أحلام بلا أجنحة…للكاتب علي حسن

خاص (الجسرة)

الترفع يدها الصغيرة لتلوح بسعادة لتلك الطائرات الورقية التي تحلق في السماء و تبعث البهجة بألوان الطيف التي تزينت بها و تتابعها بشغف مشوب بالأمل و الرجاء و هي تتراقص أمامها بين سحب الصيف الزرقاء الصافية .
تقفز من حين لأخر كالعصفور تريد أن تمسك بواحدة لعلها تبلغ هذا الحلم الذي يراودها منذ أن عرفت أن هناك طائرة ورقية تطير في السماء ولكنها بنت و البنات في قريتنا لا يملكون الطائرات و كذلك فقرها يقف حائل بينها و بين أن تمسك بيدها خيط طائرة بألوان العلم.. الأحمر والأبيض و الأسود.

باتت تلك الليلة مع الحلم الذي يداعبها بأن تمتلك طائرة لا مثيل لها و لم يتركها لتنام حتي أيقن أنها عقدت العزم علي أن يأتي الغد بعد سويعات و في يدها تلك الطائرة ..!!

ما إن إستيقظت في الصباح حتي قالت لأمها سوف أصعد الي سطح الدار لأقوم بإطعام الطيور وأجمع ما أجده من بيض …

لم تنتظر الرد و هرعت الي السطح و أمسكت بحبوب الذرة و أخذت تبعثرها علي الأرض والدجاج مازال محبوسا يصدر أصواتا تنم عن جوعه ولكنها لا تلتفت إليه بل تحلق في السماء لعلها تري طائرة و لكن الوقت مبكر و أبناء الحي نائمون.

أحضرت حبلا و عقدت قطعة صغيرة من الخشب في الخيط و أخذت تدرب يدها في الدفع لمسافات طويلة و كلما احرزت تقدما شعرت أن الهدف إقترب و أنها لن تنام إلا و طائرتها الجميلة بين يديها.

بدأت في إعداد الخطة و نصب الكمائن و تهيأت للصيد الثمين و لم يبقي سوي أن تلوح في الافق اول طائرة و سرعان ما إنخلع قلبها من شدة الفرح حين لاحت أمام عينيها أول طائرة تشاغلها و تناديها.
كانت بألوانها وثباتها في السماء ما جعل عقلها يطير و أخذت تترقب الفرصة حتي تتمكن منها و ما إن رأت الخيط بدا قريبا منها تماما حتي ألقت المحداف وفي طرفة عين تمكنت منها و هبطت الطائرة الورقية قريبة منها .

أخذت تجذب الخيط محاولة الإمساك بالطائرة التي ما أن تمكنت منها حتي صدمتها المفاجئة

لقد تمزق كل الورق و أصبحت هيكل من الغاب لا ألوان فيها.

كان كل ذلك يحدث و هي مختبأة لا تقدر أن ترفع رأسها فصاحب الطائرة مازال يبعث بالشتائم و السباب ويتوعد من فعل ذلك بالويل

صحيح أنه لا يعرف من فعلها لكنه يحاول لعله يراه و يصعد فوق أي شئ مرتفع عله يتمكن من ذلك ولكن بلا جدوي

تزحف هي علي بطنها لتقترب اكثر من طائرتها وتحاول ان تتفحصها و كأنها تمسك بكنز لم تراه من قبل و أخذت تفكر في أصلاحها و كيف ستهرب من صاحبها .. بل كيف ستهرب من هذا الذي يريد أن يسلبها طائرتها التي إنتظرتها منذ أعوام.

تحاول أن تصلح كل ما تمزق منها وتقوم بتجميع الورق المهلهل وإلصاقه حتي تقترب من صورتها الأولي ثم تتسلل الي الدار و هي تخفيها كي لا يشعر احدا بها أو بطائرتها وكلما قرع أحد باب الدار أصابها الرعب خشية أن يكون هذا الظالم علي الباب و يأخذ طائرتها ولم تنم ليلتها هذه فقد كانت تفكر كيف سترسل طائرتها إلي السماء لتحلق بجوار السحاب كما اعتادت أن تراها.

مع أول إشراقة للفجر صعدت علي أصابع قدميها إلي السطح لتحقق الحلم ولكنها لاتقدر علي الجهر به فتضع الطائرة علي الأرض وتتخيل أنها تطير و كلما مر الوقت زادت سعادتها و ألح الحلم عليها ليصير حقيقة .
وفجأة دخلت الي عالم اخر فلم تعد تشعر بمن حولها و اخذت تقفز لأعلي و ترسل طائرتها لترتفع معها و تقفز و ترسل لها الخيط والطائرة تبعد و تبعد و سعادتها تزداد والحلم يكتمل رويدا رويدا…
لم تكن لتصدق أنها تمسك بكلتا يديها علي خيط الطائرة ولا تعرف كيف يحدث كل ما تراه.

ضربات قلبها تزداد و تختلط مشاعرها بين السعادة و الخوف كلما علت الطائرة و إرتفعت.
تمسك أكثر بالخيط ثم تنكمش و تلتصق بالأرض خشية أن يراها أحد ثم تغلبها السعادة فتترك الخيط و ترسل الطائرة فترتعش يداها وتقبض أكثر و الطائرة تغازلها بتلك الرقصات الرشيقة كأنها تحاول أن تداعب عيناها و ترسل البهجة لها فسمة عشق و حب تولد بينهما.
لكنه عشق لا تقدر علي البوح به فمازالت تنكمش و تلتصق بالأرض و الطائرة تداعبها و تتراقص يمينا و يسارا …!!

وفجأة و هي تقبض علي الخيط تجد طائرتها تبعد و تصغر تنظر للخيط في يدها و تحكم قبضتها والطائرة مازالت تبعد فأيقنت أن الخيط قد أنقطع و ترك العنان للطائرة كي تبعد و تتهاوي.
أخذت تقفز علي يدها و قدميها محاولة الإمساك بالخيط و صرخات مكتومة تمزق صدرها الصغير و تقفز ثانية فتلمح طرف الخيط علي مقربة من نهاية السور.
تستحضر كل أحلامها التي تكاد أن تتلاشي و تقفز قفزة حياة أو موت لتنقذ حلمها من الضياع فيتهاوي جسدها الرقيق ويرتطم بأرض المنور ويداها ما زالت تقبض علي ما تبقي من حلم ضاع في غمضة عين ….

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى