السيرة الذاتية و«الذاكرة المنسية» في منجز الزهرة رميج

صدوق نور الدين

لعل السؤال الذي يفرض ذاته بخصوص المنجز المتمثل في السيرة الذاتية للقاصة، الروائية والمترجمة الزهرة رميج ، والموسومة بـ»الذاكرة المنسية» (فضاءات/2016)، يتعلق بواقع الاستمرارية في الكتابة وعلى التأليف. فالتراكم المتحقق إبداعياً، يوحي – وبصدور هذه السيرة – وكأنه اكتمل، إذ درجت العادة على اعتبار السيرة الختم، علماً بأن لحظة ظهورها تتأطر زمنياً ليس في البداية كما الثابت في حالات، وإنما عقب آثار سردية دلت عن تمكن، كفاءةً واقتداراً. فـ»الذاكرة المنسية» بناءً على السابق التتويج لمسار حظي بتداول نقدي موضوعي.
بيد أن ما يعمق ضرورة السؤال:
– كون تحقق الكتابة السردية لا يتم سوى من الماضي كذاكرة، كترسبات يعمل الإبداع على فعل تثبيتها، وبالتالي فإن السيرة لملمة تفاصيل الذاكرة، إلى حصيلة المنسيات التي يستدعيها اللاوعي.
– اعتبار أن شذرات من هذه السيرة، قد تكون وجدت امتدادها ضمن المنجز المحدد في جنس الرواية كمثال: (رواية «عزوزة» و» أخاديد الأسوار») وفق المعبر عنه في هذه السيرة، حيث تذكر «الزهرة رميج» بكونها أوردت بصدد مشهد ما أو تفصيل سردي ، إشارات في كتاباتها الروائية، وهو ما يعضد القول السابق الذي يرى بأن ما من كتابة إبداعية إلا وتمتاح من الماضي.

سيرة ذاتية تحت الطلب

بناء على السابق، فإن الكتابة السردية في عمومها تثبيت ترسبات من الزمن الماضي. على أن فرادة السيرة تتمثل في تأكيد صاحبها أو صاحبتها بأن ما يدونه يعد سيرته الذاتية، وهو حال «الزهرة رميج» في «الذاكرة المنسية». إلا أن ما تمتاز به الأخيرة خاصة الصدق، حيث مطابقة الوقائع والأحداث للحقيقة بعيداً عن وهم كون السيرة لا تمتلك سمات جمالية تجعلها على مستوى التلقي ممتعة، إذ الكتابة في غياب المتعة والتذوق بلا كبير أثر.
بيد أن ما يلفت في « الذاكرة المنسية»، التوطئة التي مهدت بها المؤلفة سيرتها الذاتية. هذه تستلزم الاعتراف بأن المبدعة «الزهرة رميج» لم تكتب سيرتها بتلقائية الراغب في كتابة سيرة. وإنما بدعوة من قارئ بمثابة أستاذ جامعي مهتم بالأفلام الوثائقية يدعى «رشيد بيي»، وهو الاسم الذي سيذكر على امتداد جسم السيرة. فالقارئ بالاحتكام إلى إبداع المؤلفة استوقفته القناعات التالية:
أ – قناعة التعبير عن «بدوية « تجسد حداثة استباقية
ب – قناعة الأمل
ت – وقناعة الانتماء التقدمي.
هذه القناعات جعلته يفكر في إنجاز شريط وثائقي عن المؤلفة (لم يستكمل حسب التوطئة)، وذلك عن طريق القيام برحلة إلى الأمكنة المذكورة في الروايتين، وبالتالي الإجابة عن أسئلة دقيقة. وهو ما لم تستسغه المؤلفة، و لئن اعترفت:
«..ولأني مدينة بكتابة هذه السيرة لرشيد بيي.»(التوطئة. ص/14)
من ثم نخلص إلى أن:
1 – «الذاكرة المنسية « ليست وليدة التلقائية.
2 – تبدو حال تلقيها مشاهد أو «شذرات» لا تتأسس على بناء زمني محكم، وهو ما أكدته المؤلفة ضمن التوطئة.
3 – وبالرغم فهي سيرة ذاتية لكاتبة مغربية رسخت كفاءتها وقدرتها على الكتابة والتأليف والترجمة.

باب التذكير

بيد أن ما يستلزم استذكاره في هذا السياق، تجارب في السيرة الذاتية خضعت للمواصفات ذاتها. فالروائي، الشاعر، المترجم والتشكيلي الفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا وهو يدون سيرته « البئر الأولى» في جزئها الأول مادام الثاني تجسداً في «شارع الأميرات»، ألمح إلى أن تفاصيل من السيرة موزعة على امتداد الآثار الروائية التي أقدم على إبداعها منذ النواة «صراخ في ليل طويل»، مروراً بـ»السفينة» ، «صيادون في شارع ضيق»، «البحث عن وليد مسعود»، وانتهاء ب: «يوميات سراب عفان». هذه التفاصيل تحقق لملمتها في السيرتين.
أما النموذج الثاني، فيتمثل في آثار الناقد والباحث والمحقق والمترجم «إحسان عباس» الذي آثر عدم كتابة سيرته لعامل كونها تخلو مما يستحق التأريخ له. إلا أن إلحاح ودعوة أخيه «بكر عباس» قادته إلى كتابة سيرة ذاتية تعد من أهم السير الذاتية في تاريخ الأدب العربي الحديث. وأقصد تحديداً:« غربة الراعي».
أما النموذج الثالث، فيعكسه الاختيار الذي نحاه الشاعر، القاص، الروائي والمترجم « محمد زفزاف» الذي رفض كتابة سيرته الذاتية، موضحاً بأنها متضمنة في آثاره الروائية. وكان الناقد والمترجم « إبراهيم الخطيب» أشار في كتابة له، بأن الراحل «محمد زفزاف» كان كلما أصدر رواية اعتبروه الشخصية الرئيسة فيها. إلا أن ما كان يصرح به «زفزاف» في حواراته استعداده لإملاء سيرته وليس كتابتها..
يتضح من خلال السابق، أن ثمة أكثر من مشترك في التجارب الإبداعية والإنسانية. وهو ما يقتضي بحثه والوقوف عليه بغاية المقارنة والاستنتاج الموضوعي، على اعتبار كون شجرة الأدب هي شجرة تناسل التجارب وتلاقحها بعيداً عن أي تصورات ومعارف ضيقة الأفق.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى