«أريد مور» لروكسانا خان… رواية في مديح التطرف!

حنان جاد

حصدت رواية «أريد مور» للكاتبة الكندية من أصل باكستاني روكسانا خان، جائزة الشرق الأوسط للكتاب، جائزة الكتاب المميز لمجتمع عالمي من الرابطة العالمية للقراءة، كما وضعت على قائمة المجلس الأمريكي لكتب اليافعين للكتب العالمية المميزة. «مور» هي الأم بلغة بطلة الرواية جميلة وهي طفلة أفغانية، فقد استوحت الكاتبة الباكستانية الأصل روكسانا خان روايتها من سطور قرأتها في تقرير للأمم المتحدة عن معاناة الأطفال الأفغان من آثار الحرب.
سطور تروي فيها فتاة صغيرة كيف وصلت إلى ملجأ الأيتام، بعد أن توفيت أمها وتزوج أبوها ورفضت زوجة الأب أن تسكنها معها، فأخذها أبوها إلى السوق في كابل حيث لا تعرف أحدا وتركها هناك وغادر. تتخيل الكاتبة حكاية لهذه البنت، حكاية من الخيال الواقعي منسوجة بإحكام وموهبة، لدرجة تخفي فساد الكتابة وانعدام نزاهتها.
تترك الكاتبة بطلتها الطفلة لتحكي الحكاية كلها من منظورها، منظور فتاة من ريف أفغانستان ما بعد الاعتداء الروسي ثم الأمريكي وفي ما بينهما طالبان.
هذا المنظور بالذات هو ما سيمنح الرواية تفردها، وهو ما سيتيح للعالم الغربي الذي تعيش الكاتبة الباكستانية وسطه «تورنتو ـ كندا» ولوج عالم جديد، والشعور الغني بالانفتاح على ثقافة الآخر.
لقد كان جد جميلة، بطلة الرواية، صانع فخار وقال لأمها يوما: إن ما يجعل الفخار قويا هو حرقه بالنار. إن استعجلت في إخراج وعاء الفخار من النار فسيتشقق ولن تكون له قيمة، وذلك ما يبدو أنه الخط الرئيسي في الرواية التي تحكي قصة المعاناة والصبر والعزم. وهو ما يجعل التعاطف، بل الإعجاب، أمرا مفروغا منه، خاصة أن القصة كتبت بروائية خالصة وحساسية بالغة. وبقراءة متأنية واندفاع عاطفي أقل مع الطفلة، بطلة الرواية، سنكتشف أن الرواية كتبت بالكامل في تسويق فكرة تغطية وجه المرأة، باعتباره جزءا من العقيدة الإسلامية، حتى أن الكاتبة تصدت لمهمة عسيرة جدا، شبه مستحيلة تقريبا! وهي مهمة الترويج للبرقع الأفغاني، الذي اشتهر مع اجتياح طالبان لأفغانستان؛ والذي ينسدل على جسد المرأة من الرأس حتى القدم تاركا ثقوبا صغيرة عند العينين للرؤية. تهدي الكاتبة روكسانا خان روايتها «إلى كل النساء اللواتي يجهدن للاقتداء بأمهات المؤمنين». مع القراءة الأولى يبدو الإهداء مستغربا، إذ تحكي الرواية ذات المنطلق الديني الواضح، حكاية طفلة يتيمة أثبتت نفسها بشجاعة وعزم، وواجهت الإنكار والرفض. فلماذا لم يوجه الإهداء إلى «الذين» يقتدون بالنبي اليتيم محمد بن عبد الله مثلا؟ إن صفحة الإهداء توجه الكتابة نحو هدفها الوحيد، لأن هم الرواية ليس العزم، إنما هو في الحقيقة ملابس النساء. حديث الملابس يتغلغل في الرواية كخط متصل بإصرار وأحيانا برهافة بداية من الإهداء حتى يصل إلى غايته. في البداية تضعنا الكاتبة في أجواء تمجيد «الشادري» أو البرقع الأفغاني التقليدي الذي فرضته حركة طالبان على النساء في أفغانستان.
«المعلمة الخالة كريمة تدخل وهي تمشي بنعومة مرتدية البرقع، إنه عباءة طويلة ضيقة حول الرأس، ثم تنسدل فوق الملابس وفيها شبكة أمام العينين، تنزع عنها الشادري وتطويه بتأنق». «أعطتني الخالة كريمة شادري جديد هدية لي. هو من النوع القطني ذي اللون الأزرق الخفيف وشبكة أمام العينين. كما أنه يبقي يدي حرتين لأحمل بهما أشيائي تحته. كان بمقدوري أن ألبس مثل ثريا، وأن أكتفي بثوب فضفاض وبوراني معقود على ما يرام ليغطي وجهي. لا بأس في ذلك، ولكن هذا ما يعتقد أنه كان ملبس زوجات النبي… لقد كن قويات جدا. كن قادرات على لجم الغرور في نفوسهن.» تروى الحكاية بصوت فتاة من ريف أفغانستان، وكل ما تلاحظه أو تفكر به أو تراه تلك الفتاة حتى في مناماتها، متسق تماما معها كشخصية روائية مرسومة بإتقان، فما الذي يمكن أن نحاسب عليه الكاتبة التي توارت بالكامل خلفها وتركتها تعبر عن نفسها وتفتح لنا عالمها؟
لقد خصت الكاتبة كل شخصيات روايتها النسائية اللواتي يغطين وجوههن بالأخلاق الحميدة، أما من كشفت وجهها أو انزاح غطاء شعرها فأعادته بيدها، أو التي تلقي بالبوراني على كتفيها كاشفة عنقها أو جزءا من صدرها، فقد تفاعلت الأحداث لتجعل منها عاهرة، سارقة، أو ساقطة! هذا التصنيف الأخلاقي للبشر على أساس الرداء شمل كل نساء الرواية بدون استثناء. مهما كان ما تعتقد الكاتبة أنه الموقف الشرعي من السافرات فإن النزاهة عند كتابة رواية من الخيال الواقعي لليافعين كانت تقتضي منها أن تقول الحقيقة المجردة. الحقيقة التي اختبرناها جميعا، حقيقة أن الأخلاق ليست موزعة حسب الملابس على هذا الشكل.
تعبر الكاتبة من خلال روايتها، عن مشاعر ازدراء للنساء السافرات، وفي إحدى المرات تستخدم بطلتها كلمة ازدراء بذاتها وبدون مواربة للتعبير عن موقفها منهن، ويزداد هذا الموقف تطرفا ووحشية كلما تقدمنا في الرواية، فالبطلة جميلة تخرج مع زميلتها في الميتم زيبا إلى السوق، ترتدي جميلة برقعها أما زيبا فتكشف وجهها وتلقي بغطاء رأسها على كتفيـها.
تتحدث جميلة عن موقف الرجال منها باعتزاز: «الرجال يومؤون برؤوسهم نحوي ويتنحون عن الطريق أمامي». إنهم الرجال نفسهم الذين تشير إلى انهم يتعمدون السير بجوار زيبا والاحتكاك بها، بل عندما يتحرش ولد صغير بزميلتها زيبا في السوق تقول: « أراه وهو يتحرش بها. هذه المرة يجن جنون زيبا وتلطمه على رأسه. ويركض مبتعدا عنها وهو يضحك. أعرف أنني ينبغي ألا أرى الأمر مضحكا، غير أني لا أستطيع إلا أن أبتسم.» تبتسم إذن جميلة لمشهد التحرش بزميلتها المراهقة التي تكشف وجهها بتشف واضح، بدلا من أن تجفل أو تشمئز. ومن خلفها على الأرجح تبتسم الكاتبة روكسانا خان مشجعة ومحرضة.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى