حين يكون تباين الشخصيات سبباً في تقاربها

سليم البيك

السمة الأكثر وضوحاً للفيلم هي البساطة، تصويراً وسرداً. فيلم خفيف بحكايته وبطريقة إيصالها، اعتمد، بشكل كبير، على أداء الممثلتين الرئيسيتين فيه، والفيلم يدور أساساً حولهما: كاترين فرو وكاترين دينوف، وهذه الأخيرة ظهرت هنا بأداء جديد عليها، منذ بدأت تأخذ أدواراً لنساء متقدمات بالعمر، وكانت، بأدائها، من أهم مبررات أن يكون الفيلم جيداً.
المكان هو مدينة باريس، فاستفاد المخرج من المواقع الجميلة في المدينة لتصوير مَشاهد عدّة من فيلمه، كما استفاد من البيوت القديمة التي تملأ المركز الحيوي/التاريخي للمدينة، كما أن بعض مشاهده صُورّت في الضواحي، مظهراً الفارق الاجتماعي بين شخصيتي الفيلم الرئيسيتين، البرجوازية بياتريس (دينوف) والعاملة في المشفى كقابلة كلاير (فور)، واحدة تسكن في مركز المدينة والأخرى في الضواحي، وتقديم الفرق الاجتماعي بين الشخصيتين كان ممهداً لفروق أخرى بينهما، إنما، لتلك الفروق، تقاربتا وأمضتا كامل الفيلم معاً، وقد تصادقتا بعد لقطات عدة كادتا تتشاجران فيها.
وإن بدت بياتريس التي تؤدي دورها دينوف هي محور الفيلم، وذلك للحضور القوي لدينوف، هنا وأينما حلّت، إلا أن الفيلم أساساً يدور حول الشخصية الأخرى، كلاير، والتأثير الذي أحدثه دخول بياتريس إلى حياتها. اسم الفيلم يجمع، بالفرنسية، بين «القابلة» و«امرأة حكيمة»، وكلاهما ينطبقان على كلير التي تعمل في دوامات ليليّة غالباً في المستشفى، تعود في إحدى الليالي لتجد اتصالاً من حبيبة أبيها السابقة، تخبرها برغبتها في التحدث إليها، تتردد كلاير إنما تتصل بحبيبة أبيها، يلتقيان، تصطدم الشخصيتان للتناقضات التي تجمعهما، تُخبر كلاير بياتريس بأن أباها قد مات منتحراً، بعدما هجرته الأخيرة، أي بسببها، ما يتسبب للامرأة التي تريد معرفة أخبار حبيبها السابق، وقد كانت تظن أنه على قيد الحياة، بصدمة تضطر لأجلها، الابنة، للبقاء معها والاعتناء بها. هنا تبدأ علاقة بين الاثنتين، أقرب إلى علاقة الأم/الابنة، وهو ما كان ينقص كلاً منهما، بياتريس ينقصها ابنة مستقلة ومسؤولة وحكيمة وطيّبة ككلاير، والأخيرة ينقصها أم تحتاج من يعتني به كبياتريس.
لا تحتمل القصة، البسيطة، تلاعباً فنياً في طريقة السرد، كأن يداخل المخرج بين الأزمنة أو يترك مسائل غامضة تحلّها مَشاهد لاحقة أو غيرها مما يمكن أن يكون ساحة تلعب فيها السينما، فنياً، لتحكي حكاياتها. فالبساطة في المضمون هنا يلائمه بساطة في الشكل، والفيلم يقدّم شخصياته بشكل كلاسيكي جداً: كلاير في المستشفى، طيبة جداً مع النساء اللاتي تشرف على ولادتهن، ومع الممرضات، بسيطة، تذهب آخر الليل إلى بيتها بالعجلة، ابنها مشغول بحياته إذ يترك رسالة على تليفون البيت بأنه سيؤخّر زيارته إليها، تعيش وحدها ومتصالحة مع نفسها أو هكذا تبدو، إلى حـــين.
وكذلك تم تقديم باقي الشخصيات، الرئيسية تحديداً كبياتريس، بشكل كلاسيكي، ممهداً إلى حكاية تتطوّر بهدوء، دون تعقيدات أو جهد ذهني يتطلبه الفيلم من مُشاهده، ثم تلتقي الامرأتان ويُبنى الفيلم بعدها على التباين بين شخصيتيهما، ما يجعل كلاير قابلة أكثر لأن تتغير، وذلك لكون بياتريس هي الأقوى والأكثر تأثيراً، والتي تنال باكراً عاطفة كلاير التي تعرف بإصابة حبيبة أبيها بالسرطان، فتعيشان معاً على ذكرى الأب والحبيب، والاثنتان تفتقدانه بالقدر ذاته. يتوازى كل ذلك مع ظهور جار لكلاير يدخل معها في علاقة حب، وقد تراجعت عن قرارها بأن تبقى وحيدة دون رجل.
الفيلم (Sage Femme) من إخراج الفرنسي مارتان بروفوست، صاحب أفلام كـ «سيرافين» في 2008، والذي نال جائزة السيزار الفرنسية عن أفضل فيلم، وفيلم «فيوليت» في 2013. وشارك فيلمه موضوع المقالة في مهرجان برلين السينمائي الأخير ويُعرض حالياً في الصالات الفرنسية.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى