التونسي برهان بن عريبيّة يسائل الطّاقة الحسيّة للأمكنة

يُعدُّ المعرض التشكيلي الموسوم بـ«ترانس- توبوغرافيا» للفنّان والباحث برهان بن عريبيّة اختبارا لرؤى جمالية لم ينِ هذا المبدع – منذ لوحاته الأولى- يصوغ لها المفهومَ ويختار لها المادّةَ، لتكون معبِّرًا عن حساسية تجريدية جديدة فيها للألوان حركةٌ، وفيها للحركةِ همسٌ، وفيها للهمس دَلالاتٌ لا تراها العين وحسبُ، وإنما يلتقطها الذّهنُ ويُغرمُ بتأويلها.
يضمّ هذا المعرض المُقام في المعهد العالي للفنون والحرف في مدينة صفاقس التونسيّة خلال الفترة الممتدة من 20 إلى 31 آذار/مارس 2017، 27 لوحة مختلفة المقاييس والمواد (محامل خشبيّة وقماشيّة) بتقنيات الأكريليك.
يقول الفنان برهان بن عريبية إن اختياره «ترانس- توبوغرافيا» عنوانا لمعرضه، وهو ترجمة حرفيّة للمصطلح الفرنسي Trans-topographie، لا يعني بالضرورة قصور اللغة العربيّة عن ترجمة المعنى ونقل شحنته الدلاليّة الأصليّة، وإنما هو خوفٌ من خسارة المعنى الأصلي للمصطلح الغربي، وجلبٌ لانتباه المتلقّي وإعطاؤه المفاتيح المناسبة التي يستطيع عبرها فك الشيفرات الدلاليّة والمفاهيميّة للمعرض. ويضيف بن عريبية قوله: «يتساءل الزّائرون ما المقصود بالجانب الآخر للرسوم التوبوغرافيّة للأمكنة والمواقع؟ وأجيبهم بأنّ في ذلك جانبًا روحانيا للمواقع، وذاكرة للأمكنة وللطاقة الحسيّة الكامنة فيها، فالمعرض قد استدعى هذه الجوانب اللامرئيّة للمواقع وأدخلها إلى مخبر التجريب البصري، ورغم أن الأعمال غارقة في التجريد والبحث الشكلي التكويني واللوني، وهو ما يبدو من خلال عناوين اللوحات (تكوين1، 2…)، إلا أنّها متجذّرة في مواقع مخصوصة وشديدة الدقّة تحوّلت إلى مصدر استيحاء جمالي داخلي». وهو ما يترك للمتلقي حريّة التأويل وانفتاح آفاق القراءة البصريّة التأمليّة، فيتحوّل المكان إلى أثر حسّي وطاقة تواصليّة جماليّة.
أنجز الفنان بن عريبية لوحات معرضه خلال السنتين الماضيتين، لكن عمر العديد من اللوحات يعود إلى 12 سنة، حيث عرضت هذه المحامل في المعرض الفردي الأوّل سنة 2004 بعنوان «أوكسيجان»، وبعد انتهاء المعرض بقيت هذه اللوحات مخزّنة في الورشة. وفي هذا الشأن يُشير بن عريبية إلى «أنّ اللوحة الحيّة لا تعترف بثبات الحالة البصريّة، بل هي تعتبر كل قشرة لونيّة حالة زائلة بالإمكان تغييرها حسب الحالة الحسيّة والتأمليّة التي يمرّ بها الفنان. ولعلّ هذا ما يفسّر تراكم الطبقات اللونيّة بمرور السنوات وجعل اللوحة كائنا حسيّا جماليّا يعيش معي، ولا شك في أن العديد من اللوحات لن تستقرّ على حال وستعود إلى حقل التجريب التشكيلي بعد انتهاء هذا المعرض، كفضاءات للتأمّل والإعداد لتنصيبات فن الموقع، فأنا لا أجد حرجا في الانتقال بين اللوحة والتنصيبة والصورة الرقميّة، فهما شكلان فنيّان يخدمان مفهوما جوهريا أصليا، يسائل علاقتنا بالمواقع المعماريّة. فالمعرض حلقة من سلسلة بحوث بصريّة وجماليّة ومفهوميّة، أو ربّما هو أشبه بمحور في فهرس كتاب، لا تستقيم قراءته إلا بمتابعة ما سبق وما سيلحق، غير أن ذلك لا يمنع الزائر من النظر إلى لوحة واحدة على أنّها كيان مستقل».

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى