مغربي يقضي خمسين عاما حارسا لذاكرة الكتاب المستعمل

“المعرفة هي الحكمة” جملة تلخص حياة محمد العزيزي الذي جعل من بيع الكتب المستعملة حرفة له لأكثر من 5 عقود، من أجل خدمة الأجيال بالمغرب.

في المدينة العتيقة العاصمة الرباط يجلس محمد العزيزي (69 سنة) بمكتبته الحُبلى بكنوز المعرفة في شتى العلوم والآداب، مؤثثا لمشهد ثقافي بهيج يجذب الزوار من كل حدب وصوب لاقتناء رواية أو مجلة أو كتاب.. كل حسب ذوقه العلمي وما تشتهيه نفسه التواقة إلى المعرفة.

يُواظب محمد العزيزي، بائع الكتب المستعملة على المجيء كل صباح باكر، حرصا منه على ترتيب وتصفيف الكتب بشكل متراص وأنيق، بهدف نيل إعجاب زُبنائه الذين دأبوا على زيارته كلما سنحت لهم الفرصة، وكلهم أمل في أن يجدوا الكتاب الذي يشفي غليلهم ويروق لعقولهم.

محمد العزيزي يُصارع الزمن في سبيل البقاء بمهنة بيع الكتب المستعملة التي تتراجع يوماً بعد آخر بفعل تأثير زحف وسائل الإعلام والتكنولوجيا الرقمية، وخضوع الشباب لإغراءاتها.

قضى محمد العزيزي 53 سنة في مكتبته التي لا يفارقها إلا لطارئ، خلق فيها علاقات اجتماعية وإنسانية فريدة مع عدد من القراء الذي لازال بعضهم يزورونه بمناسبة أو بدون.

يقول محمد العزيزي إن من بين الكتب التي يتردد الزبائن على طلبها باستمرار هي كتابات باولو كويلهو (أديب برازيلي)، مارك ليفي (كاتب فرنسي)، سيغموند فرويد (مفكر نمساوي)، فضلا عن مؤلفات مصطفى لطفي المنفلوطي (شاعر مصري)، أميل زولا (كاتب فرنسي)، ومصطفى محمود العقاد (أديب ومفكر مصري).

كثيرة هي الأحداث التي ربطت محمد العزيزي بالكتاب منها ارتباطه بالسينما وهو صغير، الأمر الذي جعله يقع في حب الكتاب والمعرفة بعد ذلك، فالإثنان يحثان على الفضول والبحث عن المعرفة.

وصار العزيزي “كتبياً” لا يتصور حياته إلا داخل المكتبات للتنقيب على أجود الكتب التي قد يستحسنها زبائنه.

ويضيف العزيزي إن بداياته في مهنة بيع الكتب المستعملة تعود لسنوات طويلة، عندما كان شابا حيث كان يجلب كتبه من الملاح (حي كان يقطنه اليهود) بالنظر إلى أنهم كانوا مولوعين بشكل عجيب بالقراءة ويعرفون قيمة المعرفة، على حد قوله.

الزائر لأول مرة لمكتبة محمد العزيزي الصغيرة والمتواضعة يراه غير مُبال البتة بالعالم من حوله، الذي يدب بالحركة والتنقل؛ إذ يراه الزائر من بعيد مُمسكا كتابه المفضل بين يديه ويشرع في قراءته بتمعن وتركيز كأنه طالب مجتهد يُحضر لامتحانات نهاية السنة.

ويقول “أجمل شيء في الكون هو البحث الحثيث عن المعرفة أينما وجدت”. جٌمل تحمل معاني ودلالات تشي بسعة اطلاع الكتبي المولع هو الآخر بالقراءة.

يقضي العزيزي مُعظم وقته في المطالعة والتأمل في معانيها إلى أن يأتي زائر منتظر، ليقوم للتو من مكانه مُرشدا زبنائه إلى أحدث الكتب التي تجودُ بها مكتبته.

الشيء الذي يبدو مثيراً للزبائن ما يتمتع به العزيزي من دراية تامة كذلك بمضامين الكتب وأفكارها الرئيسية التي يريدون شراءها مما يترك لديهم انطباعا حسنا أنهم أمام كتبي قارئ نهم يلتهم كتبه قبل عرضها للبيع للعموم.

ورغم أن بيع الكتب المستعملة لا يُدر عليه مالاً وفيراً بل لا يُسعفه حتى في الاضطلاع بأعباء الحياة الكثيرة، إلا أن العزيزي يُفضل أن يبقى خادماً للأجيال عبر توفير الكتب بثمن زهيد، وهي المؤلفات التي يحصل عليها من زبائن ومعارض.

وقال “أنا أفكر في عيش يومي ولا يهمني المستقبل لأنني شبعت من الدنيا”.

(ميدل ايست اونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى