بمناسبة مرور 80 عاما على لوحة بيكاسو: المغربية نسرين الصفار تمثل فرنسا في معرض «غورنيكا البصمة» مدريد

خالد الكطابي: يشكل عملي إدانة صريحة لكل المجازر التي يعرفها العالم.. فعملي ليس إعادة إنتاج لما أبدعه الفنان بيكاسو في لوحته الشهيرة «غورنيكا» التي جابت العالم وفضحت الهمجية السائدة آنذاك، بل إنني أهدف من خلاله للتذكير بأن عالم اليوم رغم التغيرات الحاصلة فإنه تمادى في همجيته فغورنيكا حاضرة بشكل مضاعف في سوريا والعراق.
هكذا صرحت الفنانة المغربية نسرين الصفار، عند حديثها عن معرضها «غورنيكا، البصمة» الذي تعتزم إقامته في العاصمة الإسبانية مدريد ما بين 20 نيسان/أبريل الجاري و20 أيار/مايو المقبل.
وأضافت نسرين الصفار «هذا العالم يلزمه أكثر من غورنيكا، لأن المأساة التي يعيشها الشعب السوري اليوم أمام صمت المجتمع الدولي، تجعلنا نحس بلاإنسانية قيمنا وازدواجية المعاييرالتي تسائل الضمير العالمي وتضعه على المحك».
وتتابع الفنانة الفرنسية من أصول مغاربية «لقد بدأت بتخطيط نهج فني، خاص بي، منذ الربيع العربي، يقوم على أخذ آثار عينات من التربة في أماكن شاهدة على ماض أو حاضر مؤلم.. حيث قمت باستطلاع لمسرح الأحداث التي دارت فيها الحروب ومآسي النزوح، كما ذهبت إلى الأماكن نفسها التي تضررت بشدة، حتى أتمكن من نقل بصمات أقوم بإعادة صياغتها في ورشتي الفنية.. فكل أعمالي مسكونة جدا بذاكرة الزمن».
وتتذكر ابنة مدينة فاس زياراتها لمدينة غورنيكا «زرت غورنيكا لأول مرة في أوائل سنة 2012 وأخذت بصمات من التربة قمت بنقلها على قماش من الكتان وعملت كل ذلك بجانب الشجرة الشهيرة رمزالمأساة ومدينة غورنيكا.
وعدت في نهاية عام 2016عندما علمت بأنه تم اختياري للاحتفال، بمرور 80 عاما على غورنيكا بيكاسو في المعهد الفرنسي في مدريد ومؤسسة الثقافات الثلاث في إشبيلة». كما تحدثت نسرين عن عملها قائلة «عملي هو بحجم اللوحة الشهيرة لبيكاسو، أي7.77على 4.49 م، حيث أقوم بتقديم طرح جديد لقصف مدينة غورنيكا، باستخدام مواد الطلاء السائل، مع الاعتماد على مواضيع بدرجة أكثر أو أقل، متصلة الطبيعة، ولكنني ظللت أحتفظ بلوحة بيكاسو نفسها، كما عملت على استخدام الأشكال الهندسية التي تقوم بتشكيل البنية عموما.
وقامت نسرين بتوظيف أمعاء الحيوانات، بعد أن تقوم بطحنها ووضعها في قوالب، حيث تجعل منها في كل مرة أشكالا مختلفة كنوع من صناديق جنائزية بعد إضافة قوالب الجص على الأحشاء مباشرة وتركها تجف وتتصلب، ثم تزيل الأحشاء التي تترك أثرها وبصماتها على الجص…
ويشكل استخدام هذه العناصر الحيوانية رمزا ورجعا للصدى لكل الضحايا الذين قتلوا في قصف غورنيكا بطريقة وحشية، تماما كما يقع الآن في عدد من المجازر التي يعرفها العالم.
وعملت بالفعل على سحب البصمات في غورنيكا، واسترعى عملي انتباه المنظمين في مدريد لتمثيل فرنسا في مراسم الاحتفال وتخليد الذكرى 80 لهذه التحفة الفنية. وأردفت الصفار «لقد كنت دائما مهتمة باللوحات التي لم يتم إبداعها لتزيين الشقق، وغورنيكا بيكاسو هي إدانة للحرب، هجومية ودفاعية ضد الهمجية. إنها ترمز إلى أهوال الحرب، ولقد شعر بيكاسو بالغضب عند وفاة العديد من الضحايا الأبرياء الناجمة عن قصف الطائرات النازية بناء على طلب من الجنرال فرانكو».
وتشكل «غورنيكا بيكاسو» بالنسبة للفنانة التشكيلية نسرين الصفار «سلطة الإدانة.. وأعتقد أن الفن يمكن أن يغير نظرتنا إلى العالم، وبالتالي العالم نفسه. من خلال الإعلان والتنديد، يجب على الفن أن يكون الأصل وصلب المشاريع الاجتماعية.. فعلى حد تعبير روبرت فيليو «الفن هو ما يجعل الحياة أكثر إثارة للاهتمام من الفن».
وتضيف «بعيدا عن منطق الديكور والتزيين فالفن هو أداة سياسية لأنه هو الحرية ذاتها… وهذا هو الدرس الذي يعطي بيكاسو مع غورنيكا».
ولأن المجازر تستهدف الشعوب، بالأخص الأبرياء والمسالمين، وفي مقدمتهم الفنانون التشكيليون فقد أعربت نسرين الصفار عن تضامنها اللامشروط معهم لأنهم يشكلون ضمير شعوبهم وحافظي الذاكرة الجمعية من الاندثار.
وفي تقديمه لعملها الفني يقول فيليب صول، الناقد الفني الفرنسي ومدير مدرسة الفنون الجميلة في مدينة سات أمام عمل بيكاسو، حيث الشكل نفسه بالضبط هو من وحي نسرين الصفار الذي استلهمته من جذور شجرة غورنيكا، من منعطفاتها، وقوتها المستمدة من الأرض. عبر طبقات الألوان، والتباينات، والضوء والأسود كعنصرين حاضرين لاستدعاء الظلال الراقصة تحت أشجار السنديان السامقة ذات صيف بعد الظهيرة، فألوانها تولد من جديد على نغمات رماد لوحة معلم كبير. ظلال مثلثات عديدة ذات إيقاعات، مثل الكمان الأجهر(كونترباس) في فرقة موسيقية، حيث التوهج يرقص على أضوائها فهذه المثلثات هي في الواقع سحبت من اللوحة الكبيرة لبيكاسو. لقد احترمت الأحجام الفعلية لهذه القمم الهندسية ومواقعها بدقة. هل هو حقا من قبيل المصادفة أن يكون حجم هذه المثلثات بالحجم المستخدم نفسه في منشآت أخرى لنسرين الصفار؟».
ويضيف الناقد الفرنسي «إن الصفار تقوم بتجسد الذاكرة عبر استخدام البصمات، الشيء الذي يضفي على عملها طابعا سحريا بدون شك، ففي أماكن مختلفة من اللوحة نجد الحواشي تتشكل من الجص وترسباته الدائرية، بألوان تم سحبها من القماش ثم استعمالها من جديد بأدوات أخرى.. فالجص يتكرر استعماله في عمل الفنانة، فهو يشكل بالنسبة لها رمزا للترميم».
ويقول فيليب صول «إن نسرين الصفار تقوم من خلال هذا العمل بإصلاح لعنة باندورا بعد اتهامها بفتح جرة الشرور، صندوق باندورا المفتوح منذ آلاف السنين تم إغلاقه هنا.. تجميعها بأسلوب دقيق، والعديد من العناصر تتلاقى معا نحو منظور مجهول، حيث آثار الدخان مرسومة، صور منقولة على ركائز غير محتملة، آثار أمعاء في الجص، كلمات نحيلة، بقع الألوان، والعديد من العناصر التي يتهيأ لنا أنها مرسومة، كما في زمن أشعث، فالمشاريع السابقة أو المستقبلية، عناصرها يمكن أن تصبح معجما لعمل تشكيلي معقد».

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى