‘بوكيه’ فيلم عن الانهيار العظيم بلا نهايات مؤثرة

طاهر علوان

عديدة هي الأفلام التي طرحت ثيمة ما يُعرف بـ”أبوكاليبس”، أي ما بعد الانهيار العظيم، والتي شكّلت اتجاها مميزا في تاريخ سينما الخيال العلمي، حيث يمكننا أن نتذكر من البواكير السينمائية فيلم “نهاية العالم” 1916، وفيلم آخر حمل نفس العنوان أنتج في عام 1931، و”يوم بعد نهاية العالم” 1950، و”خمسة” 1951، و”حرب العوالم” 1953، وغيرها، وهي أفلام أسست اتجاها مميزا لما بعد الانهيار العظيم.

بالطبع يمكننا تعداد أكثر من مئة فيلم من هذا النوع، لكننا الآن بصدد نوع نادر من أنواع الخيال العلمي عدا الانهيار العظيم وثورة الطبيعة والغزو الفضائي والأوبئة وغيرها، إنه نوع يتحدث عن الناجين ما بعد الانهيار العظيم.

يقدم المخرجان جيفري أورثوين وأندرو سوليفان في فيلم “بوكيه” (إنتاج 2017) رجلا وامرأة، هما من بقيا من البشرية، وهي رؤية مختلفة أرادا من خلالها الخوض في تلك المساحة المحدودة التي لم تعالجها سينما الخيال العلمي كثيرا، فيما يتعلق بالناجين في سياق معالجة واقعية.

الشخصيتان الرئيسيتان، وقل الوحيدتان، هما جيناي (الممثلة مايكا مونور) وريلي (الممثل مات أوليراي)، الزوجان يقضيان إجازة في أيسلندا بما تضمّه من طبيعة خلابة وجبال وبحر، وإذا بهما يفيقان في أحد الصباحات، فلا يجدان بشريا واحدا.

من هنا سوف تنطلق الدراما الفيلمية والسرد الفيلمي، وكذلك اكتشاف المكان من وجهتي نظر الشخصيتين، فهما يتجولان في أرجاء المدينة فلا يجدان أثرا للبشر والسيارات متروكة في كل مكان، يركبان منها ما شاءا ويتجوّلان في الأماكن المهجورة، محطّات التلفزيون توقّفت فجأة وكذلك شبكة الإنترنت.

عند هذا الإطار الزماني والمكاني المجهول تعيش الشخصيّتان الشابّتان، فماذا بالإمكان أن يفعلا؟ وأيّ حبكات ثانوية من الممكن أن يجري زجها وابتكارها لمنح المشاهد دافعا موضوعيا للمتابعة؟

هذه الإشكالية ناقشتها دينيس هارفي محررّة مجلة “فيرايتي” الشهيرة، وكذلك ناقشها نقاد وازنون مثل تاشا روبنسون ونايك ألين وغيرهما، والخلاصة: إلى أين تسير هذه الدراما؟

واقعيا نحن بحاجة إلى الكثير لكي تتكامل الصورة وتتحقق الإجابة عن سؤال: ما الذي جرى؟ وأين اختفى البشر؟ هناك حاجة لشخصيات تكمل المهمة وتوازن الدراما وتُوجد أسبابا للصراع، وهو ما نتوقّعه ونترقّبه في فيلم من هذا النوع.

في المقابل نجد تكريسا لنوع من الحوار الذي لا ينمّي الأحداث، بل يمكن للشخصيات أن تتحدّث عن أي شيء من نوع الكاميرا التي يصوّران بها إلى نوع السيارة التي يركبانها، في مقابل إغفال لما هو آت؟ وما سيترتّب على الغياب التام للبشر من نتائج؟ وأين ذهب كلّ أولئك الناس؟

هنا نجد البطلين ينغمسان في حركات وأفعال فيها الكثير من اللامبالاة والتسليم بما هو قائم وكأنه حتما مقضيّ، فلا تتضح لأيّ من الشخصيتين ردود أفعال حاسمة، من ذلك مثلا، كيف سيمضيان الأوقات المقبلة بل الزمن المقبل برمّته؟ وبذلك يمكن تشخيص ثغرة واضحة في السيناريو هي عدم التفات كاتبيْ السيناريو للمسارات السرديّة التي يمكن أن تتشابك وتتداخل، فتفرز تاليا شخصيات تحمل طابع الندّية.

وإذا توقّفنا عند الأداء، فلا يلفت النظر أداء مميز للممثل مات أوليراي وهو ينطلق في مشواره في التمثيل، حيث جاء أداؤه نمطيا ولا شيء يميزه، بلا أوقات تأزم ولا أوقات انفراج، بل إن الأمر يقود إلى مسار خطي في الإيقاع الفيلمي فيه الكثير من التكرار والرتابة والنمطيّة.

في المقابل هنالك إشادة من قبل النقاد بالجانب البصري وجماليات الصورة، لا سيما وأن التصوير أتى غالبا في أماكن حقيقية قرب جبال وبحيرات، فضلا عن تتبّع الشخصيتين وهما تمضيان وقتا رومانسيا منقطعتين عمّا حولهما.

حقا كانت هنالك ميزة على صعيد الصورة، لكنها لم تكن كافية لسد الثغرات الأخرى التي مسّت جوهر البناء الدرامي والمسار السردي للفيلم.

وبإمكاننا إضافة الفيلم إلى ذلك النوع الفرعي من أفلام الخيال العلمي والذي موضوعه الناجون من الانهيار العظيم، لكن شرط أن تتوفر للناجين أسباب المضيّ في المغامرة إلى نهاياتها، وهو ما لم يحصل هنا، مما يجعلنا نطرح أسئلة لا نجد لها إجابات واضحة ومباشرة حولها.

كنا أمام نوع من المعالجة الفيلمية تستدرج المشاهد من خلال الحوار والبحث عن الناس، حتى بدأ الزمن الفيلمي يتمدد بعيدا عن الهدف المباشر الذي هو المضي بالشخصيات إلى نهايات موضوعية مؤثرة.

بقي أن نشير إلى أن عنوان الفيلم يعود في المعنى والمضمون إلى فكرة ضبابية الصورة وعدم وضوحها، خاصة الفوتوغرافية عند استخدام العدسة المقرّبة “زوم”، ذلك هو معنى “بوكيه” الذي أحالنا، ربما، إلى الغموض الذي ظل يرافق مصير الشخصيتين الباقيتين بعد الانهيار العظيم.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى