وحيد حامد: الحرب على «داعش» تحتاج بندقية وكتاباً وعملاً تلفزيونياً

هبه ياسين

هو صاحب توقعات مستقبلية تحققت فعلياً عقب سنوات من صياغتها، وكاتب بدرجة خبير سياسي واجتماعي طرح عبر مؤلفاته، لاسيما السينمائية منها، التحولات التي طرأت على المجتمع المصري عبر عقود، راصداً المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهبوط شرائح وصعود أخرى، واجه التيارات المتطرفة وأباطرة الفساد عبر كتاباته بشراسة، متتبعاً نشأتها ومساراتها، وتوغلها بين ثنايا المجتمع.
هو وحيد حامد الذي باتت أعماله نوعاً من التأريخ لحقب زمنية متعاقبة، إذ يبثها حصيلة فكره ورؤيته المستنيرة. فصاغ الواقع ببراعة واجتذب النخبة والجماهير على حد سواء. فلم يكن راصداً فحسب بل تمتع برؤية ثاقبة جعلته قادراً على التحليل أو استشراف المستقبل.
ولد حامد في قرية «بني قريش» في محافظة الشرقية العام 1944 في كنف أسرة ريفية بسيطة، ومن ثم انتقل إلى القاهرة لدراسة علم الاجتماع وتخرج في كلية الآداب 1965. تشكل وجدان الكاتب بداخله عبر القراءة لكبار الكتاب في مصر والعالم. بدأ ككاتب للقصص القصيرة التي لاقت رواجاً ألمح لغزارة موهبته، وحين اتجه للكتابة الدرامية سواء التلفزيونية أم السينمائية صادف نجاحاً لافتاً وقطع بها شوطاً كبيراً، وهكذا يجلب النجاح نجاحاً تلو آخر.
حملت غالبية أفلامه من فرط واقعيتها عبارة «هذا الفيلم خيال سينمائي، وأي تشابه هو محض صدفة»، وجمعته شراكة سينمائية بنخبة من أهم مخرجي السينما وغيرهم، بينهم أحد أفضل مخرجي «الواقعية» عاطف الطيب عبر 5 أفلام من إجمالي 21 عملاً للمخرج الراحل بينها «البريء» و «التخشيبة».
توج عبر مسيرته الإبداعية بعدة جوائز، بينها جائزة الدولة التقديرية 2008، فيما حصل العام 2012 على أرفع جائزة تمنحها الدولة وهي «جائزة النيل».
«الحياة» التقت الكاتب المعروف وحاورته حول أعماله ومشاريعه الكتابية المزمعة، وكان اللقاء على ضفاف نيل القاهرة حيث اعتاد أن يسطر إبداعه.

توثيق الفكر المتطرف
> واجهت الإرهاب في غمرة سطوته، سابراً أغوار عالم المتطرفين كما لو كنت تعيش بينهم أو اعتنقت أفكارهم يوماً ما… كيف؟
– اعتدت الإعداد بدقة توثيقية لأي عمل أقدم على كتابته، لأن الأمر يتعلق بالنسبة إليّ بعرض الحقيقة، لذا حرصت حين تطرقت إلى قضية «الإرهاب» على تحري الحقائق عبر جمع المادة الخاصة بأدبيات المتطرفين لأنه لا مجال للخيال فيها إلا قليلاً، حيث تحتل الوقائع التاريخية الأولوية، واعتمدت على البحث عن مصادر متنوعة، مما شكل إعادة «توثيق جديد» لفكر الإرهاببين.
> يصنف «البريء» – من إخراج عاطف الطيب – كإحدى روائع السينما المصرية»؟
– أجريت حوادثه خلال فترة انتفاضة كانون الثاني (يناير) 1977، وبدأ بتنبؤ انتفاضة «الأمن المركزي» التي حصلت بعد صناعته بقليل، وناقش الفيلم العلاقة بين المثقف والسلطة التي تستغل جهل الأبرياء، ويعد «المشهد الرئيس» به حين يستقبل حراس السجن دفعة جديدة من المعتقلين بـ «حفلة تعذيب»، وبكل عزم يوجه المجند أحمد سبع الليل- أحمد زكي- الضرب لهؤلاء الذين أسمتهم إدارة السجن «أعداء الوطن» فيفاجأ أنه وجه لوجه امام ابن قريته الشاب الجامعي حسين وهدان -ممدوح عبدالعليم- الذي علمه مبادئ الوطنية وشجعه على الالتحاق بالقوات المسلحة، فيصيح «حسين افندي ابن عم وهدان لا يمكن يكون من أعداء الوطن أبداً».
> مشهد مبتكر يدفع للتساؤل عن كيفية صياغته؟
– لا تأتي الكتابة من فراغ بل عبر معايشة المؤلف مواقف خلال حياته، فيختزنها عقله، وحين يحتاجها تنساب الأفكار تلقائياً، أما شخصية سبع الليل، فتمثل نمطاً أعرفه وصادفته في قريتي. وكتبت العمل مدفوعاً بمعايشتي لموقف شخصي مماثل أثناء مشاركتي في تظاهرات 1977، وتعرضت للضرب بضراوة من أحد «عساكر الأمن المركزي» فتوجعت والتفتّ إليه ففوجئت أنه «بلدياتي» يعرف كلانا الآخر، وحينها بادرني بسؤال استنكاري «أستاذ وحيد هو أنت من أعداء الوطن؟ ومن هنا جاءت فكرة «البريء».
> لماذا حُذفت نهاية الفيلم؟
– صحيح… لقد تم التلاعب في نهاية «البريء»، وحُذفت دقيقتان كاملتان منه، و15 جملة حوارية، لم يأت الحذف من جانب «الرقابة» بل عبر جهات يعتقد أنها أمنية. ورغم أن الحذف كان له أبلغ الضرر على المستوى الفني للعمل، فإنه ما زال يلقى قبولاً جماهيرياً غير عادي حتى الآن.

(الحياة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى