‘لوغان’: بطل خارق يدافع عن الشعور الإنساني

طاهر علوان

في فيلم “لوغان” للمخرج جيمس مانغولد والذي أطلق خلال الأيام الأخيرة في دور العرض العالمية نحن أمام إشكاليّة مركّبة تتعلق بالكائنات المهجّنة، أو التي طالها شيء من الخاصيات الخارقة التي تفوق طاقة البشر، ليقدّم الفيلم حصيلة مشوّقة على امتداد زمني يقترب من ساعتين لم تتوقف فيهما الصراعات ونزعات العنف، التي تقع جميعها في الزمن المستقبلي؛ عام 2029.

واقعيا نحن أمام تتويج أفلام لسلسة “إكس مين” التي بدأت منذ 16 عاما ولم ينقطع الاستثمار فيها، مأخوذة كلّها عن سلسلة رسوم الكوميكس الشعبية الأميركية الشهيرة “مارفيل” التي تعود إلى ستينات القرن الماضي، لكنّ ميزة فيلم “لوغان” أنه علامة فارقة، وفيلم متميز على الأصعدة كافة، وهو ما نجد أنفسنا متفقين فيه مع نخبة من النقاد في تقييمهم له، لعل من أبرزهم أوين جيلبرمان كبير نقاد مجلة “فيرايتي” الذي أشاد بالفيلم من جوانبه الفنيّة المختلفة.

هي قصة البطل الخارق “لوغان” (الممثل هوغ جاكمان) الذي قاد سلسلة “إكس مين” وظهر بدور لوغان في أفلام سابقة، وها هو يتوّج تلك السلسلة وقد امتلك خاصيات هجينة تمكّنه من مقارعة أعداء كثر على امتداد أحداث الفيلم.

ولوغان يمتلك مخالب نافذة فولاذية يهجم بها على خصومه، فضلا عن أنه قادر بشكل تلقائي على لفظ الرصاص من جسده، كل ذلك وهو يتنقل بوالده المُقعَد والمصاب ببدايات الزهايمر (الممثل باترك ستيوارت)، هذا الأب هو الآخر يمتلك قدرات تخاطر استثنائية، وفي حال لم يتلقَّ الجرعة المناسبة فإنه يتسبب في شلل تام وارتجاجات قد تفضي إلى موت أعداد ممّن هم من حوله، ثم يكمل الثلاثة، بمعية كاليبان (الممثل ستيفين ميرشانت) الذي يمتلك قدرة استثنائية على اقتفاء الأثر، وفيما يتنقّل لوغان بالاثنين من مكان إلى آخر يكون مستقرّه في منطقة قفراء على الحدود المكسيكية الأميركية لكي ينأى بنفسه عن القتل المجاني الذي اجتاح أميركا في تلك الحقبة.

التحوّل الذي سيقلب ميزان السّرد الفيلمي يتمثل في لقاء لوغان مع ممرّضة تتعرّف عليه، وتطالبه بأن ينقذها بصحبة طفلة لها وأن يوصلهما إلى الحدود الكندية مقابل مبلغ من المال، لكنّ الممرضة ما تلبث أن تُقتَل لتلتحق الفتاة لورا ذات الثلاثة عشر ربيعا بلوغان. ولورا، كائن هجين أصلها الجيني يعود إلى لوغان، وهي جزء من مشروع إنتاج أطفال ذوي قدرات خارقة لغرض القتل، ولكن ما لم يكن في الحسبان هو تمرد هؤلاء -بمن فيهم لورا- فيصبحون هدفا لمطاردة لا تنتهي.

لتصعيد الصراع بين لوغان ولورا من جهة والشرطة المختصة بملاحقة الهجائن من جهة أخرى، يتم استخدام أكثر التكنولوجيات تطورا في التعقّب وملاحقة لوغان الذي يذكّرك بشخصية الممثل بروس ويليس في مطارداته التي لا تنتهي.

ما يلفت النظر في هذه المعالجة الفيلمية هو جنوح لوغان إلى ذاته ومشاعره الإنسانية وتفاعله مع من يحيطون به ومع والده المُقعَد، ومن ثمّ مع لورا بحسّ إنساني عميق، فضلا عن الرصانة الملحوظة في صناعة الأضداد في هذه الدراما المشوّقة وتحوّل الصراع إلى سجال لا يكاد ينتهي مع شخصيات ذات قدرات استثنائية.

وإذا أردنا التعمّق أكثر في مهارات السّرد الفيلمي، فسنلحظ تميّزا آخر يتمثل في طريقة بثّ ما يُعرف بالمعرفة والمعلومات، إذ يتم التعريف بالمجريات بشكل متتابع مما أنتج ثيمات وحبكات ثانوية في كل مفصل من مفاصل الفيلم، من ذلك مثلا أن نتعرّف على قصة الهجينين من خلال فيديو قصير ترسله الممرضة إلى لوغان تروي فيه كيف أنّ شركة أميركية مقرّها في المكسيك استخدمت أطفالا ولدوا في مختبرات شركة “ترنسيجين” ولم يغادروها أبدا، حتى تمرّدوا عليها.

حفل الفيلم باختيارات دقيقة ومتميزة لأماكن التصوير المختلفة التي شهدت الصراعات، وفضلا عن كون الفيلم من أفلام الخيال العلمي فإنه من أفلام الحركة بامتياز، وقد زج فيه المخرج بعناصر وخدع بصرية بكثافة، علاوة عن اختياره أوقاتا مختلفة للتصوير ما بين التصوير الليلي وعلى ضوء النهار وفي الفجر والغروب مما أضفى على الصورة تنوّعا وجاذبية إضافية.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى