعي خرائط المنطقة وهو السير بيرسي كوكس.
وذكر مترجم الكتاب نمير عباس مظفر أن الكتاب جاء في مجلدين يتناول الأول الفترة من(1889-1914)، بينما يتناول الثاني الفترة (1914-1929).
وقال إن أهم ما تتميز به الرسائل “أنها صور حية لشخوص عامة، وأحداث في طور التكوين، تحمل في طياتها انطباعات وآراء صريحة ومخلصة وصادقة، وبعيدة كل البعد عن صيغ التكلف.. إنها قد تفتقر في بعض أوجهها أحيانا إلى الموضوعية، وقد تتجاوز جود اللياقة في أحيان أخرى، بيد أنها تبقى أصيلة، ولاذعة، تنبض بالحياة وتنطوي على الفراسة وعلى درجة عالية من جمالية الوصف وروح النكتة”.
وقال إن بيل تعكس صورة لامرأة أحبت العراق وعشقت أجواءه وطبيعته، بكل ما لهذه الأجواء والطبيعة من أوجه التناقض، وشعرت بأنها كانت جزءا لا يتجزأ منه، وأرادت بطريقتها الخاصة، وفي إطار ما تربت عليه من قيم ومفاهيم وما انصرفت إلى اعتماده من معايير، ان تسهم إسهاما فاعلا في إعادة بنائه لينهض مرة أخرى صرحا حضاريا جديرا بان يكون مركز إشعاع، وسليلا لأعرق حضارات الأرض، ومن بين أكثرها أثرا على السياق التاريخي لبني البشر.
(ميدل ايست اونلاين)