مهرجان طرابلس يطرح إشكالية تمويل الأفلام اللبنانية

شادي علاء الدين

ختتم الخميس مهرجان طرابلس السينمائي الذي دأب على تنظيمه لبنان منذ عام 2014، ليبلغ دورته الرابعة هذه السنة، والذي تقدمت فيه للمسابقة الرسمية 401 فيلم، وتم اختيار 45 منها للمشاركة في المسابقات التي تتوزع بين الوثائقي والروائي والتحريك والأفلام القصيرة اللبنانية والعالمية.

ويرأس لجنة التحكيم في المهرجان المخرج اللبناني فيليب عرقتنجي مع لجنة تتألف من المخرج الشاب هادي زكاك، والممثلة جوليا قصار، والناقد السينمائي المصري أحمد شوقي.

ويحتل المنتدى المتخصص قائمة أبرز النشاطات التي يطلقها المهرجان هذا العام، حيث يناقش فيه سينمائيون وباحثون شؤون السينما وواقعها بالتوازي مع إطلاق ورش عمل سينمائية.

ويعرض المنتدى في حلقاته التي تستمر ليومين مشكلة الإنتاج السينمائي في لبنان وفرص التمويل الممكنة وآفاقها، والشؤون المرتبطة بها.

ويشير رئيس لجنة التحكيم في المهرجان فيليب عرقتنجي إلى أنه “لا وجود لتمويل من الدولة، وتمويل السينما في لبنان تمويل خاص، وليس هناك سينما في العالم تستطيع النمو في ظل غياب التمويل الرسمي”.

وينبه عرقتنجي إلى أن غياب التمويل الرسمي جعل “وضع السينما اللبنانية هزيلا بالمقارنة مع إسرائيل التي تنتج سنويا 25 فيلما من خلال منح تقدمها الدولة تصل إلى حدود الـ500 ألف دولار لكل فيلم، وفي المغرب تنتج الدولة حوالي 125 فيلما في العام بمعدل 400 ألف دولار عن كل فيلم”.

ويؤكد أن “الوضع في لبنان مختلف تماما، حيث يتعاون السينمائيون على إنتاج فيلم، وإذا لم يحقق هذا الفيلم إيرادات على شباك التذاكر، فإن الأمر يكون بمثابة الكارثة”.

ويعتبر عضو لجنة التحكيم المخرج هادي زكاك أن السينما المحلية “لا تستطيع النهوض إلا بالاعتماد على تمويل خارجي، كما أن مشكلة التوزيع تطرح إشكاليات كبيرة على العمل السينمائي في لبنان. ولئن كان من الممكن في بعض المرات الحصول على تمويل فإن مشكلة التوزيع تبقى قائمة وتتسبب في ضعف انتشار الفيلم اللبناني”.

ويشير إلى كون السوق اللبنانية وبغض النظر عن نوع الفيلم “لا تكفي، ولا بد من أن تكون هناك مجموعة شركاء من جنسيات مختلفة يمكنهم توزيع الفيلم اللبناني ومساعدته على الانتشار في العالم”.

ولا يستطيع الفيلم اللبناني الذي يعرض في القاعات اللبنانية، وفق زكاك “تحصيل تكاليف إنتاجه، كما أن السوق العربية ضاقت للغاية مع كل الاضطرابات التي تعاني منها المنطقة، وهناك بعض الأسواق أقفلت تماما في وجه الفيلم اللبناني، وقد تتوفر في ظروف محددة سوق فرنكوفونية فحسب”.
ويلفت زكاك إلى أن الفرص التمويلية القادمة من العالم العربي في السنوات الأخيرة “كانت جيدة من خلال المهرجانات السينمائية كمهرجان دبي، ومهرجان أبوظبي والدوحة، ولكنها تراجعت مع توقف عمل مهرجان أبوظبي ووقف تمويل المشاريع السينمائية، ويضاف إلى ذلك تعثر أوضاع الإنتاج المشترك مع دول مثل فرنسا وبعض الدول الفرنكوفونية”.

ويشير فيليب عرقتنجي إلى ظاهرة “ميل الغرب إلى مشاهدة أفلام عن الحرب، في حين أن الجمهور اللبناني يريد نسيان الحرب، وهنا يقع المخرجون والمنتجون في حيرة شديدة، فهل يخاطبون الجمهور المحلي أم يخاطبون الخارج”.

ويضيف “التمويل الأوروبي يميل إلى دعم الأفلام الساخنة، إن صح التعبير، أي تلك التي تتحدث عن الحرب أو داعش، أو تتناول الأزمة السورية، هذا ما يريدنا الغرب أن نشتغل عليه، وهو لا يريد أن يموّل فيلما خارجا من منطقتنا، ويعرض قصة حب مثلا”.

ويعيد رئيس لجنة التحكيم أسباب عدم ميل القطاع الخاص في لبنان إلى الاستثمار في السينما إلى عدم قدرة مثل هذا الاستثمار على تحقيق الأرباح، مشيرا إلى أن بعض الأفلام التي قد تحقق بعض الإيرادات هي “السينما الشعبية، وهذه الأفلام لا تعرض في الخارج، في حين أن الأفلام التي أخرجها تعرض في الخارج وتشارك في مهرجانات عالمية”.

ويوجد في لبنان وفق عرقتنجي عدد قليل من المخرجين الذين يصنعون أفلاما قادرة على مخاطبة المشاهد اللبناني والمزاج العالمي في آن واحد، وعلى تحقيق مبيعات عالية على شباك التذاكر محليا وعالميا، وهؤلاء قليلون جدا ولا يتجاوز عددهم السبعة.

ويلاحظ كذلك أن هناك مبادرات يقوم بها مخرجون شباب لامعون، ينجحون في إخراج فيلم أول مميز، يعرض في الخارج بواسطة تمويل عائلي ومساعدة الأصدقاء، ولكن عقبة التمويل توقف تجربتهم عند هذا الحد.

وتزداد المحرمات التي يُمنع تناولها سينمائيا وتشكل عائقا أمام الحصول على تمويل، وتنتشر هذه الظاهرة ليس في لبنان فقط بل في العالم العربي كذلك. وقد يكون الموقف من فيلم فيليب عرقتنجي الأخير “اسمعي”، كما يؤكد هادي زكاك، “أبرز دليل على ارتفاع وتيرة المحرمات، فقد أثيرت المشكلة بسبب ظهور رجل دين درزي في الفيلم، حيث تم فرض تغطية وجوده، يضاف إلى ذلك منع بعض الأفلام في مهرجان أيام بيروت السينمائية، لأنها تتناول موضوع المثليين في دلالة واضحة على رفض الاعتراف ببعض الظواهر الموجودة في كل مجتمع″.

وينظر زكاك بتفاؤل إلى واقع السينما اللبنانية، ويقارن بين وضع السينما اللبنانية في الفترة الأخيرة بوضع بلد مثل فرنسا، ويخرج بملاحظة مفادها أنه على الرغم من مشاكل الإنتاج والتمويل ومشاكل الرقابة، فإن هناك “عددا كبيرا من الأفلام المتنوعة الوثائقية والتسجيلية والروائية يخرج إلى النور بكثافة تفوق أي مرحلة سابقة”.

ويسجل زكاك كذلك “ظهور جيل من المخرجين الشباب الذين نجحوا في الاستفادة من التطور التكنولوجي الذي يقلل الحاجة إلى التمويل الضخم”.

وبالتوازي مع ذلك يلفت فيليب عرقتنجي إلى مسألة “سيطرة السينما الأميركية على عالم السينما الآن بإنتاجها الضخم، وهو ما سبب أزمة في تسويق الأفلام في أوروبا، حيث تعاني الأفلام الأوروبية من أزمة تسويق في بلدانها، وأزمة مماثلة في تسويق الأفلام داخل البلدان الأوروبية المنتجة كذلك”.

ويشدد عرقتنجي على أن السينما “تتغير في كل العالم وباتت تميل إلى اعتماد المنطق الرقمي”.

ويختم حديثه، قائلا “أعتقد أن الجمهور اللبناني يقترب من فقدان إيمانه بالسينما اللبنانية، ونعيش كسينمائيين لبنانيين حاليا في أزمة ضياع، ومن يقلْ غير ذلك يكنْ كاذبا دون شك”.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى