إيهاب خليفة يبحث تأثير القوة الإلكترونية على إدارة شئون الدول

محمد الحمامصي
أكد د. إيهاب خليفة رئيس وحدة التطورات التكنولوجية بمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة بأبوظبي، أن ظهور الفضاء الإلكتروني والشبكة العنكبوتية كان له أثر مهم في الحياة البشرية، فسهولة استخدامها ورخص تكلفتها ساعد على قيامها بأدوار مختلفة في الحياة البشرية، سواء تجارية أو اقتصادية أو معلوماتية أو سياسية أو عسكرية أو أيديولوجية أو غيرها، فأعادت تعريف المفاهيم التقليدية للعلاقات الدولية، مثل القوة والحرب والصراع والردع، وظهر لها جميعاً جانب إلكتروني، فالذي يدير العالم الآن آحاد وأصفار غاية في الصغر، وقد أصبح جلياً أن من يمتلك آليات توظيف هذه البيئة الإلكترونية الجديدة، فإنه الأكثر قدرة على التأثير في سلوك الفاعلين المستخدمين لهذه البيئة.

أن التطورات التكنولوجية غيرت من الأشكال التقليدية للقوة، وأدخلت مفاهيم جديدة لم تكن موجودة من قبل، وظهر نوع جديد من القوة هو القوة الإلكترونية، تعمل إلى جانب الأشكال التقليدية للقوة، سواء كانت الصلبة أو الناعمة، وأصبحت إحدى أهم أدوات تحقيق السياسة الخارجية للدول، بل والسياسات الداخلية أيضاً.

وأوضح في كتابه “القوة الإلكترونية.. كيف يمكن أن تدير الدول شؤونها في عصر الإنترنت؟” الصادر هذا الأسبوع عن دار العربي للنشر رؤيته للقوة الإلكترونية، أنها “قدرة الفاعل – سواء كان دولة أو فواعل من غير الدول مثل الحركات الإرهابية والتنظيمات الإجرامية والأفراد وغيرهم – على استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة والاتصالات لتحقيق أهداف معينة عبر شبكات الكمبيوتر والإنترنت، قد تشمل سرقة بيانات مهمة أو تدميرها أو تعديلها أو إغلاق نظم إلكترونية أو إعادة ضبطها.

هذه النظم قد تكون مدنية أو عسكرية، شخصية أو عامة. حيث يستطيع أحد مستخدمي الفضاء الإلكتروني أن يوقع خسائر فادحة بالطرف الآخر، وأن يتسبب في شل البينة المعلوماتية والاتصالاتية الخاصة به، وهو ما يسبب خسائر عسكرية واقتصادية، من خلال قطع أنظمة الاتصال بين الوحدات العسكرية وبعضها البعض أو تضليل معلوماتها أو سرقة معلومات سرية عنها، أو من خلال التلاعب بالبيانات الاقتصادية والمالية وتزييفها أو مسحها من أجهزة الحواسيب.

وعلى الرغم من فداحة الخسائر فإن الأسلحة بسيطة لا تتعدى الكيلو بايتس، تتمثل في فيروسات إلكترونية تخترق شبكة الحاسب الآلي وتنتشر بسرعة بين الأجهزة، وتبدأ عملها في سرية تامة وبكفاءة عالية، وهي في ذلك لا تفرق بين المقاتل والمدني وبين العام والخاص وبين السري والمعلوم”.

في هذا السياق ظهرت الحاجة إلى تطوير استراتيجيات جديدة، تتلاءم مع العصر السيبري الذي اختلفت فيه حسابات القوة والردع والحرب، ذلك العصر الذي تعتبر الانترنت هي الإطار العام الحاكم لكافة تفاعلاته، سواء كانت شخصية أو عامة، عسكرية أو سياسية، اقتصادية أو اجتماعية، ومن هنا جاءت فكرة إعداد هذا الكتاب، الذي هو في الأصل رسالة ماجستير تم تقديمها بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، بهدف معرفة التغيرات التي طرأت على مفاهيم القوة وممارسة النفوذ في العلاقات الدولية بفضل الإنترنت، وكيف أصبحت مصدر تهديد للدول والأفراد، ومعرفة المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها الأمن القومي للدول عبر الإنترنت، مع دراسة النموذج الأميركي في توظيفه للقوة الإلكترونية، وكيف أصبحت مصدر نفوذ أو تهديد للأمن القومي الأميركي؟

الكتاب جاء في ثلاثة فصول رئيسية، يناقش الفصل الأول التغيرات التي طرأت على مفهوم القوة بفضل الإنترنت، وكيف ظهرت القوة الإلكترونية، ويتطرق الفصل الثاني إلى عناصر القوة الإلكترونية وبصورة خاصة الأميركية، من حيث المصالح والتهديدات في الفضاء الإلكتروني، والاستراتيجيات المتبعة للتعامل معها، ويتناول الفصل الثالث تطبيقات لاستخدام القوة الإلكترونية – خاصة الأميركية – سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو عسكرية بهدف تحقيق التفوق وممارسة النفوذ في العلاقات الدولية.

كما تطرق الكتاب إلى عدد من الظواهر الحديثة في مجال الفضاء الإلكتروني مثل الحروب الإلكترونية والصراع الإلكتروني والردع الإلكتروني والدبلوماسية الإلكترونية، وألقي مزيدا من الضوء على الفواعل في مجال الفضاء الإلكتروني وبصورة خاصة قراصنة المعلومات أو الهاكرز، من حيث أنواعهم ومهاراتهم وقدراتهم، وأعطي نماذج عملية على قيام دول مثل الولايات المتحدة والصين وإسرائيل وروسيا بإنشاء جيوش من هؤلاء القراصنة للقيام بإدارة الحروب عبر الفضاء الإلكتروني.

وناقش الكتاب أيضاً إشكالية “التسريبات” التي أصبحت سمة أساسية في عصر الانترنت، مثل تسريبات الويكيليكس وتسريبات أدورد سنودن، والتي أثرت بقوة في علاقة الولايات المتحدة الأميركية مع غيرها من الدول، بما في حلفائها مثل ألمانيا وفرنسا التي كشفت التسريبات عن تجسس الولايات المتحدة عليها وعلى رؤسائها.

واقترح د. إيهاب خليفة بنهاية الكتاب عددا من المعايير التي يمكن الاستناد إليها للحكم على ما إذا كانت دولة ما تتمتع بقدرات إلكترونية متقدمة أم لا، وذلك من خلال النظر على عدة متغيرات رئيسية تتمثل في وجود التالي:

– نظام تعليمي متقدم، يبدأ من مرحلة الطفولة، يدعم الابتكار ويقوم بتدريس مجالات البرمجة والتصميم والذكاء الاصطناعي وغيرها من التكنولوجيات المتقدمة.

– خطة استراتيجية خاصة برؤية الدولة لتعظيم قدرتها الإلكترونية تحدد فيها أهدافها الاستراتيجية ومبادئها الحاكمة لها وتكون مرشداً للقطاع الخاص في عملية تطوير وتحديث الأهداف الحيوية للدولة.

– بنية تحتية سيبرية، تقدم خدماتها بصورة إلكترونية للجمهور، مع الاهتمام بتطويرها وتحديثها بصفة مستمرة.

– شراكات بين الدولة والقطاع الخاص لتطوير البنية التحتية من ناحية، والتأكد من سلامة إجراءات التأمين المتبعة للحد من الهجمات الإلكترونية.

– عناصر بشرية متدربة وموثوق في ولائها وقادرة على استخدام وتوظيف التكنولوجيا الحديثة.

– جهة مختصة بالدفاع عن الشبكة الإلكترونية للدولة وحمايتها والعمل على تطويرها، وتكون تابعة للقوات المسلحة، وتتعاون مع الجهات الشرطية المختصة بالتحقيق في الجرائم الإلكترونية.

– قدرة الدولة على إنتاج وتطوير أسلحة إلكترونية تمكن الدولة من تحقيق أهدافها في الفضاء الإلكتروني، مع القدرة على تطوير تقنيات ذكية قادرة على تتبع مصادر الهجمات الإلكترونية ومعرفة الطرف المعتدي.

– قدرة الدولة على إدارة عمليات إلكترونية تشمل مهاجمة شبكات الحاسب الآلي إذا دعت الحاجة إلى ذلك، والدفاع عن شبكاتها الخاصة، واستطلاع الشبكات الأخرى.

– قوانين تحافظ على خصوصية الأفراد وتضمن حماية حياتهم الشخصية، وفي نفس الوقت تمنع ارتكاب الجرائم الإلكترونية وتحاسب عليها.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى