سهام أبوعواد: كل شخص في فلسطين هو حكاية بحد ذاته

سلام الشماع

تؤرخ الروائية الفلسطينية سهام أبوعواد لبدايتها مع كتابة الرواية، منذ كانت طفلة حين كانت تخط الكلمات على هيئة خطوط على جدران بيت أهلها في فلسطين، خطوط تعد بها الأيام، التي قضتها أمّها حبيسة في سجون الاحتلال الإسرائيلي، متنازلة عن طفولتها لتكون أمّاً بديلة لبقية إخوتها وهي لم تتجاوز الرابعة عشرة من عمرها.

واستهلت أبوعواد نتاجها الروائي برواية “مقاش”، التي جمعت فيها ما اختزنته من أحداث في ذاكرتها منذ طفولتها، فرصدت من خلالها تجربة الفلسطيني تحت وطأة الاحتلال، محتفية بأرض فلسطين بكل محمولاتها من جغرافيا وتاريخ وثقافة وإنسان، لتسردها بطريقة الاسترجاع في مزيج من الأحداث والشخصيات والأماكن. محاولة الكاتبة تقديم لوحة سردية متنوعة وذات دلالات تحيل إلى الواقع، تظهر حتى من خلال العنوان، فكلمة “مقاش” تعني الطبق أو الصينية المقسمة إلى خانات يوضع عليها الطعام لتوزيعه على السجناء في سجون الاحتلال.

تقول أبوعواد لـ”العرب” إن “الهدف من كتابة رواية ‘مقاش‘ لم يكن عائلتي، بل كل عائلة وشارع ومساحة، في عمقها داخل إحساس كل فلسطيني. ففي ثنايا الرواية يمكنك أن ترى ما لم ترصده عدسات الكاميرا، وما لم يسجله تقرير صحافي ولم ترسمه ريشة فنان. فالاحتلال قد ينجح في اكتساح الأرض لكنه أبدا لا يصل إلى عمق المشاعر الخاصة وهي التي حرّكتني لكتابة هذا العمل السردي”.

وترى الكاتبة أن أفعال الاحتلال التي تحول البشر والأمكنة إلى أنقاض صنعت منهم شعبا مدافعا عن حقه في الحياة بشراسة، لكنها قدّمت في تلابيب “مقاش” إجابة لكل من يقول إن الأم الفلسطينية تعلّم أبناءها العنف، لذا قدمت سردا مليئا بتفاصيل الحياة وهي تحكي قصة الاحتلال المميت.

من ناحية أخرى يرى الكثيرون أن من يطمح لكتابة رواية لا بد أن يقرأ الكثير من النصوص الروائية، ولكن أبوعواد تقول “قرأت ردود فعل الناس حين كنت أخط منذ طفولتي بعض الجمل على جدران حارتي، قرأت إحساسهم حين نجحت في وصف عذاباتهم والرسم بالكلمات، قرأت ملامحهم وأنا أتحدث عن عائلتي، من هنا أخذت على عاتقي الخروج برواية ‘مقاش‘ قبل اللجوء إلى تقليب صفحات الروايات والقصص المنشورة، لهذا اكتفيت بحكايتي الحقيقية الثرية بالأحداث كمتن لروايتي، لذا لا أنكر أن ما خدمني في كتابة ‘مقاش‘ هو كونها سيرتي الشخصية، لكن في تجاربي المقبلة بلا شك توغلت في التعرف أكثر على عوالم السرد والأدب على اختلافها”.

تؤكد الكاتبة أن ثمة بعض النصوص لم يؤطرها كتاب ولا نص أدبي صريح، لكننا نجدها في ملامح الراوي الفلسطيني، وفي سلوكه، وفي كلماته التي يحكي من خلالها حكايات كثيرة مرت بهذا البلد. وهذا كل ما كانت تحتاج إليه خلال كتابتها لروايتها “مقاش”، على اعتبار أن كل شخص في فلسطين هو حكاية بحد ذاته. وهي من هؤلاء إذ تلفت إلى أنه حتى لو لم تكن محظوظة على مدى سنوات طويلة للتفرغ من أجل القراءة والمطالعة، إلا أنها ابتكرت أسلوبها الخاص في عرض الأحداث التي مرت على حياتها.

سهام أبو عواد روائية أنجبتها معاناة قاسية إذ تقول “أنا بنت فلسطين، التي تشبه الكثير من بناتها، لكنني ربما كنت محظوظة بعض الشيء بهذا الولع الشديد بالكتابة وإحساسي المرهف بكل صوت أو صورة أو رائحة، محظوظة بعائلة مارست جميع أنواع النضال الفلسطيني، من سجن ونضال وشهادة ومرابطة. أيضاً كنت محظوظة جداً حين قمت بكتابة الشعارات الوطنية على جدران الأسوار والمنازل، وهذا النوع من النضال منح للأطفال ممن كانوا في سني حين كنت في العاشرة تقريباً”.

تأثير حياتها الخاصة أيضا كان وليد حنينها الطفولي -وهي في سن مبكرة- إلى أمها السجينة، حيث دأبت على كتابة رسائل شفهية لها، وهو ما زاد من إصرارها على تدوين مشاعرها، فهي منذ طفولتها لم تكتفِ بوصف الأشياء، بل راحت تتلمسها وتخزنها في ذاكرتها.

تضيف “أنا ابنة أم يوسف السجينة الشهيدة، وأخت الأسرى المحررين خالد وعلي ويوسف، وأخت الشهيد الذي تم إعدامه على مدخل قرية ‘بيت أمَّر – الخليل‘، وأخت الجريح علي الذي نصب له المستوطنون كميناً نجا منه بأعجوبة، وابنة سليمان أبوعواد الذي طرد من قريته ‘القبيبة‘ في الخليل حاله حال الآلاف من الفلسطينيين المهجرين داخل الوطن. عملتُ على مدى سنوات طويلة كمتحدثة رسمية لمؤسسة تعتني بشؤون عائلات الشهداء الفلسطينيين، لكنني حين بدأت بكتابة أول سطر من روايتي ‘مقاش‘ قدمت استقالتي من المؤسسة وكان ذلك في 2013”.

تعيش سهام أبوعواد الآن حالة انتظار لمولودها الجديد، روايتها الجديدة “أغويت أبي”، بعد أيام، وبعدها ستطلق الكاتبة رواية ثالثة بعنوان “كمائن”.

ولا تجد أبوعواد ضيراً في تصنيف الأدب إلى أنثوي وذكوري، لأنه يعيننا على اشتمام رائحة الأنثى داخل نصّها وكذلك الرجل، على ألا يكون هذا التصنيف دافعاً نحو انقسام فكرة الإنسانيّة.

وتنظر ضيفتنا إلى التجريب على أنه تيار فني متكامل، متكئة على مقولة جمال الغيطاني “إن التجريب فن إعادة خلق الواقع”، وتقول “كان علي التحايل على الألم أثناء استدراجي لذاكرتي في استحضار أشخاصٍ رحلوا، وإحياء أماكنَ

وأزمنة بكل ما فيها من معلوم ومجهول. بالنسبة إلي على الرغم مما سببه ذلك لي من ألم تجدّد مرتين في قتل من أحبهم، أجدُ إلياس خوري في رحلة غاندي الصغير قد فعل الشيء ذاته، ولا أنكر أن هذا أحد أسباب نجاح روايتي في إيصال الصوت والصورة والحدث”.

(العرب)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى